فلسطين في الذاكرة من نحن تاريخ شفوي نهب فلسطين English
القائمة الصراع للمبتدئين دليل العودة صور  خرائط 
فلسطين في الذاكرة سجل تبرع أفلام نهب فلسطين إبحث  بيت كل الفلسطينيين على الإنترنت English
من نحن الصراع للمبتدئين    صور     خرائط  دليل حق العودة تاريخ شفوي نظرة القمر الصناعي أعضاء الموقع إتصل بنا

يافا: من المنشية إلى جبال الخليل: مذكرات محمد عبد الهادي الشروف

النسخة الأصلية كتبت في تاريخ 10 آب، 2025

صورة لمدينة يافا:
ولد محمد عبد الهادي الشروف عام ١٩١٣ م في قرية نوبا
التي تبعد حوالي أحد عشر كيلومتراً شمال غرب الخليل.
ً عندما احتل البريطانيون
ورغم أنه كان ما يزال طفال
فلسطين عام ١٩١٧ م، فقد كبر الشروف تحت حكم
الانتداب البريطاني حيث أخذت حياته الحقاً شكلها
النهائي مع اندلاع حرب عام ١٩٤٨ م. واظب الشروف على
كتابة يومياته لنحو عشرين سنة، ما بين عامي ١٩٤٣
و1962 م، حيث سجل فيها نشاطاته اليومية إلى جانب التطورات من حوله. ورغم أن ما دونه في بدايات ونهايات هذه اليوميات لم يكن منتظماً ومتتابعاً، فإن الغالبية
العظمى منها ما بين عامي ١٩٤٤ -١٩٥٥ م تشكلً يومياً لتحركاته ونشاطاته وتفاعله مع تقريباً تسجيال
المحيط الذي يعيش فيه. تتابع هذه اليوميات الشروف في البلدة القديمة في مدينة القدسّ منذ أن كان يقاتل
وحتى خدمته كشرطي في يافا تحت حكم الانتداب البريطاني، ثم بعد ذلك حين عودته من يافا إلى منطقة
ّ الخليل حيث لاحت في الافق حتمية الحرب، مشكلة توقعاً بنهاية الانتداب في عام ١٩٤٨ م. شهد الشروف
بعد الحرب انتقال الخليل من السيطرة العسكرية المصرية إلى الإدارة الأردنية، وعندما رسمت خطوط وقف إطالق النار بعد الإتفاقية العسكرية عام ١٩٤٩ م،
أصبح يمتلك ١٦ دونماً من أصل ١٦٩ دونماً، حيث وقعت البقية من أراضي عائلته ضمن المناطق التي تسيطر
عليها إسرائيل.
أصبح الشروف تحت الحكم الأردني مدافعاً عن كل الفلسطنين من القرى الأمامية، الذين لم يكونوا لاجئين
ّ بالأصل، لكن فقدان أراضيهم وقربهم من دولة الإحتلال المعلنة حديثاً أفسد حياتهم بشكل كبير. وقد وجد
الشروف، تبعاً للظروف الاقتصادية التي سادت آنذاك، أن تدبير معيشته هو وأسرته في نوبا أصبح أمراً صعباً
بشكل متزايد، فبعد العمل لبعض الوقت ضمن طواقم الطرق التي نظمتها الحكومة الأردنية حتى تقدم
ً وإغاثة اقتصادية في الضفة الغربية، أصبح تشغيلهاأخيراً مجبراً على مغادرة فلسطين عام ١٩٥٥ م، متجهاً
ّ إلى الضفة الشرقية نحو الرصيفة، وذلك للعمل في شركة مناجم فوسفات الأردن. وليس مفاجئاً أن كتابة الشروف لمذكراته أصبحت أقل انتظاماً خلال هذاً الانتقال، الذي أبعده بشكل كبير، لكن ليس كلية كما
سنرى لاحقاً، عن شبكة روابطه الاجتماعية واالقتصادية والسياسية التي حافظ عليها في نوبا والقرى المجاورة.الخاص والعام
تعد يوميات محمد عبد الهادي الشروف نصاً فريداً
ومصدراً أولياً غنياً لفهم الحياة اليومية لقطاع كبير غير مرئي من المجتمع الفلسطيني في فترة تتجاوز
اللحظة المحورية والمفصلية في التاريخ الفلسطيني الحديث، لحظة نكبة ١٩٤٨. تختلف السيرة الشخصية للشروف عن تلك الخاصة بمعظم أصحاب اليوميات والمذكرات المنشورة حول فلسطين الانتدابية.

بقيت الخليل وجبلها بشكل عام مناطق غير مدروسة، بل وحتى أكثر من ذلك، فقد بقيت مناطق مهمشة في الأدبيات الأكاديمية. وما يجعل هكذا يوميات ذات قيمة مرشح لدرجة الدكتوراه في تاريخ الشرق الأوسط والدراسات
الاسلامية في جامعة نيويورك. وهو ممتن لعائلة الشروف، ولسليم تماري وطاقم مؤسسة الدراسات الفلسطينية في رام الله لكرمهم في السماح له بالاطلاع على يوميات الشروف
ّ ومساعدتهم في التعامل معها، وكذلك لنديم بواصلة ورية عقل لدعمهم وإلهامهم.
من المنشية إلى جبال الخليل:
تكمن اهمية مذكرات محمد الشروف
ليس بكون الشروف يعود بأصوله إلى مدينة الخليل ذاتها بل إلى مناطقها النائية، فمعظم التوثيق المكتوب للتجارب الفلسطينية في هذه الفترة يخص أفراداً من المدن. وبذلك تكمل هذه اليوميات نظيرتها المنشورة
حديثاً والخاصة بسامي عمرو، وهو فتى فلسطيني لكن عاش في الخليل في أربعينيات القرن العشرين.
وبينما كتب عمرو كفتى يعيش في الخليل ذاتها وينهي يومياته قبل عام ١٩٤٨ م، فإن الشروف يكتب كإنسان
ناضج ولد عمرو عام ١٩٢٣ م، بعد عقد كامل من الشروف، مندمج تماماً في ثنايا حياة القرية، واستمر
في يومياته حتى الستينيات، حيث كانت المادة الأغنى فيها في مطلع الخمسينيات.
أيضاً فإن يوميات الشروف تختلف بشكل أساسي عن مذكرات سامي عمرو، ولا تتوافق مع بعض التوقعات التقليدية من نصوص اليوميات في مظهر أساسي: فهي لا تقدم إلا إضاءة بسيطة على الشروف كفرد وهذا لا يعني أن يوميات الشروف ليست مذكرات شخصية، فبالإضافة إلى نقل الأحداث الجيوسياسية الاكبر التي تدور من حوله، يقدم الشروف في مذكراته تفاصيل دقيقة حول حياته وأعماله اليومية، و لقاءاته بآخرين حول موائد الطعام والقهوة، وما يدور أحياناً من تفاعلات صاخبة مع الشخصيات المحلية ومسئولي الدولة، وتجارته في السوق. لكننا لا نحظى أبداً بمعرفة تقديراته الخاصة حول هذه المسائل، أو أفكاره الداخلية وردود أفعاله. واللمحات الأقرب التي يسمح لنا بالاطلاع عليها تتضمنها يوميات مثل تلك الخاصة بيوم ٢٢ أيلول ١٩٥٢ م:
صباح الاثنين الباكر تركت واسماعيل تيم مخيم العروب، أنا للخليل وإسماعيل ذهب إلى بيت لحم. وفي الخليل ذهبت للمحكمة الشرعية، وقابلت القاضي الشرعي الشيخ محمد صالح العجلوني، وتحدثت معه في مسألة قطعة أرض العمري الوقفية، وقد أظهر تعصب وعناد.
وفي قهوة وادي النيل اجتمعت مع الاستاذ حسين الكواملة، وبعد الظهر تركت الخليل بالسيارة إلى بيت أولا ومنها للبلدة سيرا على الاقدام ومعي الشيخ عبد الفتاح كفافي.كما أن المرء يصدم بما يبدو أنه إشارات باردة وغير شخصية لحياة أسرته، حيث أن قارئ اليوميات قد يتوقع إظهار كاتبها بعض العاطفة الداخلية. فأحداث كوفاة ابنه غازي تذكر بشكل مقتضب
١ آب ١٩٤٤ م: بالساعة الخامسة صباح يوم الثالثاء توفي غازي. توفي ولدي غازي رحمه الله ودفن بمقبرة القرية يوم الثالثاء الموافق ١-٨-١٩٤٤. وحتى نربط الامور، فقد سمى الشروف طفله التالي غازي، وعندما مات غازي الثاني هذا عام ١٩٤٦ م، بعد أن انتقل الشروف مع عائلته للعمل في
يافا، لم يحظ الامر باهتمام أكثر: كانون الأول ١٩٤٦: بالساعة الرابعة صباح اليوم توفي ولدي غازي ودفن بمقبرة يازور.
تأتي اللحظة الأكثر حميمية في كل اليوميات عندما يهرب ولد الشروف الأكبر، فيصل، من البيت في
١٧ تموز ١٩٥٥ م، بسبب انزعاجه من درجاته المدرسية إلى حد أنه مزق تقرير علاماته، فيمضي الشروف أياماً
في البحث عنه، إذ يسافر إلى عمان وأخيراً إلى الرصيفة في الأردن، حيث يجده بعد ثمانية أيام. وقد كتب الشروف بعد يومين من هروب فيصل :
١٩ تموز ١٩٥٥ ذهبت للخليل للبحث عن فيصل وسألت عنه كثيرين من الناس، وذهبت لقرية حلحول للبحث عنه، وقد فهمت من أحد الناس بنقطة حلحول بأنه قابله صباح أمس ما بين بئر النجد وبقار متوجهاً لجهة الشرق، وعدت للخليل ومنها روحت للبلدة، وفي المساء ذهبت لقرية خاراس ثانية للسؤال عنه، وبعد ذلك عدت للبلدة ولكني نمت الليلة الماضية وهذه الليلة على أحر من الجمر قلقاً عليه.
لكن بعيداًعن التعبير المختصر والرقيق عن قلق الوالد على طفله، فإن تفاعلات الشروف مع عائلته وأصدقائه ومعارفه مسجلة ضمن نمط من الهدوء الموحد الملحوظ والمثير للإحباط أيضاً.
وحتى الجزء من اليوميات الذي يلقي الضوء الأكبر على آراء الشروف السياسية وتقديراته العامة لظروف
أولئك الذين يعيشون في قرى الخط الأمامي في منطقة الخليل، والتي تظهر في الدفتر الخاص الذي سجل فيه الشروف رسائل كتبها للنشر في الصحف، وخطابات تم إلقاؤلها في تجمعات مختلفة، فهي بطبيعتها أفكار
عامة. لا توفر هذه اليوميات إحساساً بالأفكار والآراء التي ربما شعر الشروف بأنها قوية جداً أو أنها أقل مستوى من أن تتم مشاركتها مع الآخرين. السمة العامة ذات التأثير الغالب لهذه اليوميات، وهي كلمة تستحضر بنفسها الحميمي والخاص،
يجب أن تشجع الباحثين على إعادة النظر بشكل أبعد.
وجد في يوميات الشروف تقليد عربي واسلامي أكبر يتعلق بكتابة السيرة والسيرة الذاتية، هو أمر خارج
اهتمام هذه المقالة، وهو جهد يجب أن يستلزم أيضاًإعادة قراءة نقدية لذكريات معاصرين فلسطينيين بارزين تتفق بشكل أفضل مع مفاهيم غربية حديثة حول السيرة الذاتية. لكن هناك الكثير مما يمكن الحصول عليه من خلال نقل التركيز من ما ليست عليه هذه اليوميات، وقراءتها من خلال عقل منفتح نحو ما
هي عليه.في هذه المقالة، أود أن أذكر كيف أن يوميات فرد، وهو في هذه الحالة محمد عبد الهادي الشروف من قرية نوبا، قادرة على توحيد مجالات عامة متنوعة، من العائلة إلى العشيرة إلى القرية إلى المنطقة، من المحلية إلى الوطنية إلى العالمية. من خلال القيام بهذا الأمر، فإنه حتى الباحث الذي قد يشعر بخيبة أمل أولية كنتيجة الاستمرارية عدم إمكانية الدخول إلى عواطف وأفكار الأفراد الداخلية والخاصة، فإنه يجب أن يدرك في نهاية الأمر كيف يمكن لهكذا يوميات أن تسهم بشكل كبير في فهمنا للحياة اليومية للفلسطينيين في الفترة التي مهدت بشكل مباشر، وتلت، الصدمة الكبرى لعام ١٩٤٨ م.
دعونا ننتقل الان إلى نوبا لنلقي نظرة على الآليات المختلفة التي شكلت علاقات الشروف الأساسية مع زملائه الفلاحين وأولئك الذين هم خارج بلدته.
الحياة الاجتماعية للقرية :
تقع نوبا كما هو مذكور أعلاه، على مسافة أحد عشر كيلو متراً تقريباً شمال غرب الخليل، لذلك فهي جزء
من الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأكبر لمدينة الخليل، مركز المنطقة. ويمكن للمرء أن يتأكد
بسهولة من الحضور البارز للخليل خلال هذه اليوميات. فهناك السلطات السياسية التي يسافر الشروف إلى
الخليل لزيارتها، أو التي توفد مبعوثين من الخليل إلى نوبا.
عندما يكون في الخليل، غالباً ما يذهب الشروف إلى السوق، والذي يُفترض أن يكون أكبر من أسواق
القرية ويقدم بضائع أكثر منها. يسجل الشروف ذهابه للصلاة في الحرم الإبراهيمي، مما يشير إلى أهمية
الخليل كمركز للمنطقة بما يتعلق بالقيام بالشعائر الدينية أيضاً. وربما مما يستحق الملاحظة، أنه رغم
التشويش الكبير الذي لحق بالمجتمع الفلسطيني عبر حرب عام ١٩٤٨ م والنكبة التي تلتها، والذي يظهر عبر
اليوميات، سواء تحت الحكم البريطاني أو الأردني، فقد ظلت الخليل النقطة المركزية في المنطقة بالنسبة للشروف، فهي المكان الذي يسافر إليه للتعامل مع السلطات الادارية، وكذلك مع السياسيين؛ ويقصده لشراء مستلزمات المدرسة لأطفاله، أو ليمارس نشاطاته التضامنية مساعدة لقريته والقرى المحيطة بها.
في الحقيقة، توضح مذكرات الشروف أن نوبا مجرد قرية ضمن مجموعة أكبر من القرى، تشمل خاراس
وصوريف وترقوميا وبيت أولا، وهي مجموعة مرتبطة بشكل تام. أحياناً يشير الشروف إلى هذه القرى بأنها
ِّ تكون قرى صف العملة، أو القرى المرتبطة بعائلة العملة.
وكما تشهد هذه اليوميات، فإنه لا يكاد يمر يوم على الشروف دون أن تقوده نشاطاته أو زياراته إلى واحدة
أو أكثر من هذه القرى.
عملت هذه القرى بشكل جماعي على تقديم الخدمات كالرعاية الطبية والتعليم، فعلى سبيل المثال، خدمت عيادة في ترقوميا سكان نوبا حتى عام ١٩٥٦ م عندما تم تأسيس عيادة بين نوبا وخاراس كذلك كان لأطفال نوبا وخاراس مدرسة وحيدة. اقترض
الفلاحون المال وأقرضوه ضمن هذه الدوائر ونظموا دوريات حراسة مشتركة في أوقات انعدام الأمن. كان
الشروف دقيقاً جداً في تسجيله للقرى التي ينتمي لها الاشخاص، كما كان ناشطاً في السياسة والاقتصاد .

كما أن مذكرات الشروف ذات قيمة في فهم ديناميات نوبا نفسها. في نوبا هناك ثلاث حمائل رئيسية:
الدبابسة - والطرمان- والشروف.
في الفترة التي احتفظ فيها الشروف بيومياته، كانت حمولة الشروف
هي الأكبر، تليها حمولة الدبابسة، في حين كانت حمولة الطرمان هي الأصغر من بين حمائل نوبا الثلاث. في عدة أوقات بعد عام ١٩٤٨، اجتمعت العائلات للقيام بإحصاءات للقرية. ورغم أن هذه الإحصاءات لم تكتمل أبداً - والتي شملت أحياناً الذكور فقط، وأحياناً الفقراء
فقط ومن هم بحاجة لمساعدة وإغاثة - فإن الأرقام تعكس دائماً هذا الترتيب داخل القرية. هناك بعض الأدلة على حدوث مشاكل طارئة ما بين الحمائل الرئيسية. في ١ آب ١٩٤٤ م على سبيل المثال، كتب الشروف:
حضر فالح عبد الفتاح الحاج ومحمود الحاج أحمد وأحمد محمد عيسى وحسن سالم والحاج عبد السالم وحسن حمدان وأحمد عبد الجواد لعندنا بالمضافة لأخذ عطوة بيننا وبين الطرمان، وقد عمل لهم عشاء ذبحه إسماعيل تيم وذهبوا بدون أخذ عطوة. وفي ٢٦ تشرين الثاني ١٩٥٣ م وبعد أن وصل من الخليل لتوزيع ملابس وفد من الأمريكيين لتوزيع معونات على الفلاحين المحتاجين: وعند التوزيع حصلت المشاجرة بين أشخاص من الشروف وبعض الأشخاص من الدبابسة بسبب توزيع البقج ‘الحقائب’ وعلى أثر ذلك وبيوم الجمعة ٢٧ منه اجتمع أفراد حمولة الدبابسة في ساحة واحدة.
لكن في أغلب الحالات فإن تقسيم القرية بين الحمائل الرئيسية الثلاث لم يؤد إلى عداوة، لكنه بدلا
من ذلك خدم كوسيلة لتنظيم مهام معينة داخل القرية.
وفي المثال الملاحظ هنا، وفي عدة حالات مشابهة في اليوميات فقد تم تنظيم توزيع المساعدات على الفلاحين بعد عام ١٩٤٨ م، سواء من قبل الأمم المتحدة أو الحكومة الأردنية أو أطراف أخرى .
كما تم غالباًمشاركة أعباء الفلاحين من قبل الحمائل أيضاً.
في يومية ١٤ أيلول ١٩٥٢ م كتب الشروف: الخميس١١ أيلول ١٩٥٢ حضر محمد أفندي بدر جابي أموال الحكومة للقرية لتحصيل ضريبة ٥٢، ونصف دينار من كل مكلف
لمصلحة القرية، وتناول طعام العشاء أول ليلة عند محمد سليمان عبد الحافظ من حساب الدبابسة، وغدا ثاني يوم الجمعة عند الدبابسة
أيضا والعشاء، وغداء يوم السبت على الطرمان والعشاء، وغداء يوم الأحد على الشروف، وفي مساء اليوم أي يوم الأحد تناول طعام العشاء
في الزاوية عند الدراويش.
بالنسبة للباحثين المهتمين بالمشاكل المختلفة من البيروقراطية وعلاقات الدولة بالمجتمع، فإن الرؤى الخاصة بالتعبيرات عن هذه العلاقات على الارض تساهم كثيراً في توضيح، وفي نفس الوقت تعقيد، فهمنا لكيفية تأثير البيروقراطية داخل مؤسسات
الحكومة على المحكومين. لقد كان دور الحمولة في المجتمعات العربية المشرقية، وما زال، معقداً وغامضاً
ّ في الغالب، فنوع التفاعلات المفصلة ما بين الأجسام الحكومية وغير الحكومية من جهة، وحمائل وأفراد
نوبا من جهة أخرى، والتي سجلها الشروف في يومياته، تلقي ضوءاً هاماً على توزيع القوة داخل القرية، وكذلك توزيعها ما بين القرية والفاعلين على المستويات المناطقية والوطنية والدولية.
أكثر من ذلك، فكل حمولة كانت مقسمة إلى عدة مكونات فرعية، فبالنسبة لحمولة الشروف، كانت
تتكون من أربعة أرباع: ربع محمد عبد الهادي الشروف: صاحب هذه اليوميات، ربع عائلة تيم، ربع عائلة سالم، ربع عائلة ثلجي، وفي الحقيقة، فإن المرء يجد العديد من حالات التوتر في يوميات الشروف ما بين هذه الفروع، ويبدو أن الكثير من الصراعات داخل الحمولة تدور حول
عائلة سالم، والتي ليس صدفة ربما تحتفظ بمنصب مختار نوبا. في ١٣ آذار ١٩٤٤ م، يسجل الشروف خلافا ما بين عبد تيم وسليمان سالم. وبعد بضعة أشهر، في ٢٦ أيار ١٩٤٤ م قدم الشروف شكوى لدى شرطة الخليل ضد محمود إبراهيم سالم، مختار نوبا، وأعضاء لجنة تمويل نوبا بسبب إهمالهم في إنفاق موارد القرية.
في ١١ تشرين الثاني ١٩٥١ م، قدم الشروف شكوى مشابهة ّ بشكل كبير لسلطات الحكومة الأردنية. إن تكرار محاولات الصلح بين عائلتي محمد عبد الهادي وسالم بين فرعي الحمولة. على مدار عدة سنوات يشهد على التوتر المستمر .
من الواضح أن الصلح أمر يراه الشروف جديراً بأن يسجله في يومياته، وهو أمر يحدث بشكل متكرر في نوبا والقرى المحيطة. لكن ليس من الصواب الافتراض بأن طريقة الصلح هذه، والتي تتضمن جمع أفراد العائلة والوجهاء المحليين للتأكيد على نهاية المشاكل بين الأفراد والعائلات، تمثل اعتماد القرية على الأشكال التقليدية وغير الرسمية للعدالة. في الحقيقة، فإن قراءة مختصرة وواعية ليوميات الشروف تشير إلى أن شكاوي القرية كانت تؤخذ إلى المحكمة ويتم تدوالها من قبل سلطات الدولة على الاقل بالقدر الذي كان يتم فيه التوسط ما بين العائلات ووجهاء القرية.
رغم أن الأمر مفاجئ بشكل صعب، فإن هذه اليوميات تظهر الدرجة التي وصل إليها استخدام القرويين تحت
الانتداب البريطاني والإدارة الأردنية للأدوات المتعددة المتاحة لهم - سواء التأثير المحلي أو قوانين المحاكم
- في محاولة لتحقيق النتائج التي يرغبون بها. غالباً ما يتم عرض ذات الخلاف عبر مال القناتين حتى يتم أخيراًالتوصل لحل له. يمكن كتابة الكثير حول الحياة الاجتماعية
والاقتصادية والسياسية لنوبا وقرى صف العملة كما تظهرها يوميات محمد عبد الهادي الشروف. آمل أن
تضيء الاجزاء التالية أكثر على هذه الديناميات. لكن في البداية أود أن أنتقل إلى ما جعل الشروف يغادر القرية وجبل الخليل للمرة الأولى، وهي فترة عمله شرطياً لدى
سلطات الانتداب البريطاني.

الشروف الشرطي في ٢٩ آب ١٩٤٤ م، قدم الشروف أوراقاً ليعيد التحاقه
بشرطة فلسطين )لقد خدم مسبقا في قوة الشرطة منذ مطلع عام ١٩٣٥ م وحتى تشرين الثاني ١٩٤٢ م قبل
أن يبدأ بكتابة أولى اليوميات. وبقيامه بذلك، فقد انضم الشروف لنحو ٢٢٠٠ أو ٢٣٠٠ شرطياً آخر في الشرطة الفلسطينية النظامية. وكما لاحظ سليم تماري مقدم الكتاب، فإن
أعداد المقاتلين الفلسطينيين في القوات الاستعمارية، إذا ما ضم المرء إليهم الأعضاء العرب في قوة الشرطة البريطانية وفي قسم التحقيقات الجنائية CID في فلسطين، تساوي، إن لم تزد عن، قوات مجموعات المقاومة مجتمعة، بما فيها مقاتلو الج هاد المقدس (القيادةالحسينية) والقساميون )أتباع القاوقجي.الشيخ عز الدين الق سام( وجيش الإنقاذ العربي).
رغم أن التمييز الحاد ما بين الشرطة الاستعمارية من جهة، ومجموعات الثورة الفلسطينية من جهة أخرى، لا
يجب أن يكون حاداً وجافاً كما سيكون واضحاً لاحقا..
إلا أنه من المؤكد أن الانضمام للسلك الحكومي بصفةمعينة لم يكن أمراً غير مألوف بالنسبة لفلسطينيين يبحثون عن شكل ما من الوظيفة الآمنة، مع راتب منتظم وفرصة للحصول على تقاعد.
لقد وضعت الخدمة الحكومية أيضاً قسماًمن الفلسطينيين ضمن حلقات جديدة، اجتماعية ومكانية. ففي محاولة إخراج رجال الشرطة من
الضغوط الاجتماعية التي قد تتداخل مع التنفيذ العادل لمهامهم، وضعت الإدارة البريطانية رجال الشرطة خارج المجتمعات التي أتوا منها. وفي حالة الشروف، فقد نقل إلى يافا. وهناك استأجر بداية منزال في قرية اليازور التي تبعد ستة كيلومترات إلى الشرق من يافا، وقد أحضر عائلته في شهر أيار ١٩٤٦ م، وسجل ابنه فيصل في المدرسة الأميرية في يازور. لقد عنى نقل الشروف أكثر من مجرد تغيير المشهد من التلال
المنخفضة في المنطقة الريفية من الخليل إلى ساحل البحر المتوسط. في الحقيقة، يظهر دفتر الملاحظات
الشرطيَ الخاص به والخاص بهذه الفترة كم كانت يافا مختلفة، لكونها مدينة كوزموبوليتية ذات ثقافة
مقاهي وحياة ليلية وتوتر سياسي، عن حياة القرية.لكونه شرطي، فقد ذهب الشروف ضمن دوريات
منتظمة إلى منطقة المنشيةالمختلطة. هناك، وخلال الدوريات الليلية التي قادته إلى مقهى محمد علي المصري، المعروف بمقهى سامبو، سيقاطع
الشروف مجموعات من لاعبي الورق، تضم غالباً يهوداًوعرباً، يلعبون القمار حتى ساعات متأخرة. هذه الشخصيات ذات النوايا المريبة حسب معايير الشرطة على الاقل لم تطارد بعضها البعض في المقاهي فقط، لكنها سعت للاستفادة من وجود السذج أو المغامرين ضمن تيار الخارجين من بلداتهم نحو يافا بغرض التجارة
أو أسباب أخرى. يكتب الشروف بتاريخ ٤ كانون الثاني
١٩٤٥ م:
بالساعة ١١،٣٠ صباحا بينما كنت ماراً من شارع الملك جورج بيافا إذ وجدت المدعو أحمد عبد الرؤوف حمدان من سكان البلدة القديمة بيافا
يلعب القمار بالثلاثة ورقات مع شخص بدوي وقد شاهدت البدوي وضع ورقة جنيه فلسطيني
على الثلاثة ورقات، وبالحال مسكت الثلاثة ورقات مع الجنيه الفلسطيني وألقيت القبض على أحمد عبدالرؤوف المذكور وأحضرته إلى مركز بوليس البلدة بيافا.
كما يوثق الشروف بشكل مستمر بعض سوء التعامل الذي ألحقه به بعض المقيمين في يافا من ذوي
الخلفيات المريبة. على سبيل المثال، في ٢٢ نيسان ١٩٤٥ م وصلت إلى مركز الشرطة شقيقة أحمد الحاج
علي الشوني لتتعامل مع اعتقال شقيقها على خلفية ضبطه مخموراً، وممارسته سلوكيات غير منضبطة.
طلب الضابط المناوب في المركز من الشروف أن يطرد المرأة.
كتب الشروف واصفاً الحدث:
وبالفعل كلفتها بالخروج من المركز بكل لطف واحترام فما كان منها إلا وشتمتني بقولها لي ينعل أبوك وأبو الحكومة التي لبستك البدلة، وذلك بحضور مأمورين البوليس الفلسطيني رقم ٩٦ فريد أبو حمدية، ورقم ٢٥٦٦ عيد الأشهب، ورقم ١٨٣٠ عبد اهلل، ومن ثم سبت ديني ودين أفراد البوليس المذكورين أعلاه وجملة من أفراد بوليس المركز.
وفي حادثة أخرى جرت في ١٤ آب شك الشروف بامرأة سورية الجنسية. وبعد سؤالها، ادعت أنه رغم كونها سورية بالفعل فإنها موجودة في فلسطين كمواطنة منذ عام ١٩٢٣ م، كونها تزوجت فلسطينيا. بعد التدقيق في وثائقها وملاحظة الفرق بينها وبين ما روته، اتهمها الشروف بدخول فلسطين والمكوث فيها بطريقة غير شرعية. فما كان منها إلا وشتمتني
وتكلمت معي بكلام غير لائق بقولها ينعل أبوك واحد عرص ولازم أربيك، وتستطيع أنت وحكومتك تقبيل
مؤخرتي.
تظهر هذه التسجيلات الصريحة العداء الذي كان لدى العديد من الفلسطينيين تجاه رجال الشرطة
ّ الفلسطينيين الذين مثلوا حكومة الانتداب البريطاني عديمة الشعبية. فالمرأتان لم ترشقا الشروف
بالشتائم كفرد، بل كممثل للدولة، يرتدي زي الحكومة بنت الحرام كما أن مسألة الجندر في هذه الإشكاليات
مثيرة لالهتمام. رغم أن المواجهات مع الرجال لم تكن غائبة عن دفتر ملاحظات الشروف، بما فيها ذلك
المتعلق بحادثة حصلت بتاريخ ١٣ كانون ثاني ١٩٤٥ م، وخلالها تُوصف الشرطة بـ الأغبياء، فإن هذا الدفتر
ّ يبدو أنه يسجل بشكل مفصل اللغة الكريهة التي تستخدمها النساء. ومن الممكن أن يشير هذا إلى عدد
من الاحتمالات المختلفة. يمكن أن ينظر لإستخدام النساء لهكذا لغة على أنه أمر فاضح بشكل مميز، ولذلك فهو يستحق التسجيل. أو ربما أن الرجل الذي يتكلم مع ضابط شرطة بهكذا لغة سيتعرض لعقوبة جسدية على يد ذات السلطات. وهكذا فربما شعرت
النساء بحرية أكثر لشتم السلطات، فببساطة لا يتم تسجيل استخدام الرجال للغة مشابهة، وتتم
معاقبتهم على مخالفة النظام فورا، في غرفة تحقيق أو زنزانة سجن، وليس في قاعة محكمة.
توفر هذه المشاهد وغيرها والتي تروي أنواع الأفعال –الاجرامية وغيرها- التي دعت لتدخل الشرطي، نوعاً من النافذة على الحياة الاجتماعية في يافا قبل النكبة.
ورغم أن هذه الملاحظات مدونة في دفتر ملاحظات شرطي، فإنها تساعد على حفظ الحياة الكاملةّ والغنية لمدينة ضاعت، مكملة ذكريات شخصيات كيوسف هيكل وشفيق الحوت وصلاح خلف أبو إياد
إن دور الشروف كشرطي جعله على تماس أيضاً بالصراعات السياسية ما بين الحركة الصهيونية والحكومة البريطانية، من جهة، وبين السكان
الفلسطينيين، من جهة أخرى.
ففي ٢٢ نيسان ١٩٤٥ م ، تم استدعاء الشرطة لفحص دليل يتعلق بصناعة
قنبلة، وفي ١٥ آب من نفس السنة، أغارت الشرطة على بيت يحتوي كمية كبيرة من الديناميت. في هذه الأثناء، دون الشروف ملاحظة حول الإضراب الفلسطيني العام في ٣ أيار ١٩٤٦ م، وعن إضراب آخر في الذكرى السنوية لوعد بلفور.
لكن ورغم أن شبح الحرب كان قد لاح فوق فلسطين في عامي ١٩٤٧- ١٩٤٨ فقد استمر الشروف في عمله كضابط شرطة، وهو أمر لم يتعارض مع رؤيته للدفاع عن فلسطين كما سيتضح لاحقا.
لننتقل الان إلى هذه المرحلة المفصلية، حيث قطعت فلسطين إرباً.
حرب عام ١٩٤٨كانت إرهاصات الحرب واضحة منذ بداية عام ١٩٤٨ م.
ّسجل الشروف في عدد من اليوميات، ابتداء من شهر كانون الثاني ١٩٤٨، حوادث عنف في الفترة التي أصبح
فيها الانسحاب البريطاني من فلسطين متوقعاً.
في يوميات متعاقبة، يسجل الشروف تفجيرات القدس التي قام بها المسلحون الصهاينة في بنك باركليس ومبنى الحكومة العثمانية كانون ثاني وفندق سميراميس .
في ذات الأثناء وقريباً من بلدته يسجل الشروف في ١٤ كانون ثاني: صباح اليوم قام المناضلون
العرب بهجوم شديد على مستعمرة كفار عتسيون والمستعمرتين المجاورتين لها بجبال قضاء الخليل.
وبعد يومين في ١٦ كانون الثاني: وقعت معركة كبرى بالقرب من قرية صوريف قضاء الخليل بين المناضلين
العرب وعصابات الهاجناه اليهودية، وقد قتل خمسون
يهوديا وغنموا أسلحتهم.
وفي ٢٥ كانون ثاني، كتب الشروف من موقعه الذي يتيح له أفضلية كشرطي يعيش في يازور:
بالساعة ١١،٣٠ صباح اليوم وقعت معركة بين المناضلين العرب والمجرمين اليهود على حدود قرية يازور ومستعمرة أغروبنك ودامت مدة ٣ساعات.
كنتيجة لتنامي عدم الاستقرار، أعاد الشروف عائلته من يازور إلى نوبا في ٩ شباط ١٩٤٨ م. وقدم طلباً للانتقال
من مركز شرطة يافا إلى الخليل في ٩ شباط، وتم نقله إلى مركز شرطة الظاهرية في منطقة الخليل في
منتصف آذار. ومن الواضح أن الشروف لم يكن الوحيد
في توقعه لنهاية الانتداب.
في ٢٢ آذار، كتب الشروف: بعد ظهر اليوم حضر أحد قواد الجيش العربي الأردني ورئيس بلدية الخليل وبعض وجوه الخليل ودورا، وقد تناولوا طعام الغداء عندنا بمركز بوليس الضاهرية بعد أن رفعوا العلم العربي الأردني على عمارة المركز.
وفي ٢٤ نيسان ١٩٤٨ م، وقبل ثلاثة أسابيع من النهاية الرسمية للانتداب البريطاني، يسجل الشروف:
حضر مساعد المدير العربي الياس أفندي حداد ومساعد المدير البريطاني المستر واليمز وضباط البوليس العربي شحادة أفندي عناني ويوسف أفندي عمرو وعمران أفندي عمرو لمركز بوليس الضاهرية أجل أن يستلم الأول مسؤولية إدارة قسم بوليس الخليل والمراكز التابعة له
من الثاني، وبعد أن تناولوا طعام الغداء عند بدر أبو علان
عادوا للخليل.
في ١٥ أيار ١٩٤٨، تاريخ نهاية الانتداب رسمياً وإعلان دولة إسرائيل، يكتب الشروف:
ًليلة ١٤-١٥ أيار ١٩٤٨ انتهى الساعة ١٢ ليلاالانتداب البريطاني عن فلسطين وبعد ذلك الوقت مباشرة دخلت الجيوش العربية النظامية المؤلف من شرق الأردن ومصر والحجاز والعراق وسوريا ولبنان لتحريرها من الطغيان اليهودي.
بالطبع، سيتلاشى لاحقاً تفاؤل الشروف الواضح، وسيصف أداء الأنظمة العربية في الحرب بمرارة. في ٤ نيسان ١٩٥٢ م، عندما أحضر يوسف بيك عباس العمرو، ممثل منطقة الخليل في البرلمان الأردني، وفداً من
الصحفيين المحليين والعالميين ومن مسئولي الأمم المتحدة في جولة على قرى الخط الأمامي، تحدث
الشروف إليهم. بعد وصف الظروف الصعبة التي يصارع ضمنها فلاحو المنطقة، وصف الشروف هذا الوضع في يومية ٤ نيسان ١٩٥٢ م بأنه: ... خزيا وعارا للدول العربية وقادتها الذين عجزوا عن حماية أراضيهم. لكن الامتداد الكامل لخيبة الأمل من الفشل الجماعي للدول العربية
أتى لاحقا، وعندما وضعت المنطقة المحيطة بالخليل تحت قيادة عسكرية مصرية في ٥ حزيران، ذهب الشروف ليخبر المصريين أنه يريد أن يستمر في تقديم خدماته
كشرطي. وحسب الوضع السائد لم يكن مفاجئاً أنه رأى هذه الخدمة كجزء من الجهد الحربي العربي.
خلال الحرب، اشترك الشروف في جهود متعددة لتنظيم الدفاع عن القرى المحيطة بالخليل.
في ١٩ تموز على سبيل المثال سافر مع مجموعة من الوجهاء من نوبا إلى بيت أولا والتقى بأفراد من عائلة
العملة لتنظيم حراسة قروية للقرى المحيطة.
وفي ١٤ آب ١٩٤٨ م حضر محمد عبد الهادي العملة للبلدة وبحث مع الشروف قضية تنظيم حرس القرية وشراء الأسلحة.
شارك في هذه الجهود الهادفة لحماية قرى المنطقة وجهاء القرى، وأحياناً أفراد من القوات العربية المسلحة، وغالباً رجال شرطة آخرون.
لا يجب أن يكون هذا الأمر تحديداً مثار استغراب، لأن رجال الشرطة
الفلسطينيين كان لديهم بعض التدريب في هذا المجال، وكان لديهم بعض التنسيق مع الجيوش
العربية وإمكانية الوصول لألسلحة. ويبدو مما سجله الشروف، أن بعض مراكز الشرطة، كمركز بيت جبرين،
أصبحت نقاط ارتكاز في محاولات تنظيم دفاع عن القرى الفلسطينية، ففي مساء ١٣ آب ١٩٤٨ م، على سبيل
المثال، مساء اليوم حضر الى مركز بوليس بيت جبرين فرقة من المتطوعين الفلسطينيين وأكثرهم من أبناء يافا.
لاحقا في ٢٤ تشرين أول، نزلت قوات أردنية مع مدفعية ومدرعات إلى مركز بوليس بيت جبرين. وقد
وقع قتال عنيف خلال الأيام التالية في بيت جبرين وحولها. وعلى الرغم من أن الشروفلا يذكر بتاتاً مجزرة
الدوايمة التي وقعت في ٢٨-٢٩ تشرين أول ١٩٤٨ م،١٦ فإن وصفه للقتال الشديد قرب بيت جبرين في ٢٧ تشرين أول، وحديثه عن انضمامه للمسلحين المدافعين عن الدوايمة بما فيهم مختارها حسن محمد هديب.

مطلع أيلول ١٩٤٨، يقدم بعض الشرح حول التطورات في المنطقة والسياق الذي حدثت فيه المجزرة.١٧ كما
يمكن لما سجله الشروف حول تحرك الجبهة بين الصهاينة والعرب وحول التنسيق بين القوات العربية
المختلفة أن يساعد في استكمال المصادر كمذكرات بهجت أبو غربية الذي التقاه الشروف في ٢٠ تشرين
الثاني ١٩٤٨ م.
لكن في نهاية الأمر، تقدم لنا يوميات الشروف منظوراً للنكبة يختلف بطرق عدة عن كل من التاريخ السياسي والعسكري لعام ١٩٤٨، وعن روايات اللاجئين الذين ربما غلفت لحظة الاقتناع بالنسبة لهم قرار عائالتهم بالهرب من منازلهم في يافا وحيفا، وفي عدد كبير آخر من المدن والقرى الفلسطينية. عكس الروايات
السابقة، التي تسرد العنف عبر فلسطين بوصوله ذروته
ً من مواجهة إلى أخرى، راسماً سلسة
المسعورة، انتقال من الدفاعات الحماسية والمجازر والهزائم، فإن يوميات الشروف تبقى مرتبطة بشكل كبير بمكان واحد. بهذه الطريقة، يصل القارئ لتجربة أثر حرب عام ١٩٤٨ على المستويين الفردي والمحلي، بلحظات النشاط وقلته، لحظات المواجهة تتخللها ليال طويلة هادئة فيها مهام الحراسة، وأيام الدوريات، والمحاوالت المتقطعة للمحافظة على القليل من مظاهر الحياة العادية.
في يومية للشروف بتاريخ ٥ حزيران ١٩٤٨ على سبيل المثال، وهو ذات اليوم الذي كتب فيه ديفيد بن غوريون في يومياته »تستمر عملية التطهير،«١٩ يعكس ما كتبه
الشروف المخاوف المتداخلة لقروي فلسطيني:
٥ حزيران ١٩٤٨: كبرتت البندورة ثاني مرة والكوسا أول مرة وكبرت الكوسا ثاني مرة.

ملاحظة

مضمون المقالات، المقابلات، أو الافلام يعبر عن الرأي الشخصي لمؤلفها وفلسطين في الذاكرة غير مسؤولة عن هذه الآراء. بقدر الامكان تحاول فلسطين في الذاكرة التدقيق في صحة المعلومات ولكن لا تضمن صحتها.

 

شارك بتعليقك

 
American Indian Freedom Dance With a Palestinian


الجديد في الموقع