اشتعالات على جدائل جوشن
شعر: يوسف أحمد أبو ريدة
هنا كنا
هنا ألقى أبي رحله
وفتّح جفنَه المكحولَ في أفياء حارتنا
وألقى شامخا ظلّه
وسلّ رغيفه المغموس في عَرَق الجبينِ الحرِّ من أشداق مِطْحنة
تدورُ تَدُقَّ جُرْنَ القمحِ والغلّة
هنا انتشرتْ روائحُ قهوةٍ عبِقتْ
وشدّتْ جذرَه السامي وما زالتْ
ينِثّ عبيرَها الأخَّاذَ في الآفاق
هاونُه وآثارٌ من الفنجان والدّلة
هنا في "الخوخةِ" الشَّماءِ أبصرَ والدي الجنّة
وبين العقدِ والطابونِ سرَّحَ في الهوى جَفْنَه
وبين التينِ والزيتونِ زخرفَ هادئا فنَّه
فأورق في دمي التاريخ مخضلَّا
وغنَّى للورى لحْنَه
--
هنا "جوشن"
تهدهدُ طفلَها الباكي
وترضعُه هواءَ الحبِّ من أقواسِ شُبّاكِ
فتسحرَه برقّتها
وتسحرَه بدقتها
فيدرجَ في أزقتها
يلملمُ أنجمَ التاريخِ
من أرحامِ أفلاكِ
وينظمُها عقودا
من رحيقِ الشيح والزِّحِّيفِ والبابونجِ البريّ والحنّة
---
هنا جوشن
تغازلُ جفنَ والدتي و"مِرودَ كُحلِها الحجري"
و"مِحْنَكةً" بدتْ نجما على جيدٍ من الدرر
و"عسمليةًَ" أرخت على أمّي شعاعَ الشمس والقمرِ
هنا نبتت جذورُ الحبِّ والأشواقِ والفِطنة
--
هنا " جوشن"
تمد ّعروقها جسرا إلى الماضي العريقِ العذبِ
تأسرُه ببسمتِها
فيُسندَ حلمَه السامي على أطرافِ بلدتِها
وفي أجفانها يسكنْ
هنا الأحلام والأنسام والأقلام
تستوطنْ
هنا آثارُ "مِعصرة"
توشوشُ خمرَها الممتدَّ في أوصالِ "خابية"
وتسكبُ سحرَها الجذَّاب في دمنا
فيصهلَ مُهرها فينا
مواكبَ من عبير النّور ِتحملُنا
على أطرافِ أجنحةٍ
تضاحكُنا فلا نحزنْ
هنا سارت خيولُ الأمسِ تحملُ " قادم القَشّ"
وتمضغُ زهرةَ الطرقاتِ
تذرع "واديَ العفصاتِ"
في وله
كأن الشِّعْب أكنافٌ من العشّ
هنا كانت "جُرون القمح" تنتثرُ
كأن حبوبَها الأحلامُ في الآفاقِ تنتشرُ
يُنَفِّشها أبي صبحا
ب"دقرانٍ" كأن القشّ في أسنانِه قمرُ
ودارتْ في الرّحى الثيرانُ تدرسُها
وتحرسُها
ويحملُ والدي "المذراة" منتشيا
فيذروها ويفصلُ حَبَّها عصرا
عن التبن الذي يعلو وينحسرُ
هنا آثارُ "صَوْمَعَةٍ"
تضمُّ القمحَ تخزِنُه بأضلاعٍ من الطينِ
تلامسُه تهامسُه
وتشعرُني بأن القمحَ من أهلي تَخَلّق في فلسطين
وترسلُ طَرْفها سحرا، وتبصر هِزة "الغِربال"
في كفيّ والدتي
وتحسَبه عقودا من رياحينِ
--
هنا جوشن
أزقتها شرايينُ الذين مضوا
و"طاقاتُ العقود" رئة
وصهوتُها سماءُ الكونِ باسمةً
ينامُ بها من الأجدادِ والآباءِ والأحفادِ
نحو َ مئة
و"قاع البيت" مَزرعة
بها الجديانُ والخرفانُ والثيرانُ
والديكُ الذي ما كان منحازا لأيِّ فئة
--
هنا كان الشباب الصيدُ في حلقاتِ دبكتهم
تقودهمُ عصا اللِّويحِ في أحضان بلدتهم
هنا "الشّبابة" انطلقتْ
بأوردة الحياة دما
تناغي العودَ واليرغولَ
تطلق صوتها نغما
وصوتُ ربابة ريّا
يخالط لحنها الحلما
وتدفعهم زغاريد النساء بدت
فصولا من كتاب العمر مفتوحا
ترافقها " مهاهاة"
تضخّ القول في أوصالهم حكما
---
هنا "الخبيزة" انفردتْ
" خَروجا" في جوامعهم
وهام بحبها النسوان والشيّاب و الحرسُ
وألقت لحنها الأبدي حرّا في مسامعهم
وندّب حظَّه العدسُ
هنا الخبيزة انفردت
مقلّية مفتّلة وشختورة
فلا شحم ولا لحم ولا فول وبندورة
هنا طاب الزمان لهم
وأرسل بالكلام
فما
---
هنا "الحصن" الذي وقفا
ودوّن رحلة الرومان واليونان والإفرنج
مذ مروا وما نزفا
وقال بظله جدي ولم يحفل بطوفان العدى أبدا وإن عصفا
وقاوم كل تهويد وتهديد وما انقصفا
هنا اشتعلت مشاعرنا
هنا هتفت حناجرنا
هنا انتفضت محاجرنا
هنا أستوقف التاريخ في أطلال أجدادي
كما جدي
العظيم الصلب قد وقفا
--
هنا الأتراك قد حكموا
وقاد جموعَهم "فَوْزي"
وجنّد كل أهل الحيّ
فانصهروا ببوتقة من الأمجاد والعزّ
وكانت قلعة الأجداد كالأمواج تلتطم
فقادوا الحرب ضدّ الظلم والحلفاء وانهزموا
--
هنا "الرهوة"
تقصُّ حكايةَ التاريخِ والقوة
وتروي عن رجال الحقِّ إذ نفروا
إلى "وادي الخليلِ" ضحى
وما جذبتهم الأموال والأقوال والثروة
هنا ساروا
تقود خطاهم النخوة
وما رجعوا بغار النصر
بل رجعوا على الأكتاف
فانغرسوا بذاكرة المكان الحرّ
أشجارا من الزيتون
تكسر منطق القوّة
--------
جوشن: اسم بلدة الظاهرية الكنعاني، والخوخة: بناء قديم كانت يلتقي فيه أهل البلدة القديمة الظاهرية، وقد أعيد ترميمه حديثا، وادي العفصات: أحد الأودية الواسعة في الشمال الغربي للظاهرية، ووادي الخليل: واد في جنوبها، والرهوة: مكان في جنوب الظاهرية وقعت في مخفره مجزرة إسرائيلة بحق الحرس المدني والجيش الأردني في 11/12/1956
شارك بتعليقك
لك مني التحية والسلام
محمد يوسف - عانين - جنين
انت شاعر الشمال ايضا
في البال دائما
تحياتي يا صديقي
ناصر ابو بكر / بيت ليد / طولكرم
[email protected]
المارة
كتابة
الشاعر محمد مصطفى حليمة _ ليبيا
"إلى محمد فتحي –المنوفية- حبا وكرامة لبسام الوريدات–فلسطين- وعبد الحكيم كشاد - ليبيا-" و لأبى بكر حامد كهال_ ارتيريا
كيف لأنثى أن تعلو على الحب
والحب فى الربيع يذبله السرير
وفى الكتاب سأسل عنكن يامهملاتى أمام النهر والبحر
الجميع هنا حاضرون بالغائبين ولست سعيدا بالصباح الكسيح بينهم
منهم ولست منهم وأنت أيضا هيا تعالى صدقى رؤياي
لا يعرفون الحرية في البوح فكيف سيقدرون نورك فى الظلام
وأنت رهيفة والخيال حولك يؤسسه غزال لم يرى الماء الكريم
أعرف مكان الغيوم وأسماء القطرات والأرواح العطشى
علمنى الشعر
وخصنى بى
وأتانى النسيم رفيقا قلت سأدخن قال مريدك أحرجنى جدى لم يلوث النهر وأقام على المائين مجده
ابتسمت أخذنى من جناحى ريشة بها يتفائل الحزين وترطب الأرض للفلاح قلت خذ ماتشاء
قال لاأشاء ياحبيبى قلت هدية غرسها فى المكان حولنا قلت خذنى معك لوح بالشمس لى خدشتنى وردة فى الجناح .........
ياليل لاتجرح عاشقا وأنت يانهار لات.استبقني لا تخف تركتنا النجوم والشمس غاضبتين وبكى القمر
مع تحياتي للشاعر الكريم
شكرأ
شكرا لمرورك المميز، ولحروفك الصادقة الوفية، متمنيا لك كل خير وألق، ولن أضن بمساعدتك، وتقبلي كل مودة ووفاء
اتمنى لك دوام التقدم والتوفيق
سلام لك من أهلك وإخوتك هنا، سعدت بمرورك، ولعل الله يكتب لك اللقاء بأهلك وبلدك قريبا.
أخوك
سلام لك من أهلك وأحبتك هنا في الظاهرية التي تشتاق إليكم كما تشتاقون إليها.
وأشكرك لمرورك المعطر بالجمال والفن، وأشكر لك جهودك هنا
واسلم لأخيك
يوسف
رائع لا غير .
أخوك أيمنعبد الحميد الوريدات .