فلسطين في الذاكرة من نحن تاريخ شفوي نهب فلسطين English
القائمة الصراع للمبتدئين دليل العودة صور  خرائط 
فلسطين في الذاكرة سجل تبرع أفلام نهب فلسطين إبحث  بيت كل الفلسطينيين على الإنترنت English
من نحن الصراع للمبتدئين    صور     خرائط  دليل حق العودة تاريخ شفوي نظرة القمر الصناعي أعضاء الموقع إتصل بنا

العطارة: دلالة المحرمة

مشاركة العطاري في تاريخ 1 أيار، 2008

صورة لقرية العطارة - فلسطين: : منظر من الاعلى أنقر الصورة للمزيد من المعلومات عن البلدة
دلالة المحرمة عمر عبد الرحمن

ورد في لسان العرب ، حرم فلاناً الشيء منعه إياه ، و حرم إمتنع ، و أحرم دخل في الحرم ، أو في حرمة عهد أو ميثاق ، و محرمة ، ومحرمة : ما يحرم انتهاكه من عهد أو ميثاق أو نحوهما .. و ورد في المعجم نفسه المنديل : نسيج من القطن أو الحرير أو نحوهما مربع الشكل يمسح به العرق أو الماء ..
و المتأمل فيما ورد في المعجم يتبادر لذهنه الإفتراضات التالية :
- إن هذا العنصر من الثقافة المادية الشعبية ( المحرمة ) جاء ليحقق
معنيين ، الأول : رمز الحرمة ، و الإمتناع ، و الثاني قطعة قماش يمسح
بها العرق .
- إن المعنى الثاني حقق وظيفة بيولوجية للإنسان ، و الأول حقق وظيفة
نفسية روحانية .
- إن قطعة القماش هذه ، صنعت أو أجري عليها تغيير أو تطوير ، بيد إنسانية ، وفق مهارات تقليدية ، و انتقلت عبر الأجيال ملبية حاجات..
- و هذا شكل من أشكال تطويع الإنسان لخامات الطبيعة البسيطة ، و استغلالها وفقاً لأغراضه ، وتحويلها من مصادر طبيعية بسيطة ، إلى أشياء ثقافية تصلح لتلبية الحاجات ..

ولعل هذه الإفتراضات ، تأسست من بدهية تفاعل الذهنية الشعبية الفلسطينية في الأرض ، و على قاعدة حاجات الإنسان اللامتناهية على الأرض ، لذا نجد أن مصطلح " المحرمة " ولد الكثير من المعاني ، و جسد الكثير من الدلالات بقالبيها المادي ، و المعنوي .. و التي ارتبطت بالوجدان ، وتجذرت في حضن الإنتماء لهذا التراث العبقري الجميل ، الذي يصقل شخصياتنا ، و يفرض هويتنا ، و يترجم معتقداتنا الخبيئة في صدورنا ، إلى سلوك تلقائي ممارس .. و في هذا الإستطلاع . أحاول تجسيد بعض دلالات " المحرمة " في بعض ما جمعته من أغان فولكلورية ، أو مواقف تراثية ...

أول ما يطالعنا من هذه الدلالات ، علاقة " المحرمة " بغزل الرجل بالمرأة فهي عنوان بارز يفتح الأبواب مشرعة على حياة ملؤها المحبة و الخير و العطاء ، وذلك عندما تظهر " المحرمة " و كأنها جزء لا يتجزأ من الحبيبة .
و المحب عف بنفسه عن ذكر أوصاف مادية تجسد الحبيبة ، و ربا بنفسه عن هذا ، ليسقط أحاسيس الوصف و التجسيد في " المحرمة " ، وتكون " المحرمة " هي الدالة على الإقتران بين الجنسين ، ومن هذا قول الشاعر الشعبي :-
يا أم المحرمة لوحي بها و لا تلوحي وعلى المحرمة و الله معلقة روحي
إن نظرة بسيطة في النص ، ومركزية " المحرمة " فيه ، ترينا أن " المحرمة " لم تأت لتجسد أداة مادية تلبي حاجة بيولوجية ، و إنما ظهرت المحرمة عنصراً مكوناّ من عناصر المحبوبة ، و عزز مكانة هذا العنصر علاقة الأمومة بين المرأة ؟ محور الغزل ؟ و المحرمة ، و لهذا وجدنا شاعرنا الشعبي يعلق في هذا العنصر ، أغلى ما يملك وهو "الروح" ..
ولو أعدنا صياغة هذه العقلية الشعبية ، و هذا النمط الشعبي في التفكير ، لقلنا أن الرجل تغنى بجزء نفيس من أجزاء المحبوبة ، بعد أن عدل صورة الحبيبة ، ببعض الإضافات ، ليظهر هذا الجزء في صورة بوتقة حية امينة رقيقة قادرة على حمل مشاعر الشاعر و أشجانه ...
و يتناغم هذا الرأي ، مع سيكولوجية الغزل و فلسفته في "زريف الطول" "ظريف الطول " ، السندباد الفلسطيني الراحل دوماً .. الممثل لغزل طوباري حالم ..
يا زريف الطول و يابو المحرمة و المحبة بعدكم تحرما
و غني عن القول هنا أن " زريف الطول " يصدق على الإنسان الفلسطيني ، ذكراً كان أم أنثى ، امتلك قيمة معيارية مطلقة في الجمال .. أحد أركانها يتجلى بتميز بوظيفة " المحرمة " في كمال الجمال .. و إذا استخدم الشاعر الشعبي ، صيغ مبالغاته ، فإنه يفصل هذا الجمال بمكوناته و عناصره ، محيلاً المفرد من " المحرمة " إلى مثنى :
يا زريف الطول و يابو المحرمتين خدك يا ضي القمر و النجمتين فالجمال المعياري المطلق ، بدا في ضوء القمر ، و النجمتين ، و المحرمتين ... و تسترسل العقلية الشعبية في تفصيل أكثر للجمال .. مستنطقة السندباد المسافر عن أحوال حبيبها ، و مكان إقامته :
خدك يا ضي القمر بأول الشهر يا من يجيب الخبر وليفي وين ؟ ..

ولم يكتف الشاعر بتعليق روحه بمحرمة الحبيبة ، بل خطا خطوات أوسع في سبيل إعادة تشكيل صورته ، و ترتيب تكوينه لتتكئ الذهنية الشعبية هذه المرة على فلسفة " الحلول " ، و إعادة التشكيل .. ليتقمص الجسد و الروح صورة " المحرمة " و التي بدورها تكفل التداخل و التزاوج أولاً ، و من ثم التزاوج و الإنصهار ثانياً و في ذلك قول الشاعر الشعبي :
يا ريتني ساعة و المع ع يدك والا محرمة تمسحي خدك
و إذا تحرر الشاعر من هذا الحلول ، واستقل بنفسه جسداً و روحاً ، فإنه بحاجة إلى هوية يثبت بها طاقة غزل متولدة من أنفاس حريرية ، و لم يتورع الشاعر من اتخاذ " المحرمة " هوية يدلل بها على غزله و يخرجها بإبداعه و ابتكاره من دائرة الأنثوية إلى تمثيل "الجنس الذكوري" و يمازج بينها و بين محرمة أنثوية أخرى هي منديل الحبيبة ، و لنتأمل اّلية ترتيب الشاعر لعلاقة الجذب بين سلب و إيجاب ، و الخلوص إلى توليد قوة إنصهار و توحد ، كل ذلك من خلال تجسيد الذكورة في الهوية " المحرمة " ، و تجسيد التأنيث في الهوية الاخرى وهي
" المحرمة " أيضاً و التي تحولت إلى منديل يقول الشاعر :
من باب الشباك طلي لحكيلك لا تخافي مني الله وكيلك
خذي محرمتي اعطيني منديلك يا أم السوالف أي يا حنونا
ولعل من العوامل الرئيسة التي قوت الجذب في الصورة ، هي استخدام الشاعر للطباق في ألاخذ والعطاء ..
وتحيل العقلية الشعبية "المحرمة" من قطعة قماش تستخدم تلبية لأغراض بيولوجية إلى معان تخدم الأغراض الروحانية .. بكلمات أخرى تحيل العقلية الشعبية المحرمة من الحقيقة الضيقة إلى المجاز المطرد اتساعاً ، لتكون بساطاً يلتقي عليه العاشقان ...
افرش منديلك ع الرملة .. وأنا الف واجيلك ع الرملة ..
ويكبر البساط ، ويتعاظم اتساعاً ليصبح طريقاً تمشي فيه العروس مختالة في زفتها الى بيت العريس ...
افرشوا الساحة محارم تا تمشي بنت الأكارم ....
وإذا خرج شاعرنا عن دائرة الغزل ، لرسم فضاءات روحانية ، لا يمكن الأمساك ( بسرياليتها ) ، فإنه في هذه الحالة يستخدم المحرمة " أداة " كما يبدو للمتلقي في الوهلة الأولى ،الا أن مزيداً من التبصر في هذه الأداة يحيلنا الى دائرة الايحاء ، وكأن المبدع هنا ينقل الأحاسيس والانفعالات ، وينقيها من شوائب القيم الدنيوية ، ليحلق بها في فضاء " المطلق "، و من هنا تتأتى دهشة المتلقي ، بالرسم الايحائي بالألفاظ :
نزل ع الدبكة اللويح الشاطر ريحة محرمته تشرح الخاطر ...
فالدبكة هي ميدان فعل الرجولة .. المغلفة بغلالة من " الدلع " الطربي ، واللويح هو فارس الميدان ، وشيخ حلقة صوفية يتمايل فيها الرجل الذي يغري بصوته ، وحركته المرأة التي على السطوح يناديها بعد أن استخفه الطرب :
يا بنت يللي ع السطوح طلي وشوفي افعالنا .
انت غواك كحلك وحنا غوانا سيوفنا .
في هذه اللحظة تظهر اشارات هذا اللويح بالمحرمة معادلاً موضوعياً ، وفنياً في ان .. لنداءات الذكر للأنثى .. الأنثى المحكومة بتقاليد الدين ، والعرف ، والعادة ، والتقليد ، والممتدة في مسارات الحرمان والنفي العاطفي . لقد خص الشاعر الشعبي كل هذه المعاني برائحة المحرمة المعطرة .. والأغراء هنا غير خاف على أحد ، خصوصاً في استناده على ثلاث حواس .. حركية ، بصرية ، شمية .. للتأثير في عالم علوي من القيم .. تسامت عن ارضيتها ، وعمل الاغراء بتأثير الحواس الثلاث في عالم الخاطر ، والوجدان و العاطفة ..
وتبرز حاسة البصر بشكل لافت ، عندما يطلب " اللويح " القائد ، الموجه مركز الحلقة ، عندما يطلب محرمة مطرزة .. تتلألأ بريقاً يتزايد بحركة الايقاع :
ارمي محرمتك لي ارميها نازل ع الدبكة تلوح فيها
دخيل القصب اللي عليها ودخيل اللي على لعيونا
كذلك ...
يم المحرمة مطرزة ع الداير بيد اللويح القايد الشاطر ...
وغني عن الشرح ، للمتأمل ، مدى ارتباط " الحرمة " وعلاقتها برجولة " اللويح " قائد الدبكة .. فهي من أهم وسائل بلوغ القائد تحقيق هدفه .. و انجاح مهمته .
وإذا كانت أدبيات زريف الطول وعلاقته بالمحرمة شكلت منعطفاً حاداً في رحلة الفلسطيني التي لا تنتهي ، فان مفهوم الفقدان والضياع والحرمان تتعاظم حدته في الشكل الادبي ، وتحديداً في لعبة الاطفال ،"يا عمي اسكندر" ... حين تظهر صورة المحرمة متوازية مع صورتين اضافيتين لبناء نظام كامل للحرمان والنفي ..
في الصورة الاولى يظهر الرحيل المطلق :
يا عمي اسكندر اولا .. اعطيني حصانك اولا .. لركب واسافر .. اولا ..
ع بلاد اسكندر اولا ...
وتتوازى هذه الصورة مع ما يخلفه هذه الرحيل المطلق .. الموت ، الغياب الابدي ، اسكندرمات .. اولاً .. خلف بنات .. اولاً ..
وتاتي صورة المحرمة لتكمل النظام المأساوي ، وتتنمط في الخط الموازي الثالث والذي يشع حرماناً وضياعاً ..
ضاعت محرمتي .. اولاً .. لاقولي اياها .. اولا ..
إن توظيف المحرمة في النص ممثلة للحرمان ، خلق نوعاً من "التبئير"
البكائي ، وهذا يحتل مساحة كبيرة في العقلية الشعبية ، عبر عنه بمصطلح دموع الفرح .. هذا أولاً وثانياً وجدنا المحرمة الضائعة تمثل المعادل الفني للوجدان الضائع ، والذات التي تاهت في خضم نكرانها أو تضئيلها أو تذويبها ، فالمحرمة هي ذات الشاعر القلقة والتي عكست حالات من القلق السرمدي ..
وبقدر ما خدمت" المحرمة " الدهنية الشعبية ، و الأدب الشعبي ، وشكلت مرتكزاً هاماً في اغانيه بقدر ما وظفت في التقاليد الشعبية والتي افرزت انساقاّ من السلوك المنمط .
ومن هذه التقاليد نجد الكريم الفلسطيني ، الشيخ ، صاحب النخوة والشهامة حاملاً محرمته ، يسابق الاخرين لدعوة العروس الغريبة الى بيته قبل ان تنتقل لبيت الزوجيه .. يسارع الرجل في هذه الاجواء الفرحة ، ليضع محرمته ؟ رمزاً لعفته وشرفه ؟ وطهره ، رمزاً لكرمه ونخوته وشيخته ، ويعلقها في رقبة الفرس التي تحمل العروس وقد تطورت هذه العادة وتعدلت بفعل التغيرات الاقتصادية ، وتطور وسائل المواصلات ، وانتقلت المحرمة من رقبة الفرس الأصيلة ، الى " انتين " السيارة .. وهذا عرف دارج ، وفيه يتنافس الرجال للسبق بهذا الموقف .
و ليس بعيداً عن الزواج ،و تحديداًفي عقد القران ، تظهر عادة تلاقي يد "ولي أمر" العروس ، و العريس تغطيهما محرمة ، تتقدس بتأثير الموقف الجلل ، و شعائر عقد القران الدينية ...
و ليس من الصعوبة بمكان القول ، إن المحرمة قطعة مادية تراثية ..
تحمل جزءاً كبيراً من الثقافة الشعبية .. الغنية بمعانيها ، و دلالاتها .. ولعل ما ذكرناه كان غيضاً من فيض هذه الدلالات .. وهو ما توفر لدينا من إغان و مواقف ، و أنا على يقين أن هناك المزيد المزيد من هذه المعاني.. و بالتالي نخلص إلى القول أن هذا التراث الذي نسجنا عظيم .. إنه عبر عن يد صانعة .. و عادة ممارسة .. و تقليد راسخ .. كانت "المحرمة" تجسد اللفظ ، و المعنى ، و الفن .. وترسل في جزء منه .
الرسائل تباعاً .. عنوانها .. أن تفاعل الإنسان في الزمان و المكان .. أخرج المحرمة من وظائفها البيولوجية كمسحها للدمع و العرق ، و حفظها للنقود ، و حفظ الزوادة ، إلى معان روحانية .. لبت الحاجات الأرقى للإنسان .. حاجات لا غنى للنفس عنها .. لأن المحرمة أثبتت أن لها القدرة على حمل الجمال و المثال ، و المعنى ، بقدر ما حملت يوماً وظائف بيولوجية .



هوامش الدراسة :
1- إبن منظور ، معجم لسان العرب ، دار صادر 1968 .
2- المأثورات الشعبية ، منشورات جامعة القدس المفتوحة ، ط1، 1996.
3- ما سمعه الباحث و جمعه من البيئة المحلية : العطارة ؟ جنين .



إذا كنت مؤلف هذه  مقال وأردت تحديث المعلومات، انقر على ازر التالي:

ملاحظة

مضمون المقالات، المقابلات، أو الافلام يعبر عن الرأي الشخصي لمؤلفها وفلسطين في الذاكرة غير مسؤولة عن هذه الآراء. بقدر الامكان تحاول فلسطين في الذاكرة التدقيق في صحة المعلومات ولكن لا تضمن صحتها.

 

شارك بتعليقك

الله يعطيك العافيه ياعمر ويام المحرمه لوحي بيها ولاتلوحي وعلى المحرمه والله معالقه روحي
 
American Indian Freedom Dance With a Palestinian


الجديد في الموقع