في سلسلة الجبال الفلسطينية الخالدة و في عمق تضاريسها لاطبيعية الخلابة و في الجنوب الغربي لمدينة القدس انتصبت قرية بيت عطاب على قمة احد هذه الجبال الشامخة المشرفة على القمم الاخرى .
و على مقربة الى الجنوب من خط سكة الحديد بين القدس و يافا و يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر 650 م و مساحتها تقدر ب 8757 دونماً .
تحيط بقرية بيت عطاب ينابيع المياه الغزيرة . حيث كان يعتمد عليها اهل القرية في الشرب و ري المزروعات و الخضروات و اهمها اشجار الزيتون و العنب و التفاح و اللوزيات و الخضار بأنواعها المختلفة و تنبت في موقع القرية و عند تخومها السفلى ماشجار اللوز و الخروب و الزيتون كما ينبت الصبار عند طرفها الجنوبي .
يحد القرية من الشمال دير الشيخ و من الغرب دير الهوا و السفلة و جراش و من الجنوب علار و بيت نتيف و من الشرق راس ابو عما ر و علار .
عرفت قرية بيت عطاب قديما و اشير اليها باسم (ايناداب)في قائمة البلدات الفلسطينية التي وضعها المؤرخ (يوسيبيوس) في القرن الرابع للميلاد و عرفها الصلليبيون باسم (بيتا هتاب) و في عام 1838 زار عالم الكتاب المقدس الامريكي ادوارد روبينسون القرية ووصف منازلها الحجرية بانها متينة البنيان و كان فيها منازل مؤلفة من طبقتين .
و في وسط القرية كانت خرائب احدى القلائع الصليبية و قدر روبنسون عدد سكانها انذاك بنحو 600-800 نسمة .
و من اشهر ما عرف عن قرية بيت عطاب انها غنية بكنوزها الاثرية الرومانية و معالمها التاريخية في العصور الماضية و من هذه المعالم التي ما زالت حية حتى الان الكهف الكبير الممتد دون منازل القرية بعرض 8 اقدام و ارتفاع 6 اقدام و الذي كان يسمى الباب الكبير .
كان سكان القرية يعتنون بتربية المواشي اضافة الى اعتمادهم على الزراعة و يملكون فضلا عن اراضيهم القريبة من بيت عطاب اراضي اخرى ذات مساحات كبيرة في السهول الساحلية الفلسطينية جنوب اللطرون و محاذية لوادي الصرار و كانت تسمى (بيت فار) تتبع اداريا لقضاء الرملة و لواء اللد و اكثر ما تشتهر به هذه السهول زراعة الحبوب .
كان لأهل القرية مشاركة فاعلة في النضال و الكفاح في الثوورات الفلسطينية المتعاقبة ضد الوجود البريطاني و الصهيوني بعد ذلك و من هؤلاء المناضلين الشهيد احمد جابر الحوباني و الملقب (ابو الوليد) و هو من رموز قادة الثورة حينذاك في منطقة العرقوب ضد الوجود البريطاني .
كان الشهيد الحوباني قد بدأ نضاله قبل ثورة البراق عام 1929 م حيث اعتقل و حكم عليه بالسجن المؤبد ثم خرج من السجن عام 1934 م و تابع مسيرة الثورة مع رفاق دربه الى ان استشهد في معركة (ام الروس) مع القوات البريطانية و هي احدى المعارك النضالية المعروفة بالقرب من قرية (بيت نتيف) عام 1939 م .
احتل اليهود بيت عطاب و القرى التابعة لها من قرى منطقة القدس بعد الهدنة الثانية لحرب عام 1948 م حيث يقول المؤرخ الاسرائيلي (بني موريس) انها احتلت في 21 تشرين الاول عام 1948 م في اثناء عملية (ههار) التي كانت تتكامل مع عملية (يواف) الصهيونية و هو الهجوم المتزامن مع الهجوم على الجبهة الجنوبية و الرامي الى الاندفاع في خطتهم الاحتلالية نحو النقب الفلسطيني.
لقد ارتكب اليهود خلال احاتلالهم لقرية بيت عطاب و القرى العربية المجاورة و حشية ذهب ضحيتها الكثير من السكان و منهم على سبيل المثال الشهيد عبد السلام ناجي اللحام و زوجته اللذان اطلق عليهما الرصاص بعد اقتيادهما معصوبي الاعين و مكبلي الايدي في منزلهما و كان ذلك في عام 1948 م
وبين عامي 1948 -1950 و بعد احتلالها للقرية و القرى الاخرى قامت اسرائيل بهدم منازل القرية و حولتها الى اكوام من الانقاض المدمرة لانشاء مستعمرة( نيس هاريم) على شمال موقع ارض القرية .
و ما زالت لغاية يومنا هذا تغطي القرية كميات من انقاض المنازل المدمرة و ما زالت بقايا القلعة الصليبية التاريخية بارزة فيه و ثمة مقبرتان غرب القرية و شرقها قبورهما منبوشة تبدو منها عظام ادميين .
لقد شتت الاحتلال الصهيوني اهالي القرية بعد اجتياح العصابات الصهيونية لها و تدمير منازلها و لكن بالرغم من هذا التشرد و التشتت ما زالت غالبية اهالي القرية تحتفظ بالصكوك الفلسطينية و الحجج و الوثائق الرسمية الممهورة من الباب العالي ووالي فلسطين ايام الانتداب البريطاني لاملاكها الخاصة .
ان سر احتفاظ اهل القرية بهذه الصكوك لغاية الان و بعد هذا الفراق الطويل عن ارض الوطن الحبيب ان ايمانهم يزداد يوما بعد يوم بأن ارضهم لا تزال تنتظرهم و لن يتنازلوا عن ذرة تراب من ثراها المقدس و لن يقبلوا عن العودة أي بديل اخر و العودة اليها في قناعتهم حق مؤكد و مقدس و حتمي .
توقيع الشاهد على العصر
اللاجىء و النازح و العائد ؟ بأذن الله ؟
ابن القرية الفلسطينية المدمرة
عطا محمد ملحم اللحام
شارك بتعليقك