مواطن عربيّ مع سبق الإصرار
قصّة بقلم : أيمن عبد الحميد الوريدات .
الأردن ؟ الزّرقاء
هذا المشهد يرسمه يوميًّا شخص يعيش بيننا أو فينا اسمه حمدان أو قحطان أو عدنان أو ... سمّه أيًّا شئت ، المهمّ أنّه منّا وفينا ، فهو مواطن عربيّ مع سبق الإصرار .
مبكّرًا يصحو ، فيؤدّي ما عليه من صلاة مكتوبة ، ثم يشرب قهوته العربيّة المستوردة من البرازيل ، يشربها محلاّة أحيانًا أو مُرّة أحيانًا أخرى مصحوبة بسيجارة أمريكيّة أو غير مصحوبة ،ثم يتناول إفطاره المعتاد ويتوجّه إلى عمله متثاقل الخطى كأنّما يُدعُّ إلى الموت ، يباشرعمله يلعن ويسبّ الزّمن والظّروف وغلاء الأسعار وكثرة العمل وجاره وجارته وبائع الغاز الّذي يزعجه و... حتّى يصلّ الأمر به فيسبّ نفسه واليوم الّذي وُلد فيه ، يُنهي عمله كما بدأه وهو يتأفّف وينظر إلى السّاعة وما فيها من ثوانٍ لأنّها كالجمرات في دمّه ، يغادر عمله عائدًا إلى بيته حيثُ تنتظره روائح الطعام الّتي اشتاق إليها فيملأ معدته حتّى ينقلب على أحد جنبيه ، فيمسك ( الريموت ) بيده ويبدأ بتقليب القنوات الفضائيّة مبتدِئًا بالجزيرة ، يشاهد نشرة الأخبار ؛ رائحة موت في العراق ، غارات إسرائيليّة متواصلة على غزّة ، اشتباكات في السّودان ، اضطرابات في اليمن غلاء أسعار في كلّ مكان ، جرائم شرف وجرائم ثأر وجرائم لا تصنّف و... يعود للعن والشّتم وبأننا أمّة غير قادرة على شيء ، يبكي من شدّة ما يتعرّض له العرب والمسلمون هنا وهناك ، ويشرح لأبنائه أنّنا مستهدفون ونتعرّض للمؤامرة من كلّ العالم ، كلّ هذا في دقائق ، ثمّ يقلب على قنوات روتانا وشبيهاتها فيشاهد (هيفاء ونانسي ودومنيك وتامر...) وأسماء وأجساد عارية وأجساد أكثر من عارية شيء لا يُحصى ، فيهتزّ طربًا ويتراقص فرحًا معلّقًا مُبحْلِقًا مُدقّقًا في كلّ التّفاصيل ، من الأخمس حتّى أعلى الرأس ، من الفستان وتفصيله وتأنيقه وفيما خفي تحته ، لا تفوته شاردة ولا واردة ، ويقول : (( هيك النسوان ولاّ بلاش )) ، ثم يسبّ أبناءه بعد لحظات قليلة بسرعة يا بجم فاتتنا نشرة الأخبار ، فيشاهد نشرة الأخبار فتدمع عيناه من جديد وبيده كأس الشّاي أو علبة المشروبات الغازيّة الّتي يقاطعها مرّة ثم يشتاق إليها مرّة أخرى فلا يقدر على فراقها ، يقاطعها إذا رأى ما يسفك من دم عربيّ فيصرّ على المقاومة والنّضال ، ويعود إليها إذا شاهدها في مادّة دعائيّة بيد خمس متستّرة ممّن يروق له تمايلهن وطعجهن وغنجهن فلا يستطيع المقاومة ويلغيها من قاموسه ، ويتوالى يومه الحافل بالجدّ والنّشاط بين قناة للأفلام وقناة للأخبار وأخرى للغناء ورابعة لفنّ الطّبخ والأبراج والشّعوذة وخامسة للوعظ ، مسكين يبكي تارة ويرقص تارة ويطبخ تارة أخرى ، يحضر أفلام النّهار واللّيل وما بينهما ، ثم يختم يومه بدعاء النّوم فيموت لساعات ليباشر مهمته ذاتها في يومه التّالي ، كلّ هذا وهو متوازن لا تهزّه ريح فهو عربيّ أبيّ مع سبق الإصرار .
شارك بتعليقك