جدي العزيز ابو وحيد ابو خلف ابن الثمانين عاما يروي ويقول:
في كل صباح عندما تُشرق الشمس، كنا نجلس أمام بيوتنا ننظر إلى حقولنا الشاسعة التي تحيطنا من كل جهة. كان نسيم الصبح يداعب سنابل القمح، محدثةً نغماً وصفيراً.. كان هذا الصوت يرفع من معنوياتنا ويبشرنا بالخير، وكان أشبه بالسلام الوطني الذي يعزف للجنود لكي يستبسلوا في المعركة.
هكذا بدأ الحاج رضوان داوود ابو خلف( 85عاماً) يتحدث عن مسقط رأسه في السموع. كانت عيونه تسبقه في الكلام، فنرى فيهما لهفة الاستمرار في الوصف والتحسر على الماضي، رغم ما كان في تلك الحياة من بساطة.
تمسكنا بالأرض رغم بساطة العيش
يقول الحاج أبو خلف: كنت أملك نحو 80 دونماً في منطقة عتير إضافةً إلى 25 دونماً في منطقة مجد الباع. كنا نعيش على خبز الشعير والذرة وكمية قليلة من القمح، وكانت الأرض أغلى ما نملك.. تمسكنا بها ورفضنا السفر، أو الهجرة. إعتمدنا على تربية الماشية والأغنام كمصدر ثانٍ للعيش بعد زراعة الحبوب والذرة. كان أهل البلد يعملون كرجل واحد، تراهم في الصباح في حقولهم وفي رعي الأغنام، وفي المساء كان الرجال يجتمعون، ويتسامرون، ويروون الحكايات والقصص.. كانت الابتسامة لا تفارقنا.
ويتابع أبو خلف إن الانتداب البريطاني كان يحرمهم من العيش الكريم، وكان يستولي على القمح بعد حصاده رغماً عن المواطنين، مؤكداً أن أفراد عائلته لم يخضعوا لهذه الأوامر وكانوا يجتمعون في الليل من أجل إخفاء ما يكفيهم من حبوب القمح للأكل، فيما يتم إخفاء كمية أخرى من أجل شراء الشاي والصابون والسكر والزيت، والكاز الذي يستعمل للإنارة حيث أن ليتر الكاز الواحد يكفي طوال السنة فالضوء كان لا يستعمل إلا وقت الحاجة عند التوجه للفراش أو العشاء.
المقاومة استمرت بضعة أشهر
يضيف الحاج أبو خلف: إن عصابات اليهود بدأت في مهاجمتهم في اراضيهم ومزارعهم ويعني بذلك بداية كانون ثاني-شباط، عام 1948، حيث تمكن اليهود من قتل الأغنام وقطعان الماشية والرعيان الذين كانوا على مشارف البلدة في مناطقعتير وكسيفة والمناطق المجاورة). وبعد وصول الأخبار للمواطنين في منطقةجبل الخليل, اجتمعنا واتفق الرجال على أخذ مواقعهم من أجل الردّ على عصابات اليهود المهاجمة وذلك لمنعهم من الدخول إلى البلدة، كان الرجال يحملون الأسلحة البسيطة التي كان الهدف وراء اقتنائها في الأصل حماية الماشية من قطاع الطرق واللصوص وحماية الزرع والأرض، إضافةً إلى وجود بعض المشاكل الداخلية.
ويضيف أبو خلف: إن هجمات اليهود استمرت منذ بداية موسم زراعة الأرض في كانون ثاني عام 48 حتى موسم الحصاد من نفس العام، وبعد شهور من المعارك والهجمات المستمرة بدأ الوطن بالسقوط في أيدي اليهود وقررنا الصمود رغم ذلك.
وأشار الحاج ابو خلف أن سلاح المقاومة الذي كان من نوع (العانية أو أم طلق أو كما يسمونها "أم درباس") لم تكن بمقدورها الدفاع والاستمرار أمام الأسلحة والرشاشات الثقيلة والجيبات المكشوفة والدبابات.
سقوط المناطق الزراعية عتير وغوين والمزارع
يقول الحاج أبوخلف: أمام هذه الأسلحة والهجمات المستمرة لم نتمكن من الصمود، خاصةً أن الذخيرة التي كانت بحوزة المقاومة نفذت، ولم نتمكن من شراء ولو رصاصة وذلك لانعدام المال، فكان التهجير في النهاية بسبب عدم القدرة على الاستمرار في الدفاع عن أراضينا حيث حرقت حقولنا وشحَّ الغذاء وشعر الجميع باقتراب الهلاك، لهذا هربنا دون معرفة أين سيكون المستقر. ويضيف أبوخلف: بعد السير يومين في الصحراء استقر بنا الحال مع بعض الفارين إلى منطقة السموع الداخلية في القرية.
الهجرة المستمرة
ويتابع الحاج أبو خلف، الذي لديه اليوم ثلاثة أبناء وعشرات الاحفاد:لا بد من الصمود في وجه الاعداء وحماية ما تبقى لنا من اراضينا حتى لا يحدث لنا ما حدث وحتى لا ننتكب من جديد وتتوالى علينا النكبات عاما بعد عام في ظل هذه الظروف الاليمة التي تعيشها ارضنا ويعيشها شعبنا وفي ظل استمرار العدوان الصهيوني الحاقد والانقسام الخطير الذي يدمي قلوبنا واستمرار الصمت العربي والدولي المطبق ازاء قضيتنا وشعبنا
وفي النهاية لا يسعني الا ان اورثكم يا ابناءي هذه الارض وائتمنكم عليها لانه لم يبق في العمر مثل ما مضى
شارك بتعليقك