صورة وحكاية
موعد على عين الليمونة
كانها قطعة من الجنة يزينها لون الجنائن الاخضر الذي ما يزال مشتعلا حول عنقها الرطب
جنوب القرية على بعد امتار من شارع يافا القدس و الذي يقسم فلسطين شمالا وجنوب ، انها عين الليمونة يتذكرها من بقي من شيوخ قالونيا واجزم ان الكثيرين من شباب قالونيا وصباياها ايضا يذكرونها، فقد شاهدوها في عيون اجدادهم وسمعو خرير الماء بصوتهم الشجي تلك عين الليمونة ، والرجل الستيني الحاضر في الصورة امامنا هو المناضل دائما حمدي مطر يمد يده على مقعده الحجري حول النبعة يتلمسه و يحكي له عن لوعة الغياب ..هذا المقعد مكانه الطبيعي منذ كان يافعا حرا في قريته ، في ذاك الزمان وبعد ساعات من الركض واللعب بين حقول القرية وبيادرها كان يأتي عين الليمونة يستأنس بظلالها و يشرب من ماءها الطهور ويغسل وجهه ويرتاح عشقا على حجارتها تلك ..وما زال يتلمس مكانه هناك ...
في السنة الاخيرة من القرن العشرين وبعد فراق دام اثنان وخمسون عام عاد حمدي برفقة حفيده حمدي ليسقيه من ماءها العذب ، لحظة الوصول الى العين اعترض طريقة اليهودي الذي يجلس على يسار الصورة بلونه الباهت بلحيه بيضاء تحت قبعة فرنسية ، قال اليهودي العجوز ، اين اين تدخلون ؟؟ اجابه حمدي الكبير الى العين لنشرب .. قال اليهودي والذي تبين انه من يهود العراق : هذه مياه مقدسة بالنسبة لنا لا نشربها ، أجابه ابو سمير يا لغدر الزمان من انت حتى تقول لنا هذا .. فمنذ وجدنا وحيث لم توجدون ونحن نعرف قدسيتها وطهارتها.. قدسيتها في ري زرعنا واشجارنا قدسيتها حين كانت صبايا قالونيا تاتي لتملء الماء منها قدسيتها حينما كانت سقيا للعطاشى من أهل البلد ، فقال اليهودي نحن نستخدمها لغسل الذنوب وكذلك حين يتزوج اليهود يأتون ليتباركوا من ماءها بالطبع مقابل بضعة شيكلات ولهذا سيجتها ..
قالت الشجرات بئس الزمان يا حمدي فكل ما لديهم هو المال ..
وبعد ان ارتوى الجد حمدي من ماء العين وهيهات له ان يرتوي بعد هذا الفراق ، شرب حمدي الصغير من يد جده جرعة من ماءها وملء قبعته بالماء وارتداها لينساب الماء على جسده... فنادت عليه برقرقة الماء الحزين وقالت لا تنساني يا حمدي واخبر كل اطفال قالونيا ان عين الليمونة تعاهدكم بانها ستحبس ماءها في باطن اعماق الارض وستشح به على الغادرين ..قالت العين تحلف بدمع العين ...سأحفضه لكم في قلبي حتى تعودون .. وترجعون الى القرية لتشربوا وتغتسلوا من قهر المنافي ...
وخطا الحفيد خطوته الصغيرة نحوها ..ينظر الى صفحة الماء فيها .. نظرة المطيع في حمل الوصية ...
شاهد الصورة
شارك بتعليقك