الطيرة قبل سنة 1948
طيرة حيفا
كانت القرية تنتشر على المنحدرات الغربية السفلى لجبل الكرمل, مشرفة على السهل الساحلي, وكانت طريق فرعية تصلها بالطريق العام الساحلي, الى الشمال الغربي منها, وكانت الطيرة من أهم قرى قضاء حيفا, فهي أكثرها سكانا, وثانية كبرى القرى في القضاء ( بعد إجزم) من حيث المساحة. وقد أطلق الصليبيون عليها اسم سان يوهان دو تير. في سنة 1596 كانت الطيرة قرية ناحية شفا ( لواء اللجون), وعدد سكانها 286 نسمة, يؤدون الضرائب على عدد من الإنتاج والمستغلات كالماعز وخلايا النحل وكروم العنب.
في أواخر القرن التاسع عشر, كانت الطيرة قرية ذات منازل مبنية بالحجارة والطين وكانت تقع على سفح جبل تتميز تلاله القريبة من القرية بكهوف, وتحيط بها بساتين الزيتون. وكان عدد سكانها 1200 نسمة تقريبا, وكانوا يزرعون 60 فدانا ( الفدان= 100-250 دونما). وقد أخذ اقتصاد القرية يتدهور بعد سنة 1872, في إثر التجنيد الإجباري الثقيل الوطأة الذي فرضه العثمانيون. لكن القرية عادت فازدهرت لاحقا. وقد بنى سكانها( 5240 مسلما و 30 مسيحيا, في أواسط الأربعينات) منازلهم الحجرية كالعناقيد. وكان شكل القرية مصلبا, وفيها مدرستان ابتدائيتان: أحداهما للبنين, والأخرى للبنات. وقد اشتملت أراضيها على بضعة ينابيع, واعتمد اقتصادها على الحبوب والخضروات والفاكهة. في سنة 1943, فاق إنتاج الطيرة من الزيتون والزيت ما أنتجته أية قرية أخرى في قضاء حيفا, وكان فيها ثلاث معاصر زيتون آلية. وقد غرس فيها أيضا الكثير من شجر اللوز, وهذا ما أدى الى تلقبها بطيرة اللوز. في 1944\1945, كان ما مجموعه 16219 دونما مخصصا للحبوب, و 3543 دونما مرويا أو مستخدما للبساتين. كما اشتغل بعض سكانها بتربية الدواجن. وكان في أراضي الطيرة خمس خرب, إحداها, وهي خربة الدير( 147245), تضم بقايا دير سان بروكادوس. وبعض الكهوف التي كانت آهلة سابقا, ونفقا من الحجارة المعقودة. وكان إلى الجنوب من القرية موقع أثري مكشوف يعود تاريخه الى العصر الحجري الوسيط, وقد نقب لاحقا.
احتلالها وتهجير سكانها
في 12 كانون الأول\ ديسمبر 1947, أغارت عصابة الإرغون بالقنابل على الطيرة, في أثناء الجولة الأولى من القتال. وقد تم ذلك في عيد الحانوكاه عند اليهود, واقترن بست هجمات إرهابية أخرى شنتها العصابة نفسها في أماكن عدة من فلسطين. ويذكر (( تاريخ الهاغاناه)) أن الغارة أدت إلى مقتل 13 شخصا في الطيرة, وكشفت صحيفة(( فلسطين)) عن وجود أطفال وشيوخ في جملة الضحايا. وجاء تقريبا, وأنها اقتربت من منزل منفرد في طرف القرية وقذفته بالقنابل. ثم إن المهاجمين أطلقوا نيرانهم على المنازل قبل أن ينسلوا عائدين عبر بساتين الزيتون, الى حيث كانت شاحنة في انتظارهم. وذكرت صحيفة(( نيويورك تايمز)), توكيدا للهجوم, وقوع عشرة جرحى فضلا عن مقتل ثلاثة عشر شخصا وتدمير منزل واحد وإصابة عدة منازل أخرى بأضرار.
وخلال الأسابيع اللاحقة, تعرضت القرية لهجمات أصغر ففي 5 شباط\ فبراير 1948, شن هجوم استمر ساعة وثلاثين دقيقة, ولم يسفر عن وقوع ضحايا, استنادا إلى بلاغ رسمي بريطاني جاء فيه أنه لم يصدر عن القرية أية ردة فعل . وفي الصباح الباكر من 22 نيسان \ أبريل, شن هجوم كبير على الطيرة, ترافق مع هجوم الهاغاناه على حيفا. وكان هدف الهجوم, في الظاهر منع التعزيزات العربية من الوصول الى حيفا. لكن المحاولة الأولى للاستيلاء على القرية تمت بعد أيام قليلة من سقوط حيفا. ويذكر المؤرخ الإسرائيلي بني موريس أن الهجوم وقع في الساعة الواحدة والدقيقة الأربعين من صباح 25 نيسان\ أبريل, وأن مدافع الهاون والرشاشات استخدمت فيه. لكن سرعان ما حضرت وحدة بريطانية الى مكان الاشتباك, وتوقف إطلاق النار. وفي زعم موريس أن البريطانيين ساعدوا في إجلاء بعض النساء والأطفال, وفي إيصالهم الى مأمنهم. وهو يضيف أن الهجوم استؤنف صباح اليوم التالي بعد أن غادر البريطانيون, واستمر الى أن وصلت وحدة بريطانية أخرى في وقت لاحق من النهار, ونظمت عملية إجلاء أخرى. وجاء في صحيفة (( نيورك تايمز)) أن القرية (( قصفت قصفا شديدا)) بمدافع الهاون. ونقلت الصحيفة ادعاء الهاغاناه أن الطيرة كانت ( قاعدة عربية رئيسية). وفي 5 أيار \ مايو, بذل مسعى ثالث لنقل مزيد من السكان الى أماكن آمنة, فنقل نحو 600 شخص الى جنين ونابلس, استنادا الى موريس.
استمرت الهجمات نحو أسبوع. وفي 13 أيار\ مايو, شن لواء ألكسندر وني التابع للهاغاناه هجوما مني بالفشل. ويذكر (( تاريخ الهاغاناه)) أن المحاولة باءت بالفشل, والسبب الأساسي في هذا الفشل كان عدم توفر معلومات دقيقة عن نظام العدو الدفاعي في القرية. وقد أدى ذلك إلى إلغاء عملية احتلال قلقيلية, كما كان مقررا في خطة دالت.
سقطت القرية أخيرا, بحسب ما جاء في ( تاريخ الهاغاناه), في 16 تموز\ يوليو خلال معارك الأيام العشرة التي فصلت بين هدنتي الحرب. ويشير كلام هذا المصدر الى أن احتلال الطيرة ( وغيرها من القرى في قضاء حيفا, مثل كفر لام والصرفند) كان بليغ الدلالة إذا استعين فيه أول مرة بنيران القوات البحرية لمساندة القوات البرية. وكان الهجوم على الطيرة جزءا من عملية بحرية أوسع نطاقا, أسفرت عن احتلال كفر لام والصرفند في الوقت نفسه. فقد قصفت السفينة الحربية, إيلات القرية قبل أن تتحرك القوات البرية لاحتلالها. أما السكان الذين كانوا لا يزالون فيها, والذين صمدوا تحت الحصار مدة تنوف على الشهرين, فقد طردوا في معظمهم الى مثلث جنين- نابلس- طولكرم, أو احتجزوا في مخيمات أسرى الحرب, وذلك استنادا الى بني موريس.
ويبدو أن بعض سكان الطيرة لجأ الى قرية عين غزال المجاورة إذا ذكر الأمين العام لجامعة الدول العربية أن 28 شخصا من لاجئي الطيرة أحرقوا أحياء هناك في أواخر تموز\ يوليو. غير أن وسيط الأمم المتحدة, الكونت فولك برنادوت , صرح أن مراقب الأمم المتحدة زار المنطقة في 28 تموز\ يوليو ولم يجد ( أي دليل يدعم ادعاء وقوع المجزرة). ويورد موريس الزعيم الإسرائيلي أن الأجساد المحروقة في عين غزال إنما هي جثث وجدت في حال متقدمة من التعفن فأحرقها الجنود الإسرائيليون. وهو يضيف أن ليس هناك دلائل تشير الى المكان الذي جاء هؤلاء الأشخاص منه, أو الى كيفية موتهم.
المستعمرات الإسرائيلية على أراضي القرية
أنشأ الصهيونيين مستعمرة هحوتريم ( 146239) في حزيران\ يونيو 1948, جنوبي موقع القرية. وبعد عام, أقيمت مستعمرتا طيرت كرميل ( 147240) مغاديم ( 146237): الأولى في موقع القرية, والثانية أبعد منها قليلا على أراضي القرية. وفي سنة 1952, بنيت مستعمرة كفار غليم ( 147241) على أراضي القرية, ثم ألحقت بها مستعمرة بيت تسفي ( 147236) في سنة 1953.
القرية اليوم
تحتل مستعمرة إسرائيلية موقع القرية جزئيا. ولا يزال بعض منازلها ماثلا للعيان. كمنزل عرسان الذيب. المقبرة في حال مزرية من الإهمال, وفيها شواهد حجرية عدة مكسرة. ولا تزال بقايا مقامين مرئية, ويستعمل بناء المدرسة التلامذة الإسرائيليون و العرب منهم واليهود, وينتشر بعض الغابات وبعض المساكن على القسم الجبلي من الأراضي المحيطة. أما السهل فيستعمل للزراعة.
الحمائل و العائلات في الطيرة :
بلغ عدد الحمائل و العائلات في الطيرة قبيل الرحيل عام 1948 ما يقارب ثلاثة و ثلاثون حمولة و نيفا و روى بعض اهالي الطيرة ان قريتهم تتقسم إلى سبعة و عشرين حمولة لكن بعض أفخاذ هذه الحموئل استقل و انفصل ليشكل عائلة مستقلة عن الحمولة الأم و تتباين هذه الحمائل بعضها عن بعض فقسم منها كبير و ممتد و القسم الآخر صغير لا يتعدى الفرعين او الثلاثة و نجد ان كثير من هذه العائلات تحالفت بعضها مع بعض لتشكل قوة اجتماعية و سياسية مهيمنة في القرية و البعض الآخر منها تنافر معها ليشكل جزء من المعارضة التقليدية كما تحالفت بعض العائلات الصغيرة الوافدة للقرية بعضها ببعض العائلات الصغيرة الاخرى التي ليس لها جذور بالقرية مع حمائل و عائلات كبي رة لتعجل لنفسها عزوة و مكانة في هذا المجتمع الجديد عليها و كانت تظهر قوة و مكانة الحمولة في الطيرة في المناسبات عديدة منها الافراح و الاتراح و في مناسبات سياسية و حزبية عندما كان يتم انتخاب مختار او اعضاء الجمعية
حمائل الطيرة و اقسامها
يرجى التنويه ان الأستاذ عبدالصمد الحاج يوسف ابو راشد وفر في كتابه سرد مفصل مع خارطة للطيرة قبل النكبة1- حمولة الحمولة : تقسم إلى
ــ سلمان
ــ غنايم
ـ العسل
ـ شبلي
ـ عبد القادر
ـ الشايب
ـ البدوي
ـ يوسف الشيخ
ـ الرباني
ـ بدران
ـ فرعون
ـ الهندي
2- حمولة الأبطح و تقسم إلى :
ـ حميدي
ـ الأمين
ـ زهرة
ـ العرب
ـ عمرين
ـ ابو حسان
ـ ذيب
ـ الحلبي
ـ ابو جاموس
ـ العرم
ـ الخراب
3 ـ حمولة زيدان ، البطل ينسبون أنفسهم إلى أبي عبيدة عامر بن جراح و يقسمون إلى الأفخاذ التالية :
ـ حسن العبد ( ابو فهد )
ـ احمد العباس
ـ قاسم العباس
ـ احمد
ـ عبد الحليم
ـ علي الاحمد الزيداني
ـ زعكور
ـ رحول
ـ سليم و ناصر و عبد عيشة
ـ الشلح
ـ ارحيم ( عبد الرحمن البطل )
ـ الحاج يونس ( البطل )
ـ محمد الأحمد ( البطل )
4-حمولة ابو عيسى و تقسم إلى الافخاد التالية :
ـ زعطوط
ـ البستوني
ـ حسن الابراهيم
ـ أسعد اليونس
ـ محمود الأسعد
5- حمولة حجير و تقسم إلى الافخاذ التالية :
ـ حسين
ـ البدوان
ـ المص
ـ الأعرج
ـ الدش
ـ الزامل
6- حمولة دار العلالقة و تقسم إلى الأفخاد التالية :
ـ الحسون " حسوة "
ـ باكير " بكوة "
ـ عللوة
ـ الناجي " احد أبناء باكير لكن هذا الفخد استقل بنفسه "
7- حمولة دار عمورة و تقسم إلى الافخاد التالية :
ـ الزهرة
ـ محمد عمورة
ـ عبد الحفيظ الطاه
ـ حسن العبد
ـ الدعاس
8 ـ حمولة قبيعة و تقسم إلى الأفخاد التالية :
ـ قصقص
ـ ذياب
ـ الزيات
ـ أمين
ـ عيسى
9- حمولة درباس و تقسم إلى الافخاذ التالية :
ـ النمرود
ـ داود
ـ الأحمد
10- حمولة الباش و تقسم إلى الأفخاذ التالية :
ـ سرية
ـ جربوع
ـ شحبور
ـ عواد
ـ ابو سرية
ـ القصيني
ـ ادريس
ـ الريان
ـ الزبن
11- عائلة غنام و تقسم إلى الفروع التالية :
ـ خليل
ـ محمود
ـ احمد ياسين
ـ عوض الرجا
ـ طريف
12- حمولة المصاروة : و يقال إنهم قدموا من مصر في عهد ابراهيم باشا و تعود جذورهم إلى منتقطي البحيرات و السويس و بقي يطلق عليهم اسم المصاروة .
كما يوجد في القرية عائلات بقية تحم اسم الجد فقط و لا يطلق عليها اسم حمولة بل عائلة و هي في الغالب عائلات ممتدة و هذه العائلات هي :
مدردس ، و ابو راشد . و قزق و اصلهم من قزقستان ثم رحلو و سكنو حيفا و ابو غيدة و الشامي و عويس و العبويني و السعدي و سلوم و بدر و البحيري و تيم و ابو زكريا و الزواوي و دلول و بشلاق و الخراربة و بلوط و دار البرغوثي الذين يعرفون اليوم بدار الفار أي " الهارب "
-------------------------------------------------------
كل التحية لأهلي الطيرة الذين مازلوا متمسكين بجذورهم و اصولهم
عثمان عمورة ..... مخيم اليرموك ..... سوريا
----------------------------------------------------------------
/المعلومات عن الحمائل من سلسلة القرى المدمرى الفلسطينية رقم 19 تأليف عبد الرحيم المدور و اشراف د صالح عبد الجواد /
----------------------------------------------------------------
شارك بتعليقك
عائلة الكزلي أو القزلي الخالدي قدمت الى الطيرة في أوائل القرن التاسع عشر وللعائلة بيوت قرب المدرسة أو ما يعرف بوادي أبو الجاع
حبذا لو ذكرت العائلة على الأقل.حيت بقي عدد لا بأس به من أبناء العائلة مع أبناء عائلة
قوصيني وحيدر وعواد وسرية وغيرهم فيالقرية وفي وادي العين
كم هو جميل بل و رائع وجود مثل هذا الموقع الذي يمكن المغتربين من التواصل مع ابناء شعبهم من وراء البحار و المحيطات
اتمنى زيارة حيفا يوماً ما لتعرف على أرض أجدادي
اهدي سلامي لكل عائلة عمورة في جميع أنحاء العالم و افتخر بأني من هذه العائلة العظيمة
الدكتور محمود السلمان
ميرڤت...اربد..حارة الطيراوية
حلمي اموت وانا عم اشوف البحر وانا باحضان الطيرة
فايز و مصطفى و مثقال و حسن و أحمدابراهيم عبد الخالق الحمولة رحمهم الله واللذين توفوا جميعهم في سورياوتقطن عائلاتهم حاليا في دمشق دمر البلد ......
وجزاكم الله خيرا على الموضوع القيم.
سألني شخص ماهي اكبر دولة في العالم...قلت له (فلسطين)
قال لي:انت لا تعرف الجغرافيا
قلت له:انت الذي لا تعرف التاريخ
تحية مني الى كل اهالي فلسطين الحبيبة
والى اهالي حيفا وطيرة الكرمل في الداخل والخارج
اناعمار الابطح ___ دمشق___ مخيم اليرموك___ شارع 15____منزل الحاج ابو وليد الابطح
( جدي الغالي)
انا حسام يوسف خضر ادريس من طيرة حيفا سكان الاردن مخيم اربدامي من عائلة حجير بنت سليمان عبد العال حجير
هذا اميلي [email protected] ارجو التواصل مع اهل بلدي
و كل الشكر للقائمين على جميع الموافع المتعلقه بطيرة حيفا
assawsana.com/portal/ElectionsCandidates.aspx?id=24
ويضيف هذا العالم الألماني الكبير،والذي كنت قد ذكرت بانه زار الطيرة عام 1905 ونشر كتابه عام 1908 ، بأنه وبعد أن أصبح الجزء الشمالي من السهل الساحلي جزء من أراضي مدينة حيفا،فأن حدود الطيرة تبدأ من الوادي الغميق (العميق) وتلتف حول مزرعة الكبابير وحتى تصل إلى سفح الجبل تقريباً جنوب كرملين.لكن هذه الحدود لا تتضمن منطقة الدير الواقعة في وادي عين السيخ. ثم تمتد حدودها في سفح الجبل بشكل عام، وتمر بالخريبة (التي تعتبر من مناطق الياجور). وتعود إلى جونيديا الواقعة جنوب غرب جبل الشيخ. ثم تمتد حدودها في أرض أبو مدور وأرض المغرقة في النهاية العليا من وادي عين أبو حديد إلى مجرى وادي فلاح. كذلك حدودها تمر جزئياً في فرش مسكر بابه ومن ثم تسير في وادي فلاح إلى الدستور. والبحر ما زال يشكل حدودها الغربية.
كان فيها العديد من الأماكن الأثرية والمهمة. من هذه الأماكن: المسجد الصغير و دار ابن شبلي(الذي يعتقد انه كان قصراً منذ العهد الصليبي. وتمتد دار شبلي،والتي هي كما أسلفنا بمثابة قصر/على طول الطريق العام وتمتد من شمال إلى جنوب القرية. ولم يصمم بيت شبلي كقلعة بل كقصر مدينة.وما زال هذا القصر محافظ على مكانه على الرغم من أنه لم يبقى إلا برجين من أبراجه الأربعة ما زالا قائمان. واحد في الزاوية الشرقية الشمالية وواحد في الزاوية الجنوبية الغربية. وقرب هذا القصر من الجهة الجنوبية الغربية يوجد الجامع الكبير.ويتكون هذا المسجد من ساحة وأبنية خارجية وغرفة للصلاة. وفي هذه الغرفة يوجد عامودان من الرخام لدعم السقف الذي هو بشكل قوس.وهناك درج للوصول لسطح المسجد. وهناك نقش عربي موجود على مدخل الغرفة المخصصة للصلاة. ومكتوب على هذا النفش العبارة التالية: أمر بعمارة هذا المكان الأمير عساف ابن نمر باي سنة 978. أي أن هذا المكان كان قد بني كما يقول العالم الكبير مولن عام 1579 ميلادي. ويعتقد أن الأمير عساف ينتمي لعائلة الحارثي القوية والتي كانت معروفة وذات نفوذ في عصر الإقطاع. ويقول هذا العالم بأن هذه العائلة كانت قد فرضت سيطرتها في تلك الفترة وأخذت نفوذ وأملاك عائلة دار ماضي، التي عرفت في ذلك الوقت بالقوة وكان لها نفوذ لا يستهان به. مع تحياتي الدكتور محمود السلمان [email protected]
الشكر لكل الاهل المتواصلين معنا بالموقع (موقع طيرة حيفا) الطيره .نت(www.alteera.net)واحب ادعو كل اهل الطيره للمشاركه بالموقع وارسال اي ملاحظه واي موضوع لاضافته ومثل ما قال الاخ احمد الباش ان شاء الله الموقع بعد فتره سيكون بقالب جديدحيث يوجد بالموقع افلام وصور من الطيره حديثه وقديمه ان شاء الله تنال اعجابكم
أنا ريم الأبطح طيراوية مليوووووون بالمية من سكان إربد..........سلامي لكل الطيراوية بكل مكان.....
واتمنى ان تعرضوا مجموعة من الصور عن بلدتنا كي نتعرف عليها اكثر .
واتمنى عرض مجموعة من الصور لكي نتعرف اكثر عن بلدتنا .
كل الشكرالي ابناء طيرة حيفا على هذي المعلومات
الك وردة جورية من عيون غزالة مروية مكتوب عليها نعشق الفلسطينية
انا فلسطيني ومرفوع الراس ... انا فلسطيني والعز بلبقلي ... انافلسطيني والحر ما بنداس ... وانا فلسطيني والتاريخ بكتبلي ... انافلسطيني وكشرتي احلى من ضحكة غيري ... يا بلادي لا تهتم حنا شيالين الهم
اناياسر ابن احمد محمد عيد الناجي ,
مواليد مخيم اليرموك ومقيم في ابوظبي
سلامي الى اهلي وكل اهالي الطيرة المقيمين في فلسطين وخارجهاوالمقيمين في اي دولة واي مكان في هذا الزمان اهدي تحياتي وسلامي الى كل من يعرفني او لا يعرفني ومن يريد التعرف الي فلي الشرف بالتعرف اليه
انا صحيح لم اعيش في وقت النكبة لكن ترعرعت في جو اسري ونضالي وفي داخلناحنين للرجوع للوطن المسلوب واننا يا ابناء شعبي سنرجع ولن يضيع حقناابداً
وسلامي لكل اهلي واقاربنا في فلسطين وخارجها
انا ياسر ابن احمد محمد عيدالناجي من سكان مخيم اليرموك شاع صفد مقيم في ابوظبي اهدي سلامي الى كل اهل الطيرة الذين اعرفهم والذين لم اتعرف عليهم ولي الشرف في التعرف الى من يريد التعرف الي واهدي سلامي الى كل ال الطيرة .
( www.alteera.net)
من الطيرة اسكن حاليا في سورية في حي المزة
اهدي سلامي الى كل اهلي واقاربي في الامارات العبية المتحدة على امل اللقاء القريب
انا ياقدس ما ابحرت ملاحا بلا سفن
دماء المجد والتحرير لا ترتاب بلزمن
فلسطيني لست اخاف من موت بلا كفن
اردد اغنيات النصر سوف نعود يا وطني
فلسطين الحبيبة كيف احيا بعيدا عن سهولك والهضاب
واخيرا سلامي الى اهلي واحبائي واولاد عمومتي وخاصة محمد محمود عللوه بليبيا
لقد قالها درويش حرأً...عابرون في كلام عابر ولست حبرأً
عهدأً يا وطني عهدأً...لن يطول الليل أبدأً
هاقد وعدناك بدمنا وعدأً...واليوم قد وعدناك نصرأً ونصرأً
ارجوا اعلامك انه وعند قراءتي لما هو مكتوب عن عائلات الطيرة وجدت ان اقسام عائلة ابوعيسى غير صحيحه والاقسام الصحيحة لعائلة ابوعيسى هي كالتالي: عبدالوهاب ، الزعطوط، اسعداليوسف فقط فقسم البستوني ليس من عشيرة ال ابوعيسى وبامكانكم الرجوع لكبار السن الموجودين ادامهم الله لتدوين المعلومة الصحيح وجزاك الله خيرا.
علاء محمود احمد عبدالوهاب ابوعيسى-اربد/الاردن
نحنا النا موجتين بالبحر على قول ستى انا جدي المسكوبي تبع قدسيا انا مقيم بدبي
أحب كما وجهت شكرا عاما إلى أهالي الطيرة كافة في تعليقي السابق ...
أن أوجه أيضا، شكر خاص، وتقدير واحترام إلى أستاذنا
الدكتور(محمود السلمان) ...
صاحب ومؤلف قصة "مأساة في طيرة حيفا ... شهادة وجدانية"
التي يبين فيها بأسلوب سلس وبسيط، وبوصف دقيق ... قصة الأسرة الطيراوية ... كل أسرة طيراوية ... كيف كانت تعيش ببساطة وأمن وأمان ... ثم كيف أخرجوا من أرضهم وديارهم..
كما وذكر فيها أيضا ... أسماء المناطق في طيرتنا الحبيبة مرفقة بالصور ... وهي وإن كانت ذكرى جميلة ووجدانية في حياة كل طيراوي عاش بأرض الطيرة، فإن فيها أيضا ... إشارات للشباب الذين لم يتسنى لهم معرفة الطيرة عن قرب ... فإن الدكتور كتب القصة عن الطيرة بعد أن زارها بنفسه .. ومشى على ترابها بقدميه ... وتنشق عبير زهورها ... وصافح هواءها ... واستظل بسمائها ... وسار بطرقاتها ... فهو يصفها لنا ويصف التفاصيل منذ أن بدأ بالطريق المؤدية إليها، ثم بأول وهلة رآها فيها لأول مرة "ولم يزرها من قبل" ... ثم يتابع يصف لنا ما شاهد وراى ... وقد تسارعت خفقات قلبي ... وارتجفت أوصالي .. كلما قرأت أكثر منها ... وكأني أنا الذي أمشي فيها ...
فشكر جزيل ... وتقدير واحترام ... لهذه الهدية السامية والغالية ... وهي من أجمل ما قد أتمني أن أحصل عليه أنا كطيراوي ... يحن إلى قرية جده وجدته .. وبيتهما وحارتهما وجيرنهما وحياتهما السعيدة هناك
جزيت عنا خيرا
المحب
محمد عموره
أحب أن أوجه تحياتي وحبي إلي أهالي الطيرة كافة أين ما كانوا ... وأرسل أشواقي وحنيني إلى أرض الطيرة وترابها وسمائها وأشجارها وسهولها وعيونها ومغرها وكل ذرة فيها ... وهي وإن لم تعرفها عيناي، فقد عرفها قلبي وقعلي وعرفتها روحي ونفسي ... كيف لا ولم يزل أهلها ممن أخرجوا منها من أجدادنا وآبائنا، لا ينفكون يتكلمون عنها وعن حبعهم لها ... وهم يذكرون أدق التفاصيل فيها وأسماء المناطق فيها كالزلاقة ولحف المغر ووادي النسناس وغيه كثير ... وكأن الفارق الزمني لحظات فقط، لا ستون عاما ...
أسأل الله القوي الجليل القادر المقتدر، أن يلم الشمل ويعيد الأهل إلى الأرض ... الحبيب إلى الحبيب
إنه على ذلك قدير
آمين
اطلب من اي طيراوي يشارك ان يعرف عن نفسه حتى لو عاشر جد واطلب من دار عللوه في اي مكان من العالم ان يشارك على faecbook اسم ال عللوه حتى نعمل شجرة العائله
شهادة وجدانية
د.محمود أحمد (محمد سعيد) السلمان
رقم الإجازة المتسلسل لدى دائرة المطبوعات والنشر: 3472/10/2006
رقم الإيداع لدى دائرة المكتبـــــــــــــــــــــــة الوطنية: 2790/10/2006
شكر وعرفان
إلى أبي الحبيب وأمي الغالية اللذان علماني الصبر وحب الارض
إلى أختي الحبيبة سميحة وأختي الغالية زريفة
إلى خالتي الحبيبة فاطمة (أم يوسف)
إلى خالتي الحبيبة لطيفة (أم جمال)
إلى خالتي الحبيبة صفية (أم فايز)
وخالي الحبيب حسن
وعمي الحبيب خالد أبو فرحان
وعمي سليمان أبو عدنان
كل هؤلاء كانوا خير ينبوع لمعلوماتي في الحاضر ولولاهم لما استطعت, ولو فعلت المستحيل اجترار ذلك الماضي القاسي
كذلك كل الشكر إلى خالي عبد عويس (أبو كايد) ومحمد ابن خالي الحبيب عمر لحسن استقبالهم لي في حيفا وعكا
هذه الشهادة الوجدانية اعتمدت على قصة واقعية حصلت لهذه العائلة. وبما أن هدفي في هذه الشهادة ليس فقط لأروي وإنما أيضاً لأوثق فكان إذاً لا بد من ذكر بعض الأسماء كما هي.
مأساة في طيرة حيفا
د.محمود أحمد (محمد سعيد) السلمان
جامعة البلقاء التطبيقية شهادة وجدانية
تحرير لحظة
طيرة حيفا في فلسطين هو اسم المكان الذي حفر في قلبي وعقلي ووجداني, وأصبح المكان الوحيد الذي طالما حاولت تخيل شكله, وكيف كان واقعه, وكيف كانت الحياة في ثناياه, قبل أن يسرقه الغريب المحتل, ويعكر براءته, ويحرق أجساد أصحابه الأصليين الطاهرة, ويبعثر أحلامهم وآمالهم, ويشردهم قهراً؟! مرت سنون طويلة وأنا محروم من رؤية هذا المكان الذي هو موطني وموطن أجدادي. مرت سنون طويلة وأنا لا املك غير الحلم به وبالزلاقة, تلك التلة في جنوبي قريتنا التي ضمت بيتنا وبيت جدي وأقاربي, وبشجرة الخروب في فناء بيتنا التي طالما ذرفت عيون أمي دمعاً عند ذكرها. كان اسم القرية يمر كل صباح ومساء على سمعي من خلال قصص آبائي وأجدادي الذين أمضوا أجمل سني عمرهم فيها, إلى أن حرمهم منها هذا الغريب.
أصبح هاجس رؤية هذا المكان الذي أملك يسكنني. بعد طول سنين وانتظار, سمحت ظروف هذا الزمان القاسي أن يصبح ذلك الحلم حقيقة.أصبحت حقيقة, لكنها حقيقة مبتورة, أشبه بالحلم, ولم تكن تماماً كما أريد. كان عليَ أن أدخلها غريباً عليه أن يطرق الباب. كان الباب يبتسم قهراً؛ لأن الزمن قد قلب تماما كما قلب مكاني ومكان هذا الغريب منه. استقللت السيارة من عمان إلى أغوار الأردن الشمالية. وصلت إلى جسر الشيخ حسين الذي تقع فلسطين في طرفه الآخر. شعرت أن كل شيء في الجانب الآخر معتقل: القرية والمدينة والبحر والجبل. أهناك في هذا العالم سجناً كبيراً بهذا الشكل؟ سجن يتّسع للمدن والبحار والجبال. شعرت أن لا شيء طليق, حتى الهواء والسماء والفضاء. شعرت عندما اقتربت أكثر أن كل فلسطين معتقلة, وأن لا هواء في المكان. وعندما رأيت أول الوجوه الغريبة أحسست وهم يتحركون ويدققون ويفتشون أنّ لا جاذبية أرضية في المكان, أو إنها تأبه أن تشتغل, وأن هؤلاء الغرباء يمشون في فراغ يفصلهم عن الأرض, فراغ يجعل من ارتباطهم بالأرض شيئاً لا يمكن أن يكون. تخيلتهم يمشون على بنادق, وأن كل شيء في حياتهم بنادق. شعرتهم يعتقلون الأرض, وأن العلاقة بينهم وبينها علاقة معتقل بمعتقل, علاقة لا يمكن أن تكون حميمة.
كنت أتمنى أن أدخل فلسطين من حدودها الطبيعية لا من فوهة بندقية. أحسست أن كل فلسطين محشورة بفوهة بندقية هذا الغريب. يعذبها فوق سجنها بصوت سلاحه الذي لا يصمت والذي لا يقتات ولا ينام إلا على صوته. كل هذه البنايات التي حشرها في المكان الذي لا يملك لتفرض أختام جوازات على القادمين, حتى تكون ككلمة حب يطلبها مغتصب من فتاة, ليقنع مرضه أنه لا يمارس الاغتصاب وإنما الحب, محشورة أيضا بفوهة هذا السلاح. كل شيء سلاح, حتى كلامهم الذي لا أفهمه. لكن من أجل عيون فلسطين تمنيت أن أدخل هذه الفوهة لأعانقها وأنسى الحصار. وفعلاً دخلت وختمت جواز سفري على باب الفوهة, ودخلت عالماً غريباً.
ما أن رأيت شيئاً من فلسطين حتى بدأت أستعيد الوعي وأرى الطبيعة. ما هذا التناقض الرهيب؟ غور به لغة غير عربية ووجوه أجنبية؟ وما أن تواجهنا حتى أصبح كل شيء منسوجاً بالألوان الطبيعية, لوني كلون البحر والجبل والتراب, وصوتي يألفه المكان, ولغتي عذبة, منها تتآلف أسماء كل جزء في هذا المكان. لا شيء غريب أو عجيب.
أول لقاء لي بهذه المحبوبة جاء بعد أعوام طويلة من الحرمان من رؤية المكان. أول اسم التقيت به واعتدت سماعه من فم والدتي العذب مرج ابن عامر. لهذا اللحن الجميل وقع لم أشعر بمثله في حياتي. متعة أنستني كل شيء إلا منظر أمي وهي تتكلم عن المكان بكل طلاقة و أدق التفاصيل, مع أنها المرأة التي عاشت في إربد خمسين عاماً, وما زالت لا تعرف أن هناك شيئاً اسمه شارع السينما وأن هناك شيئاً اسمه حي الماسورة والملعب البلدي . هذا الفرح أخافني وجعلني أريد أن أطير حتى قال لي مرافقي: إننا بدأنا نقترب من مدينتك حيفا. وكان لي ما كان.
بدأت حيفا بالظهور. بحثت عن شيئين, البحر والكرمل. فهذه الأماكن أكبر من أن يستطيع سارق حيفا إخفاءها, وحرماني من رؤية ما رآه أبي وأمي و أقاربي كما هو. صرت كلما رأيت جبلاً أسأل هل هذا جبلي الكرمل؟ وعلى كل الأحوال؛ كل ما رأيت هو لي لكنني كنت أبحث عن الكلمة التي تؤكد الرؤية والالتحام بيني وبين المكان. وعندما قال لي المرافق هذا هو الكرمل تحرك كل شيء في جسدي, توقف الحزن, وساد الفرح, وشعرت أنني أن أولد من جديد.
أصبحت صورة أبى وأمي تملك فكري, وصارت أكثر حضورا. زاد فرحي أكثر عندما ظهر البحر, ورأيت لأول مرة في حياتي ماء أنا أملكه. رأيت البحر الأبيض المتوسط من مدينتي حيفا. كانت المرة الأولى التي لا أخاف فيها من الماء والبحر. هذا البحر الذي تحدث لي أبي عن نوه وعن الملاحات بقربه. بقي الكرمل يرافقني لا يريد أن ينتهي أو حتى يختفي. أحسست أن البحر حزين, وهديره تحول إلى نواح . والجبل أكثر حزناً. كانا كحال تلك العروس الجميلة التي فرض على جسدها الأب الظالم شيئاً ثقيل الظل لا تحتمل أنفاسه, لكن روحها بقيت مسكونة بعاشقها الطبيعي لا تحتمل غيره. تراه الآن يسير في المكان, انتفضت فرحا ًبرؤيته, وابتسم الحزن وكانت تحرير لحظة من وراء ظهر المعتدى الجبان. وأصبح البحر أكثر فرحاً بلقائي, واستعاد الجبل شموخه وهيبته حين أحس بوجودي, أنا مالكه. كان وما زال كل جسد فلسطين وأوقاتها يعاني الغربة مع هذا الغاصب. البحر والجبل والتراب والليل والنهار. وصلت حيفا وكانت الجملة الوحيدة التي كنت أرددها هي: أريد أن اذهب إلى طيرة. لست مضطراً الآن أن أقول طيرة حيفا لأول مرة؛ ذلك أنه لا يوجد هنا غيرها. كلما التصق جسدي بجسدها أشعر بالفرح والحزن والقهر, ولا أذكر إلا أمي وأبي.
حاولت كل جهدي أن أجرد المكان من أي شيء غريب. أصبحت في ذلك الحين شاعراً مؤقتا. أصبحت كالشعراء, أجعل من فلانٍ من الناس شجاعاً كالأسد, لكنه في الوقت نفسه ليس كمثله حيوان. فنأيت بعيني عن كل عبارة عبرية وكل شيء يدل وجوده على تلك السرقة التي حدثت في وضح النهار. لا أريد أن أرى إلا ما رآه أبي وأمي قبل أن يلوث. فلا أرى إلا الشجر القديم الذي لم يلوث تلقائية شكله رجلٌ غريبٌ يدعي أنه فنان ومهندس زراعي, لكنه سارق. نأيت بنظري عن شجراتي التي بتر هذا المهندس الغريب أحد أعضائها حتى يزين كما يعتقد شكلها. تجنبت النظر إلى تلك الأشكال التقليدية لسارق المكان: جدايل أو قبعة أو بندقية تتدلى من على كتف فتى أو فتاة, خوفاً على نفسه من نفسه. فليس هناك سارق أو قاتل في مكان الجريمة المفتوح منذ زمن بعيد إلا هو, وما ورثه من المسروقات. أصبحت في لحظات أخرى أجزاء من قصائد قرأتها ولم أفهمها والآن أعيشها؛ إذ إنني أحد بلابل هذا المكان الشرعي التي قال عنها الشاعر إن دوحها قد أصبح محرماً عليه وأن ذلك الدوح حلال للطير من كل جنس. فحتى وأنا على دوحها لست طليقا, بل عليّ أن أبقى برفقة جواز سفري محاصرا بقهري وحزني.
عندما التصق جسدي وروحي بجسدها وروحها شعرت بشيء غريب: حزن وفرح. لكنه كان عناقاً طويلاً بين فتى لم تره, لكنها تعرفه جيداً, واسمه يدل على أنه منها وحفيدها وابن أحبابها. أريد أن أصل إلى الطيرة. أريد أن أرى كل شيء. وبعد توقف قصير في حيفا بدأت رحلتي التي لم تستغرق فعليا بالسيارة إلا وقتاً قصيراً لكنه مَرّ عليّ طويلاً خفت أن لا ينتهي.
وصلت مدخل قريتي الذي أراه لأول مرة في عمري (شكل 1) .
شكل (1) يظهر مدخل الطيرة من الجهة الشمالية وفي الصورة بعض دكاكين الطيرة المهدمة
لم أستطع إلا التريث قليلا, والوقوف في مدخلها بعض الوقت؛ لأنظر إليها من بعيد. أردت أن أرى كيف كان يراها أبي وأمي وأقاربي عندما كانوا يدخلونها كل يوم. رأيت الطيرة من بعيد, وبدأت بعدها بالاقتراب منها ببطء وفرح وخوف. وفجأة وجدت نفسي في قلبها. شرعت بالركض هنا وهناك لأقترب من بيت والدي, وشجرة الخروب والزلاقة, وفي الوقت نفسه لم أكن أعرف هل أقترب منها عندما كنت أركض باتجاه معين أم أبتعد؟ لقد جعلني هذا الغريب غريباً حتى في عقر داري. كنت أتألم لأنني تائه في أحب الأماكن إلى قلبي الطيرة. أين الزلاقة؟ أين القف (شكل 2)؟
شكل (2) يظهر مرتفع القف وفي الصورة أيضا بقايا مدرسة الإناث
هل هذه مغارة التشتش؟ أم هذه المغارة جزء من لحف المغر (شكل3)؟
(شكل3) لحف المغر وهي عبارة عن مغر جنوبي البلد
أم إنها تلك التي اعتاد أن يختبئ بها إخوتي من هذا المحتل الذي أطلقه علينا (سايس) وغادر ؟ هل هذا حريق معمر؟ أم المرقصة؟ كلها أعرفها ولا أعرفها, لكنني أحبها كلها. هل أنا في الحارة القبلية أم الشمالية؟ لا أعرف, فربما عاث السارق حتى باتجاهات المكان, فهو على استعداد- من أجل دفن معالم الجريمة- أن يجعل من الجبل وادياً, فليس بينه وبين المكان ود حتى يكون حريصاً على طبيعته أو المحافظة عليه.
عدت إلى الطيرة, وكنت في حيرة ماذا أقول عندما كنت آتي إليها كل يوم لمدة أسبوع من حيفا؟ هل أقول: أريد أن أذهب إلى الطيرة, أم أقول: أريد أن أزور الطيرة؟ هل أقول: أعاودها, أم أقول أن أعود إليها؟ أصبحت شديد الحساسية للمصطلحات, وهل فعلاً أنا غريب. وهل يكون الإنسان غريباً إذا كان المكان نفسه غريباً وليس له فيه شيء؟ أم هل يكون غريباً حتى إذا كان له في المكان كل شيء؟ ولكنه لا يعرف هذه الوجوه الغريبة التي تسير فيه. لا يمكن أن أكون غريباً بالطيرة. فأنا أملك المكان وكل شيء. إذاً لماذا أنا خائف وهاجس ضرورة الاستئذان يسكنني كلما حاولت الاقتراب من مكان ما لأتأكد أهو الزلاقة أم لا؟ كم هو شيء قاسٍ أن تدخل بيتك المسروق غريباً, والسارق هو المقيم! كم هو مقيتٌ الشعور بأن عليك الاستئذان في الدخول إلى بيتك, وبأن اللص هو المضيف! كم هو هذا اللص غريب حتى إنه يمارس التكاثر في بيت سرقه. كل الأماكن أعرف أسماءها, وروى لي والدي قصصاً حدثت فيها لا يعرف عنها هذا الغريب شيئاً, كل هذا أعرفه قبل أن يقتحم بحرها. فهي أكثر وأكبر وأوضح حقيقة في حياتي. هي المكان الذي فيه لا أحتاج أن أتكلم وأقول من أنا.
الطيرة هي المكان الوحيد الذي ليس وراءه مكان آخر. هي اسمي واسم أبى وسيدي, واسم آخر الأسماء التي لي بها علاقة على مر تاريخ البشر. هي الطبقة الصخرية من جذري التي ليس بعدها شيء. وطيرتنا هي مسقط رأس أبي وأجدادي . إن أسماءً كثيرة من سكانها الأصليين المولودين هناك ما زالوا أحياء يمشون ويتنفسون, وما زالوا جزءاً من الحاضر وليس من التاريخ .هؤلاء أحياء الحاضر, يستطيعون أن يحدثوك عن الطيرة بكل تفاصيلها, كما لا يستطيع أن يحدثك من يسمى اليوم رئيس بلديتها الغريب. هم يعرفونها بالشجر والمطر, وحبات التراب, وأجزاء الجبل الكرملي, والملاحات, ونهيق الحمار, وساحل البحر, وفجرها وليلها, وبردها وصباحها, وخروبها. لا يمكن أن أكون أنا الغريب وذاكرة أبى وجدي تحمل كل هذه الذكريات والقصص عن هذا المكان. حتى تلك الأماكن التي تحيط بالطيرة, عندما أقرأ أسماءها أقرأها بلهجة أبي وأمي وعمي وخالي, فهم أول من علمني أبجديتها, ومنهم سمعت أسماءها لأول مرة. فوادي النسناس (شكل4) التقيت به في أحاديث أمي منذ زمن بعيد, وكذلك الكبابير والهدار .
شكل (4) وادي النسناس في حيفا
عندما كان ينتابني هذا الشعور كنت أذهب إلى الطيرة بمعنوية عالية, وبفرحة الطفل. لم يعرف مرافقي لماذا كنت أصر ألاّ أركب السيارة وأنا داخل الطيرة. أردت أن أركب الأرض التي هي أرضي, وأسير فيها كما كان يفعل سيدي وأبى, فبقوة دوسي على الأرض أريد أن أقول إن هذه هي أرضي وأرض أقاربي من السلمان والباشية وعمورة وأبو راشد والبدر وعلوه وحجير والناجي والأبطح وغيرها من عائلات الطيرة العديدة الأخرى . وهي حقيقةً كذلك. كنت أبرر الاستئذان بالقول لنفسي إنني كنت سأستأذن حتى لو دخلت منزل عمي. لكن في الحقيقة شتان ما بين المرتين فذلك اجتماعي وهذا سياسي.
بعد طول جهد وصلت الزلاقة, حيث بيتي وجذري وخروبتي. بدأت في صعود ذلك المرتفع الحبيب. أصبح الطريق وعراً, والأشواك تحيط بالمكان. سرت فيه, وكان إصراري ورغبتي وشوقي للوصول للمكان يجعلني لا أشعر أو حتى أعترف بوخز أشواكه. بذلت جهدي للوصول إلى مكان بيتنا؛ لكي أراه أو أرى أي شيء من بقاياه. كان اللقاء حميما بأرضي.وطئت روحي ترابها لأول مرة, شعرت أن التراب تحت قدمي يبتسم, وحباته بدأت تتهامس فيما بينها فرحة مستبشرة خيرا أنني ما زلت على قيد الحياة, وأنني لن أنساها. حتى حشرات الأرض المختلفة في المكان بدأت بالاقتراب وكان يوما غير عادي لها. كانت قدماي لا تقدر أن تدوسها كما يفعل هذا الغريب الغريب. بدأت بالبحث عن بيتنا, ذلك البيت العزيز الذي شهد دموع الفرح الأولى بعيون أمي-يوم زواجها-وشهد دموع الحزن الأخيرة بها-يوم إجبارها على مغادرة المكان.
شعرت أنني أقترب عندما ظهرت أمامي خروبتنا الحبيبة. في تلك اللحظة أصبح لي مرافق من عائلتي-الخروبة (شكل5).
شكل (5) الخروبة في مرتفع الزلاقة
أصبحت الخروبة, التي ما زالت جذورها ضاربة في الأرض وثابتة بتاريخها كما, نحن دليلي وبوصلة تحركي, ومعرفتي بالاتجاهات. تخيلتها تمسك بيدي وتهديني حيث أشاء أن أذهب. أحسست أنها تحدثني عن أبي وأمي وسميحة وزريفة وخليل ورومية وعيسى الذين عاشوا في هذا المكان. أعادتني للتاريخ وأرجعت جغرافية المكان كما كانت قبل أن يلوثها الغريب. أعادت الحقائق, وجعلتها وقائع. بدأت بقايا بيتنا بالظهور. هنا أبطأت المسير. شرعت أدوس في أعز الأماكن التي أملك. أخذت أخاف على الأرض من قدمي.تمنيت أن تكون هي من يدوس على قدمي لأسير. وجدت مكان البيت وبقايا حجارة(شكل6). كان حزيناً قبل لحظات والآن يبتسم. لمست حجارته وترابه.
شكل (6) بقايا بيتنا في مرتفع الزلاقة جنوبي الطيرة
بدأت ابحث عن أي شيء من بقاياه. قفز قلبي فرحاً وحزناً عندما التقطت يدي غال بابنا القديم والإطار الحديدي لشبابيكه (شكل7)؟
شكل (7) يظهر غال باب بيتنا وبعض من ترابه وحجارته العزيزة
في تلك اللحظة القاسية عزلت عن عالم اليوم وسرت خارج المكان والزمان. بدأت أرى أشياء حصلت قبل أن أولد. عاد البيت كما كان. وعادت جدرانه تضم من كانت تضم قبل أعوام. ولم يعد هناك أثر لثقوب في الجدران سببها رصاص وشظايا. وضج المكان بأصوات الأطفال. هذا هو وجه أبى وأمي ظهرا من جديد. ومياه وادٍ قريب كانت قد جفت بدأت بالتدفق من جديد, والآن أسمع صوته, وأوراق شجرة الخروب- التي كانت قد تجمدت, وبقيت طائرة مع حركة الريح الأخيرة إلى جهة اليمين, ولم تعد إلى اليسار؛ لأنها أبت أن تتفاعل مع الريح منذ مغادرة عائلة أبى وأمي المكان- رجعت إلى اليسار, وبدأت تتحرك من جديد كما يشاء الريح.عاد الطابون دافئاً, والرماد ناراً. في ثنايا هذا البيت عاش قبل أعوام أحمد وزوجته آمنة وأولادهما وبناتهما سميحة وزريفة وخليل ورومية وعيسى.
كان أبي شاباً نشيطاً. يحب العمل, وكحال الكثيرين كان سعيداًً بأولاده وبناته. أنتظر قدوم خليل طويلاً. كان خليل بالنسبة إليه رجل البيت الثاني.أعطاه من وقته ومن جهده. كذلك فعلت أم خليل. كان طموحاً يفوق التصور في تلك الفترة القاسية من الزمان. بذلا جهوداً جبارة حتى يكبر أبناؤهم, ويصبحوا على أحسن حال. كان خليل ذكياً ويكبر عمره. وقد كان أبى سعيداً بذلك, فهو تواق ليرى خليلاً كبيراً. كذلك الحال بالنسبة لعيسى. فقد أعطته أم خليل كل وقتها. اعتادت مجالسته وتعليمه الكلام. وفعلوا الشيء نفسه مع بناتهما. فلم يبخلوا عليهم بوقت أو جهد. أم خليل فضلت أن يبقى أولادها قربها كل الوقت حتى وهم يلعبون. فقد خافت عليهم حتى من الريح. اعتاد خليل ورومية أن يلعبا في فناء بيتهم الجميل وأمهم تشاهدهم. في صباح يوم رمضاني وكان يوما حاراً, قررت فيه أم خليل أن تحمَم أبناءها بعد أيام طويلة أمضوها مختبئين خوفاً من القصف الصهيوني في مغارة قريبة من البيت. كان القصف أعمى, كما هو ضمير المعتدي. اعتاد أبناء آمنة الطيراوية الطيبة أن يذهبوا إلى بيت جدهم حسين في وسط البلد معظم الأوقات. لكن والدهم أحمد طلب من بيت جدهم عدم السماح لهم بالذهاب إلى هناك في تلك الأيام؛ لأن بيت جدهم كان في وسط البلد, الذي كان أكثر عرضة للقصف. بعد ذلك الحمام سمحت أم خليل أيضاً لأبنائها باللعب كالمعتاد قليلاً في فناء البيت بكرة خليل التي عملتها له من قماش وجوارب قديمة. كان كل شيء هادئاً وأصوات أطفال بريئة تخرج من هنا وهناك فرحين باللعب. خليل يبتسم ويركض ضاحكاً مع أخته رومية, يبادلها الضحك واللعب والفرح, وعيسى الطفل الصغير يسير ببطء حولهم, وبجواره قريبهم خالد هاني علوه. كان الهواء هادئا, ولا غبار في المكان. لا شيء يفوح سوى رائحة الورد وبراءة المكان. وأم خليل تحوم في بيتها, وتجمع ملابس أبنائها التي هي بحاجة للغسيل. قررت بعد ذلك أن تخرج لفناء المنزل لتطلب من أبنائها وابن الجيران الدخول إلى المغارة؛ لأن المحتل لا يعرف الشفقة ولا يفهم فرح الأطفال. خرجت إلى فناء المنزل وبدأت تنظر إلى أبنائها خليل الذي كان يرتدي سروالاً بنياً وقميصاً أصفر,ورومية التي ربطت لها شعرها الذهبي برباط أبيض,وعيسى الذي أرضعته وجبته من الحليب قبل قليل بعد ذلك الاستحمام. كانت تهم بالطلب منهم الدخول إلى المغارة.
وفي لحظة قاسية مرت كالجمر, ولم تنطفئ, تجرأت عصابات الصهاينة على قصف منزل أبي خليل وأبنائه الصغار, في لحظة انتعاش, بعد حمام أمهم الأخير لهم, ولعبهم سوياً في فناء المنزل. كانوا في أوج سعادتهم وضحكهم, وأمهم تشاهدهم. بقايا فطورهم ما تزال في سدر الآكل. ذلك السدر الذي كان يعرفهم, ويميز دقات أكواب الشاي عليه كإعلان عن إفراغ الكوب منه, وإعلان الرغبة في المزيد من الشاي. كان ما يزال شعرهم مبتلاً, وجسدهم البريء نظيفاً, وابتسامات عذبة ترتسم على وجوههم فرحاً بالسماح لهم باللعب قليلاً, بعد حرمانهم منه خوفاً عليهم من جنون المعتدي المريض. وفجأة ودون إذن أو قرع على الباب انفجرت القذيفة في أجسادهم الناعمة, فالتهمت فرحتهم واغتالت أحلامهم, فأسقطت خليل ابن خمس السنوات فوراً شهيداًً وقبل أن يعرف أين يذهب بابتسامته, اغتالت حقه حتى في البكاء. فعلت تماماً كما يريد العدو...القتل والتعذيب والحرق وطمس معالم الجريمة. مات وهو لا يستطيع أن يقول إنه يتألم. عليه أن يقول إن هذا العدو يبسمه ولا يبكيه, تماماً كابتسامة المُختَطَف ومديحه لخاطفيه على أنه يُعامل بصورة لائقةٍ عندما يُطْلَبُ منه ذلك تحت وطأة التهديد في شريط مصوّر, استشهد وهو يبتسم, كان الموت أسرع من قدرته على تبديل معالم وجهه, من مبتسم فرح إلى باكٍ متألم مندهش مما يحدث له, وربما زاد من ألمه أنه شاهد آلام أمه وهو يغيب. ومزقت جسد عيسى ابن السنة و النصف, وتركته ينزف ويسبح في دمائه ساعة قبل أن يستشهد. لم تستطع والدته آمنة فعل شيء لابنها البريء في تلك اللحظة, فهي أيضا قد أصيبت أصابه بليغة, ولم ترحمها القذيفة. بقي عيسى متشبثاً بثوبها و يصيح: يا دادا يا دادا قبل أن يلفظ أنفاسه الطاهرة .يبدو أن شدة الألم جعلته ينسى أن من يمسك ثوبها كان يقول لها قبل لحظات في الحمام ماما وليس دادا. طفل لم يصل عمره السنتين يمر بهذه التجربة القاسية.
وفي ركن آخر من البيت سقطت رومية ابنة ثلاث السنوات والنصف, وهي تصيح ودماء غزيرة تفيض من جسدها الطاهر البريء. وسميحة البنت الكبرى لم تتركها شظايا الشيطان تفلت من الإصابة, فأنزفتها واخترقت رجليها. في تلك اللحظة احتارت أم خليل ماذا تفعل بدمائها؟ وصريخ أبنائها المصابين جميعاً حولها جعلها لا تعرف ماذا عليها أن تنتظر, أو ماذا عليها أن تفعل. خوف وهلع واندهاش, وضعف يجعل من الاستسلام للموت, وانتظار الآخر لتقديم يد المساعدة أسهل الحلول.
كان قرباً من الموت يجعل التفكير بالهرب منه شيئاً سخيفاً. فالغبار الذي سببه انفجار القذيفة- وما اختلط به من خوف وبقايا أجساد بريئة ودماء, وألم وصراخ وموت, ودهشة وعدم مقدرة على استيعاب ما يحدث, ورغبة بالهروب أو النجاة والدخول في عالم الموت, والاقتراب منه ومشاهدته والدخول في فمه بهذا الشكل- كان كل ذلك أكبر من طفولة هؤلاء الأطفال, وأكبر شهادة على أن مسببها محتل جاء لتلويث هذا المكان وأصحابه, وتسميم فرحتهم وأحلامهم, تماماً كما تفعل شظايا قذائفهم التي منحهم إياها هدية من يدعي التحضر والرقي, وانتسابه للعالم الأول, وحرصه على السلم العالمي.
إن قذائفهم تدخل الآن أجساد هؤلاء الأطفال البريئين, وجسد أمهم التي لا تعرف شيئاً سوى احترام الزوج, والعناية بأطفالها الذين يصارعون الموت أمام عينيها.
لم ترحم القذيفة أيضا خالداً صديق خليل الذي كان يشاركه قبل قليل اللعب, والآن يشاركه الموت, فاغتالت طفولته, وجعلته يسقط شهيداً إلى جانب خليل. مات خالد قبل أن يستلم كرة خليل الأخيرة, فقد سبقتها شظية الغريب. بقيت كرة خليل تتدحرج بينهما دون أن تجد من يلتقطها.
لماذا على خليل أن يدخل عالم هذه القذيفة وما عليها من أرقام متسلسلة وحروف ومميزات تتعلق بسعتها وعيارها و أشياء أخرى لا علاقة للطفولة بها؟ لماذا لا تدخل كل هذه التفاصيل في عالم أطفال صانعها؟ لماذا على أبنائه أن يروا والدهم بلباسه الأنيق بعد أن يعود من مصنع القذائف ذاك ولا يروا ما تفعله منتجات والدهم بأطفال مثل خليل؟ لماذا يرون والدهم فقط بلباسه الأنيق وعطره الفواح الذي يختلف كثيراً عن رائحة البارود التي استنشقها خليل؟
لا يعرف أطفال من صنع القذيفة أن أباهم الغربي المتحضر هذا قد أهدى- هو وعالمه الغربي- مجرماً قذيفة بعد أن سمحوا له بالدخول من البحر, بطريقة غير شرعية, وفي جنح الظلام, وتسلل إلى أعماق أرض طيبة من غير إذن. وتدرب على أبشع الطرق لقتل أناس آمنين.لا يعلم أطفال الغرب أن أجدادهم قد سمحوا لأعداد كبيرة من عينة هذا المجرم- الذي استخدم قذيفة فتاكة ضد جسد خليل البريء- بالدخول ليقض بها مضاجع أطفال أبرياء ويوقف أحلامهم, ويبكي شجرهم, وينهي قصتهم, ويشردهم عن أوطانهم .
وصل أهل أم خليل إلى مكان الكارثة بعد أن سمعوا الخبر من الجيران, وصلوا وكان من بينهم والدة أم خليل الحاجة سعاد التي هرعت إلى ابنتها آمنة أولا. وبعد أن اطمأنت أنها ما زالت على قيد الحياة, بدأت تركض إلى الآخرين. ركضت إلى خليل الذي وجدته مستشهداً وخطاً من الدماء خلف أذنه, ورأت رومية ابنة ثلاث السنوات تغرق بدمائها, ولا تستطيع الحراك. استشهدت رومية بعد ذلك بأسبوع خلال رحلة الهجرة القسرية إلى الأردن. لقد فارقت الحياة (رحمها الله) في الطريق, في بلدة اجزم القريبة من الطيرة. وكذلك كان من بين المصابين سميحة أختهم الكبيرة. أصيبت سميحة في رأسها ورجليها اللتين ما تزالان تشهدان على هذه الجريمة.
في الطرف الآخر كان قاصف القذيفة ربما يبتسم فرحاً, وسيجارته في زاوية فمه, وعبريته المهجنة باللغات الأوربية تنطلق من الزاوية الأخرى من فمه بلا مبالاة, وبطريقة أقرب إلى التمتمة منها إلى الكلام, تبشر بخبر قدرته على قتل ثلاثة أطفال, وحرق والدتهم. كان ربما يتحدث, وكأنه يتحدث عن دك من ورق اللعب لعبه للتو مع ضابط أعطاه أمر القصف, أيضا بلغة عبرية ملوثة بإحدى اللغات الأوروبية, التي لربما بأحرف إحداها قد كُتِب على تلك القذيفة مكان صنعها, وشيئاً من ميزاتها وقدرتها على الفتك والدمار، وعيارها وأشياء أخرى لا دخل لخليل ولا لطفولته بها. كان القتل عنده شيئاً عادياً, لا يستدعي التخلص من سيجارته لثوانٍ لزف الخبر.
ترك هذا القاتل أهل القرية حيارى بما يفعلون, وماذا يفعلون مع هذا العدد من الإصابات والموت والحزن والحيرة. الموقف وحجم الإصابات ونوعها أكبر من كل إمكانيات أهل القرية.
يعتقد معظم أهل البلدة أن تلك القذيفة قصفت على المنزل من مدفعية صهيونية تمركزت في مكان اسمه خوزه (اخوزه). وربما هذا هو السبب الذي جعل أم خليل لا تحب هذا الاسم, وكلما ذكر بحضورها تقول عبارتها الشهيرة"كان المقطوعين يضربوننا من هناك".
أصر أبو خليل على البقاء بقريته والصمود فيها, كما فعل الكثير من سكان القرية. فجاءت هذه القذيفة محاولةً لتحطيم هذا الصمود. حتى عندما حاول عم خليل الكبير علي أن يأخذ خليل معه إلى الأردن, ذلك أنه كان يحب خليلاً كثيراً ومتعلقاً به, رفض أبو خليل, وأنزله من سيارة عمه وقال: أبقى أنا وأبنائي جميعا هنا, نموت سوياً أو نحيا سويا.
قام أهل الطيرة الطيبون, بعد أن بذلوا جهوداً جبارة في مساعدة المصابين, بنقلهم إلى المسجد. تم دفن الشهيدين خليل وعيسى في مقبرة القرية الجنوبية. تم دفنهم قرب قبر الشيخ العبد المحمود شقيق سيدهم "محمد سعيد" ذلك لأن العبد المحمود كان شيخاً وجيها ً له مكانة في منطقة الساحل الفلسطيني، كان قبره (رحمه الله) من طبقتين لذلك اعتقد أقارب الشهيدين أن دفنهم بهذا المكان سيسهل عليهم التعرف إلى قبورهم عندما يعودون إلى البلاد, ذلك لأن قبر الشيخ العبد مميزاً ومعروفاً.
الذي لم يصب من هذه العائلة الطيبة ابنتهم زريفة و أبو خليل الذي كان خارج البيت. ربما لم يُصَب جسد زريفة لكنّ روحها تمزقت ألماً واعتصرت قهراً. لم تتوقف عن البكاء حزنا على أختها الكبرى سميحة, وعلى أخويها الأصغرين خليل وعيسى, وأختها الصغرى رومية. بكت على نفسها كأنها مصابة, لأن الكل مصاب. كانت المأساة كبيرة, ولم يكن يعلم هذا الرجل الطيب وزوجته الصابرة أن ثنائية اسميهما(أحمد محمد سعيد السلمان و آمنة حسين عمورة) لن يلتقيا فقط في بطاقة دعوة زواجهما أو وثيقة عقد قرانهما عندما قرر خطبة آمنة عام 1938. بل إن اسمه واسم زوجته سيكونان معاً أيضا عنواناً كبيراً لهذه الجريمة النكراء, التي ارتكبتها العصابات الصهيونية بحقهما بعد عشر سنوات من زواجهم عام 1948. لم يكن يعلم أحمد أن فرحته بكل طفل رزقه الله سيقابلها نهر من دموع الحزن على فراقهما, وقتلهما بأيدي هذه العصابات الآثمة, وهم ما يزالون براعم أطفالاً. لم تعلم آمنة أن ألم الولادة الذي صبرت عليه سيكون نتاجه طفلاً جميلاً طالما حلمت به, وأنه سيكون مجرد رحلة في عالم الألم الذي سيسببه لها عصابات الصهاينة, سواء لها كمصابة أو لأطفالها الثلاثة الشهداء. لم تعلم أن هناك من كان يتربص لهذا الزواج, وينتظر ثماره من الأطفال, حتى يفتك بهم ويمزق أجسادهم وأحلامهم, حتى قبل أن تكتمل.
لم يعلم الكرمل ولا البحر المجاور ولا الزلاقة ولا السماء ولا الغيوم, التي قسم لها الله أن تكون في ذلك اليوم من يحوم في سماء الطيرة, ولا شمس ذلك اليوم ولا الوقت ولا الخروب, أن جريمة بشعة جبانة ستقوم بها عصابات الصهاينة بحق أطفال ثلاثة ووالدتهم. لم تعلم شجره الخروب القريبة من منزل أبي خليل, والتي شاهدت أطفاله الثلاثة يلعبون ويضحكون, أنها ستكون أقرب شاهد من مكان الجريمة, وبأنها ستكون أول شيء في الطبيعة يشهد على أن دولة الصهاينة شيء غير طبيعي. وأن خليل ورومية وعيسى لا يلعبون هذه المرة بل يموتون. لو علمت أم خليل أن حمام ابنها خليل أو عيسى أو رومية سيكون الأخير, ربما ألغت فكرته في ذلك اليوم, لتكسب وقتاً أطول معهم قبل الوداع, ولتعفيهم من بعض الدموع الناتجة من فكرة الحمام والصابون في العيون عند الأطفال. لم تعلم أن المكان الذي كانت تسيِر فوقه ليفة الحمام على أجساد أطفالها, سيسير عليه بعد لحظات شيء غريب مؤلم اسمه شظايا. لم يعرف نوبل أن خليلاً ورومية وعيسى سيكونون من ضحاياه, إذ يبدو أنه لم يخطر بباله أن هناك أناساً سيستغلون اختراعه لتفجير فرحة طفل, وتمزيق أحشائه أمام عيني والدته, والتدخل في حياة رجل فلسطيني طيب كباقي أفراد القرية, وتحويل حياته إلى مأساة لم تنته, وحزن لم يفارقه حتى عندما ناهز عمره الثمانيين.
بقي بعض أهل البلدة والمصابون أسبوعاً في المسجد. بعد ذلك بدأ مشوارهم مع التشرد عن الديار. لم يعد لأم خليل شيء تأخذه معها سوى جراحها وألمها. لن يرافقها خليل الطفل كما كان يفعل دائماً أو عيسى الرضيع, وهما اللذان كانا معها كل الوقت قبل أيام. حمامها لهم آخر حدث جمعهم أحياء دون ألم ودماء. قامت متثاقلة وهي لا تريد. خافت إذا ما فارقت وبدأ المشوار أن يصبح موت خليل وعيسى حقيقة من الصعب أن يتحول إلى حلم ثقيل. اعتادت أن تخاف الأحلام, لكنها الآن تتمناها. لا تريد أن تفارق القبر والإنسان الحي الذي فيه. كل شيء لا يمكن أن يكون حقيقة. حقيقة أكبر من أن تكون حقيقة دفعهً واحدة. يقولون إن مثل ذلك لا يحدث إلا في الأحلام, فلماذا لا تكون حلماً؟!
ذهبوا إلى اجزم حيث فارقت رومية الحياة, ودفنت هناك, ثم إلى عارة وعرعرة. تذكر سميحة المصابة أن خالها محمد حملها على ظهره طيلة الطريق.وتذكر أيضا أنها فقدت وعيها أكثر من مره, من شدة النزيف, لأن إصابة رأسها بالغة. كذلك لم تكن أم خليل في وعيها معظم الوقت. كان جرحها عميقا,ً وحزنها أعمق. كان الجرح يفقدها الوعي, والحزن يوقظها منه. أصبحت محاصرة بالجراح بكل أنواعها. أم خليل عاطفية ورقيقة دون جراح. فماذا يمكن أن يحدث لهذا النوع من البشر الرقيق الحساس الهادئ بعد هذه التجربة المريرة مع الدم, وفراق أطفالها دون وداع, ومع الألم والدموع والاستشهاد. عواطفها أرق من أن تحتمل هذه القسوة. ربما كان سلاحها الوحيد في تلك اللحظات الاستسلام للموت الذي لم يأت, أو الحزن على أنه قدر.
عواطفها تقاسمت الأدوار: جزء للجرح النازف, وجزء لعيسى وآخر لخليل وآخر لرومية وآخر لزوجها المقهور وآخر حزناً على حزن الآخرين. ماذا على الإنسان أن يفعل إذا نفدت منه مادة الحزن والعاطفة ولم تعد تكفي؟ ماذا عليه أن يفعل إذا أصبح إنتاج الحزن أسرع وأكبر من إنتاج الدمع والعواطف؟ ماذا عليه أن يفعل! يبكي بشده؟ وهل البكاء وسيلة لقتل العاطفة, وتقسية القلب مؤقتاً, حتى يتم تجاوز المحنة, ولكي نحمي أنفسنا من الهلاك؟ وهل نصف الشخص الذي لا يبكي أنه قاسٍ, لأن قلبه من القسوة بمكان, بحيث إنه ليس بحاجة للدمع ليزيده قسوة!؟
آلام أم خليل وصمتها الأديب, وهدوؤها وخجلها, واختلاط الدمع بالدم, كحقيقة وليس كقصيدة, وانتهاء فكرة الجوع أو الشعور به في ثنايا هذا العذاب والألم والحزن, تشكل منابع لفهم فلسفة البكاء والعاطفة والقسوة.
لم أفهم كيف تحملت أم خليل كل ذلك, وهي المرأة التي أعرفها كما لا أعرف مخلوقاً على الأرض. لا بد من آلية معينة يعين الله بها الإنسان من أمثال أم خليل إذا ما داهمها سوء الأرض بهذا الشكل, أو هذا النوع من البشر الذي يقتل وهو يدخن. هل هو نوع جديد من الموت لم نعرفه من قبل. لا يمكن أن يكون شيئاً أقل ألماً من الموت! كيف تحملت آمنة, التي أعرفها رقيقةً كنسمةٍ, كل هذا الألم والحزن والقسوة والريح والبعد والفراق. كيف تستطيع هذه الرقة مواجهة كل هذا الحزن والقسوة والألم!؟
بعد هذا السفر الشاق مشياً على الأقدام بدأت رحلتهم إلى نابلس بالشاحنات. في نابلس استقبل عائلة أبي خليل صديق أبي خليل وشريكه صدقي العاصي. مكثوا عنده يومين، ثم بدأوا رحيلهم إلى الأردن بسيارة علي شقيق أبي خليل, حيث قابلهم هناك .فقد غادر علي إلى الأردن قبل القصف. فعاد إلى نابلس للبحث عن عائلة أخيه بعد أن سمع بالمأساة التي حلت بها.
وصلوا الأردن, فذهبوا فوراً إلى قرية سال القريبة من مدينه إربد, حيث أستأجر شقيق أبي خليل علي بيتا.ً صاحب البيت كباقي أبناء شرق الأردن كان كريماً سخياًَ, قام باستقبال هؤلاء المنكوبين على أحسن وجه.بدأت أم خليل و ابنتها سميحة رحله العلاج الصعبة في الأردن. في منطقة اسمها ظهر التل في مدينة إربد وجد مستشفى ميداني تلقت به أم خليل وسميحة علاجهما. عالجهما في ذلك المستشفى طبيب عراقي اسمه علي. بعد ذلك تلقتا العلاج في المستشفى المعمداني في عجلون. وبعد ذلك عند أطباء في مدينة اربد. من تبقى من العائلة أبو خليل و أم خليل وابنتاهما سميحة وزريفة عاشوا أوضاعا نفسية شديدة القسوة في جو جديد ووجوه جديدة, وتشرّد وقلة مال, وجراح وأحزان لفراق خليل وعيسى ورومية. ذكرت أم خليل أن أبا خليل بقي بعد استشهاد أبنائه شهرين دون أن يبدل ملابسه.أما أم خليل فقد جفت مآقيها, ولم يبق هناك إلا الصبر علاجاً للألم والحزن, وقسوة فراق أحبتها, أبنائها الثلاثة الذين استشهدوا قبل الأوان. أصبح عمر أبنائها الشهداء هاجساً لا ينتهي في حياتها. ذلك عندما رزقها الله بأبناء جدد, كانت تراقب أعمارهم, وكلما اقترب أحدهم من عمر أحد أبنائها الشهداء تشعر بخوف شديد, وتشعر بأن هذا عمر الفراق. تشعر بأن هذه مرحلة حرجة من العمر, فهي تخاف أن يفارقها ابنها الجديد كما حصل مع أخيه وأخته. فما أن يقترب أحد أبنائها من السنتين أو أقل قليلاً, وهو عمر عيسى عندما استشهد, حتى تبدأ دوامة الخوف بالظهور. وما أن تنتهي حتى يبدأ هاجس الخوف هذا بالظهور ثانيهً عند الاقتراب من عمر ثلاث السنوات والنصف تقريباً, وهو عمر الشهيدة رومية. وما يكاد هذا العمر ينتهي حتى يخالجها من جديد عندما يقترب أحد أبنائها الجدد من عمر خمس السنين. وهكذا عمل هؤلاء القتلة. استطاعوا أن يجعلوا هذه المرأة الطيبة تعيش مأساة فراق أبنائها الشهداء الأطفال وألمه مع كل طفل جديد رزقها الله لها. لوثوا فرحتها بالدموع وبالخوف من الفراق.لوثوا حتى ألم الولادة الذي يبعث فرحاً بألم الفراق والموت الذي عانت منه أم خليل. وأصبحت تشعر بالإحباط, حتى في أشد مراحل الولادة؛ ذلك بسبب تذكرها أنها في يوم من الأيام قد عانت هذا الألم, إلا أن ثمار ذلك الألم خطفه الغريب في لحظة.
فكرة الطفل والطفولة أصبحت عند أم خليل مقترنة أكثر ما يمكن بالموت والفراق المبكر من غير ذنب. أصبحت ضريبة لا بد من دفعها في مرحلة ما من العمر.حزنٌ لا مفر منه. وربما هذا ما يفسر خوفها الشديد على أبنائها, حتى من الماء وهي ابنة البحر. فالطيرة لا تبعد إلا ثلاثة كيلوا مترات عن البحر الأبيض المتوسط. إنه بحرها وبحر أجدادها, ومياهها الطبيعية. ولا يمكن أن يكون إلا كذلك. فقد ولدت وهي لا تبعد عنه. وهذه حقيقة طبيعية أكثر ثباتاً من كل الخرائط الجديدة والأساطيل والقرارات التي لم ير متخذوها الزلاقة يوماً, ولا يعرفون من البحر إلا الأماكن الأكثر ملاءمة لرسو حاملات طائراتهم. الذي يملك أدوات القتل هذه لا يعرف شيئاً عن أيام البحر البريئة التي عاشها مع أصحابه الطيبين. لا يعلمون أن البحر تمنى لو يستطيع إغلاق ذاته عندما داهموه, وأن موجه تمنى أن يعكس ذاته, وأن المد تمنى أن يصبح جزراً, حتى لا يرى أصحابه هذه الوجوه الغريبة. تمنت الرياح أن لا تسير كما تشتهي السفن, فأصحابها وأصحاب البحر الشرعيون لا يملكون السفن.
هاجس الفراق هذا توارثه حتى أبناء أم خليل الذين لاموها لخوفها الشديد عليهم. فقد أصبح عُمر الشهداء خليل ورومية وعيسى محطة خوف, تسكنهم كلما اقترب عمر أحد أبنائهم منها. حتى أن أبا خليل لم يجرؤ على تسمية المولود الأول له بعد الهجرة باسم خليل, على اسم الشهيد خليل. فسمى ابنه الجديد صالح. إلا أنه ولكونه يكنى بأبي خليل, بقي الناس ينادون المولود الجديد خليل. بعد مرور وقت من الزمن تجرأ وسمى المولود الجديد الثاني عيسى, على اسم الشهيد عيسى, كذلك فعل وأطلق اسم رومية على اسم ابنته الجديدة.
لقد تشكل وجداني في بيئة الحزن هذه, واستشهاد ثلاثة من اخوتي أمام عيني أمي نتيجة للقصف الهمجي من قبل العصابات الصهيونية لقرية طيرة حيفا عام 1948. كل صباح ومساء أرى أثر هذه المأساة في عيني والدتي, وفي ما تبقى من أثر لهذا القصف في جانبها الأيسر, وفي أقدام أختي سميحة التي نجت بأعجوبة من هذا الاعتداء. لقد تفتحت عيناي على ترحم والدتي على أرواح أبنائها الثلاثة الذين فقدتهم في لحظة واحدة. وكلما تترحم عليهم, أو تقسم بأرواحهم لا بد وأن تضيف عبارة "الذين فقدتهم في لحظه واحدة." يبدو أن فكرة فقدان الأحباب بهذا الشكل الجماعي شيء مؤلم, لا يمكن إلا الشعور بوخزه حتى عند اليمين.
أتذكر والدي في يوم من الأيام القليلة التي تجرأ فيها بالحديث عن قصة استشهادهم, حيث كان ذكرهم شيئاً مؤلماً وقاسياً جداً, أنه قال: " كانت أختك الشهيدة الطفلة رومية شقراء ذات عينين ملونتين. لقد تألمت كثيراً قبل أن تفارق الحياة. لقد كانت جراحها..." وقبل أن يكمل حديثه بدأ بالبكاء الشديد, وهو الشيء الذي فاجأني, فوالدي معروف بالصلابة, ودمعته لم أرها يوما. لم أعلم أن أبي يحمل كل هذا الحزن إلا في ذلك اليوم, وأن لأبي دموعاً لأنني لم أرها من قبل. فالرجال لا يبكون, كما كان إدراكي كطفل يعتقد.
لقد كان أبى (رحمه الله) يتجنب الحديث عن ذلك. فاستشهاد أبنائه الأطفال قتلاً وحرقاً وألماً, يبدو أنه كان شيئاً لا يمكن التطرق إليه والحديث عنه. ما زلت أعتقد أن أبي عندما تكلم في تلك المرة النادرة عن أحدهم, كان يتحدث لنفسه. لقد كنت معه جالسين وحدنا. يبدو أن وجودي وحدي معه في تلك اللحظة- وعمري قريب من عمر خليل عندما استشهد, وفي ذلك المكان القريب من مدارس الوكالة, الذي يرمز بكل تفاصيله إلى تلك المأساة, حيث بنيت هذه المدارس لضحايا الإرهاب الصهيوني وأبنائهم, وقرب شجرة تشبه الخروب, وكنت قبلها بقليل ألعب بقربه- جعله يتخيل أنه جالس في الزلاقة, قريباً من خروبة البيت التي شهدت الجريمة وخطف اخوتي من فرحتهم وهم يلعبونو وأنه يراهم الآن هم من يلعبون بلعبي.
تلك الخروبة التي هي الشاهد غير المحايد, طيراوية صادقة, فالطبيعة لا تكذب, وربما تكون الوحيدة- إضافة إلى شظايا القنبلة و والشمس والعشب, والتراب وغباره- من رأى تألمهم قبل استشهادهم. لقد كانوا أربعة يتألمون في اللحظة نفسها, وأمي مصابة قربهم لا تستطيع إلا النواح والتألم والصراخ. وربما أحست خروبتنا بألم إخوتي, الذين تمزقت أجسادهم بشظايا قذيفة المحتل.
استشهد إخوتي وهم بكل شيء طيراويون. بقافهم طيراويون, وبمداركهم طيراويون أيضا. فهم لا يعرفون إلا الزلاقة والقف والمرقصة.
رجعت إلى البيت في ذلك اليوم وأنا أحمل دموع أبى معي, محتاراً هل أنكرها أم أخبر أمي بما حصل؟ بدأت منذ ذلك اليوم أحاول أن أعرف كل شيء عن إخوتي, وكيف خطفهم الغريب؟ بدأ دعاء أمي لهم, والترحم المتكرر عليهم, يشكل معنىً جديدا في نفسي. أصبحت أحس به أكثر, وألتزم الصمت أكثر عندما تبدأ به, وأبعد عن شقاوة الطفولة للحظات, وأشعر أن احتراماً وصمتاً يجب أن يكونا في المكان عندما تذكر أمي أرواحهم. لقد أنضجني الموت كثيراً, فاغتالت إسرائيل بذلك طفولتي أنا أيضا, ولكن بطريقة أخرى. ربما كان ترتيبي العمري بين إخوتي سبباً مباشراً لقربي من أبى وأمي (رحمهم الله). فأنا أصغر إخوتي سناً. وقد كنت أنا أيضا بطبعي أميل لطباعه وعاداته وأحبها. وما زلت أذكر كيف كنت رفيقه الوحيد في جولاته أيام العيد مشياً على الأقدام إلى جميع بيوت أقاربه وأحبابه في مدينة إربد الجميلة. جعلت من تلك الأيام فرصة للانفراد به. اعتدنا أن نبدأ رحلتنا أيام العيد من شارع حكما شمال إربد الحبيبة لنصل أقصى جنوبها في شارع أيدون. اعتاد أن يحدثني عن حبه للطيرة وأهلها. وقد يكون للسبب النفسي هذا, المتعلق بالبعد القصري والانسلاخ عن الجذر الموجود في الطيرة, السبب المباشر في رغبته الدائمة بالحديث عن الطيرة وأيامها, وعن بابورها وقرقعته والقصص الجميلة التي كان الحيفاويون يداعبون بها أهل الطيرة وعن مداعبتهم لهم بالقول إنهم من قوسوا البحر.
وقد كنت أيضا قريبا ًمن والدتي. فكانت (رحمها الله) مثالاً للزوجة الصابرة. فقد وقفت مع والدي في محنته.
أصبحت هذه القرية- بكل تفاصيلها وأحلامها قبل أن يقتحم بحرها هذا الغريب- أكثر الأحلام التي تسكنني. أصبح مشاهدتها الحلم الذي لا يفارقني, هي وشجرة الخروب التي أضمها الآن في فناء بيتنا, والتي أراها ألآن تبتسم وهي تبكي من شدة الفرح لرؤيتي والحزن على إخوتي, والإصرار على أن لا تكون إلا لنا. قبّلت خروبتنا لوفائها, وتواعدنا أن نبقى وفيينّ لبعضنا بعضا, وأن لا يكون هناك مجال للنسيان بيننا, مهما طال الزمان. شعرت أن المكان حيي من جديد. بدأت أفتش في المكان من جديد لعلي أجد أي شيء من ذكريات أحبائي. كنت أريد أخذ كل شيء معي إلا الخروبة. فقد كانت هي راية بلادي الطبيعية ترفرف, وما تزال في المكان تؤكد هويته الحقيقية. كانت أبهى من كل راياتهم المصطنعة. ركضت إلى فناء بيتنا. كنت كلما اقتربت من شيء أكثر تقترب من ذهني صورة أبى وأمي أكثر, وتصبح أكثر وضوحا جلست على بعض بقايا حجارة بيتنا المطلة على الباحة حيث سقط خليل. لا أتخيل أن لا أرى خليلاً وعيسى ورومية.
أتخيلهم الآن أمامي في هذه الباحة, بين الخروبة وتلك المغارة ويعود الزمان ليسير بشكله الطبيعي. شعرت أن خيط الدماء الذي كان خلف أذن خليل يعود لجسده, ويلتحم ثانية مع باقي دمائه بجسده كما كان, وتخرج الشظية من عرق أذنه, وفي نفس اللحظة تخرج كل أجزاء القذيفة من أجساد أخوتي, فتعود أحشاء عيسى التي خرجت إلى موضعها, وكذلك باقي الأجزاء في جسد أمي وسميحة ورومية وترجع دماؤهم إلى أجسادهم, وتجتمع أجزاء القذيفة ثانيهً, وتصبح قذيفة مكتملة, وبعد أن تتجمع أجزاؤها كاملة تغادر من حيث أتت إلى فوهة المدفع, ويعود وجه خليل ليكمل ابتسامته, ويعود شعرهم مبتلاً تماما كما كان, وفستان أمي كما كان, خالياً من الثقوب التي سببتها القذيفة, وسروال خليل بنياً, وقميصه أصفر دون غبار, ويعود كل شيء كما كان حتى أبعث أنا بينهم أخاً جديداً لهم اسمه محمود, لم يعرفوه كما إنه لا يعرفهم. أكبر منهم سناً لكنه أصغرهم! فهم إخوته الكبار الصغار الذين ولدوا قبله! فقد جمد الغريب أعمارهم. أخوهم الكبير الذي ولد بعدهم بسنيين عدة. كيف أتعامل مع أخي الكبير الذي يصغرني بسنين إذا ما تم اللقاء؟ لقد خرب هذا الغريب دورة حياه هذه العائلة, ومفاهيم الزمن, مثلما عاث في حياة أبناء هذه القرية جميعاً وجعلهم ينامون بالوحل, بعد أن اعتادوا النوم في مزارعهم الخضراء, وعلى روائح ورود حدائقهم. هؤلاء الذين اعتادوا أن يحبوا الزيتون, لأن الزيتون طبع ضارب في جذورهم وطبيعتهم, وقديم بهم كقدم تلك الشجرات منه والتي ما زالت ضاربة بجذورها جنوبي قريتنا الطيرة. لكن المشكلة ليست فينا ولكن في ذلك الغريب الذي جاءنا من مناطق باردة جداً, أو حارة جداً, ولا يعرف شيئاً عن الوسط أو الزيتون. أما نحن فنحن أبناء هذا البحر الحقيقيون الذي هو متوسط وأبيض, ولا نعرف شيئاً أكثر من الزيتون الذي لا يكون إلا أخضر ومعتدلا كالطقس الذي ينمو فيه. لقد شكلنا اعتدال هذا البحر وصفى نوايانا كرمله.
قبلت خليل وعيسى ورومية وودعتهم وأودعتهم هناك, فهم أكبر شهادة على الحقيقة والجذر الذي لا بد يوماً أن ينبت من جديد. تركتهم في قبورهم من جديد, تلك القبور التي حمتهم من البرد والتشرد والقهر. تلك القبور التي أبقتهم طيراويين و أبقت صوت القاف بلهجتهم قافاً. صافحت التراب والأشجار وكل كائنات المكان.غادرت وبقيت أيدينا متصافحة. ...
د.محمود السلمان
جامعة البلقاء التطبيقية
هذه الجريمة التي أرتكب العدو الصهيوني العديد منها في بيوت أخرى في الطيرة حدثت في بيتنا في طيرة حيفا عام 1948.في لحظة قاسية مرت كالجمر, ولم تنطفئ, تجرأت عصابات الصهاينة على قصف منزل أبي خليل وأبنائه الصغار, في لحظة انتعاش, بعد حمام أمهم الأخير لهم, ولعبهم سوياً في فناء المنزل. كانوا في أوج سعادتهم وضحكهم, وأمهم تشاهدهم. بقايا فطورهم ما تزال في سدر الآكل. ذلك السدر الذي كان يعرفهم, ويميز دقات أكواب الشاي عليه كإعلان عن إفراغ الكوب منه, وإعلان الرغبة في المزيد من الشاي. كان ما يزال شعرهم مبتلاً, وجسدهم البريء نظيفاً, وابتسامات عذبة ترتسم على وجوههم فرحاً بالسماح لهم باللعب قليلاً, بعد حرمانهم منه خوفاً عليهم من جنون المعتدي المريض. وفجأة ودون إذن أو قرع على الباب انفجرت القذيفة في أجسادهم الناعمة, فالتهمت فرحتهم واغتالت أحلامهم, فأسقطت أخي خليل أحمد (محمد سعيد) السلمان ابن خمس السنوات فوراً شهيداًً وقبل أن يعرف أين يذهب بابتسامته, اغتالت حقه حتى في البكاء. فعلت تماماً كما يريد العدو...القتل والتعذيب والحرق وطمس معالم الجريمة. مات وهو لا يستطيع أن يقول إنه يتألم. عليه أن يقول إن هذا العدو يبسمه ولا يبكيه, تماماً كابتسامة المُختَطَف ومديحه لخاطفيه على أنه يُعامل بصورة لائقةٍ عندما يُطْلَبُ منه ذلك تحت وطأة التهديد في شريط مصوّر, استشهد وهو يبتسم, كان الموت أسرع من قدرته على تبديل معالم وجهه, من مبتسم فرح إلى باكٍ متألم مندهش مما يحدث له, وربما زاد من ألمه أنه شاهد آلام أمه وهو يغيب. ومزقت جسد عيسى ابن السنة و النصف, وتركته ينزف ويسبح في دمائه ساعة قبل أن يستشهد. لم تستطع والدته آمنة فعل شيء لابنها البريء في تلك اللحظة, فهي أيضا قد أصيبت أصابه بليغة, ولم ترحمها القذيفة. بقي عيسى متشبثاً بثوبها و يصيح: يا دادا يا دادا قبل أن يلفظ أنفاسه الطاهرة .يبدو أن شدة الألم جعلته ينسى أن من يمسك ثوبها كان يقول لها قبل لحظات في الحمام ماما وليس دادا. طفل لم يصل عمره السنتين يمر بهذه التجربة القاسية.
وفي ركن آخر من البيت سقطت رومية ابنة ثلاث السنوات والنصف, وهي تصيح ودماء غزيرة تفيض من جسدها الطاهر البريء. وسميحة البنت الكبرى لم تتركها شظايا الشيطان تفلت من الإصابة, فأنزفتها واخترقت رجليها. في تلك اللحظة احتارت أم خليل ماذا تفعل بدمائها؟ وصريخ أبنائها المصابين جميعاً حولها جعلها لا تعرف ماذا عليها أن تنتظر, أو ماذا عليها أن تفعل. خوف وهلع واندهاش, وضعف يجعل من الاستسلام للموت, وانتظار الآخر لتقديم يد المساعدة أسهل الحلول.
كان قرباً من الموت يجعل التفكير بالهرب منه شيئاً سخيفاً. فالغبار الذي سببه انفجار القذيفة- وما اختلط به من خوف وبقايا أجساد بريئة ودماء, وألم وصراخ وموت, ودهشة وعدم مقدرة على استيعاب ما يحدث, ورغبة بالهروب أو النجاة والدخول في عالم الموت, والاقتراب منه ومشاهدته والدخول في فمه بهذا الشكل- كان كل ذلك أكبر من طفولة هؤلاء الأطفال, وأكبر شهادة على أن مسببها محتل جاء لتلويث هذا المكان وأصحابه, وتسميم فرحتهم وأحلامهم.لم ترحم القذيفة أيضا خالداً صديق خليل الذي كان يشاركه قبل قليل اللعب, والآن يشاركه الموت, فاغتالت طفولته, وجعلته يسقط شهيداً إلى جانب خليل. مات خالد قبل أن يستلم كرة خليل الأخيرة, فقد سبقتها شظية الغريب. بقيت كرة خليل تتدحرج بينهما دون أن تجد من يلتقطها.
I write this message in English because I have already written it in Arabic and I want it to be available in English. I would like to thank you for this great site as it helps refugees, where ever they are, to convey their suppressed love and emotions to their village, Tirat Haifa in Palestine in this context, and to all Palestinian Tirawis who were forced to leave their village by Israeli forces in 1948, and to the children of those Palestinian Tirawis who were born in the refugee camps after 1948.My two brothers: Khaleel Ahmad (Mohammad Said) El Salman (8 years old) and Isa (3 years old)and my sister Romya (6 years old) and their friend, Khalid Hani Aloh (8 years old) were killed in Tirat Haifa (Palestine) in 1948 as a result of a strong attack on the village by Israeli forces.All of those martyrs: Khaliil, Isa, Romyya and Khalid were small children. Nonetheless, the Israeli forces did not hesitate to mortar our house where those children used to play.My mum Amenah Husein Yousif Amourah was injured in the attack together with my eldest sister Samiha. The Israelis did not find it enough to steal my village Tirat Haifa but they also did their best to kill the biggest number of innocent people, regardless of their being children or women or non-combat population. The aim was to terrify the people of the village in order to force them to leave. What I said about my brothers and sister, indeed, happened to many other innocent people in the village. Though I was born in Jordan and I did not witness that tragic moment, but the tears of my mum kept reminding us of her sadness. That sadness led me to write a book in Arabic language about that tragic event. the title of my published book is "Tragedy in Tirat Haifa". I'm ready to send it to any person as an attachment. my e-mail: [email protected]
I end up my message saying that Tirat Haifa is our village and would stay our village simply because it is not only in the heart but indeed it is also part of it. My lovely Tirawis we will one day be back to it.
[email protected]
ولك الشكر سلفا
وشكرااا للجميع ..
أنا براء عيسى احمدرمضان ابوراشد من مواليدمخيم النيرب-حلب واقيم في قطر منذ30سنه والدي عيسى مدرس شرعيه والدتي الماسه زهران من حيفااعمامي صالح وصلاحومحمود واخوتي احمد وانس وبلال وزيد وخواتي اسراء وسلافه
متزوج وعندي رؤىومحمد قصي وشذى وسعد
اعمل مهندس في مجال البترول
وسلامات
[email protected]
مع تحيات آل عمرين و الأبطح و أبو جاموس و مارح ننسى دار الأمين و عللوه و أبو راشد و بهلول و الدرباس و الحلبي
[email protected]
اُنقر هنا للمزيد من التعليقات