عيون بلدتنا قالونيا
أنعم الله علينا في بلدتنا قالونيا بأصول الخيرات كلها : من مواشي وحيوانات ودواب وطيور ، فيها المركب والمغنم والمطعم، ومن حقول وبساتين ونتاج وثمار ، ومن ينابيع ومسايل مياه انبجست من أرضنا الطيبة، ومن عيون جارية كالعروق في الجسد، نجري بين جنائننا وبسانيننا الناضرة ودورنا الزاهرة في جنوب بلدتنا خاصة، يجري ماؤها الزلال جيث يشاء أصحاب البساتينوالدور والحقول والجنائن، سهلة لا تمتنع عليهم أبداً في قالونيا اثنتا عشر عينا ،تزيد عن عدد حمائل البلدة، كانت مشارب وعيون لسقيانا نأخذ منهل حاجتنا، لا يشاركنا فيها غيرنا من اهل القرى المجاورة ، وأول تلك العيون
1ـ عين الليمونة:
أوالعين التحتا و تقع في قالونيا الجنوبيه على بعد مائة متر من الشارع العام ، الذي يقسم فلسطيين الى شمال وجنوب ، وعلى يمين الداخل الى بلدتنا من الجنوب . ويجاور العين منزل فوزي نسيبه ، ويحيط بها حقول وبساتين وجنان طيبه تسقيها العين ، والعين عباره عن غرفة حجرية صغيرة مسقوفة بالاسمنت ، قرب السقف
مزراب قوي نضاح تتدفق منه المياه بلا انقطاع او توقف . يقف الرجل منا بطوله تحت المزراب يدش دشا براحته ، وامام غرفة المزراب بنيت بركة تتجمع فيها المياه بعمق متر ونصف قبل توزيعها على البساتين والجنان والدور حولها عن طريق فتحات عند حواف البركة السفلى ، وتفتح وتغلق حسب جدول زمني متفق عليه بين اصحاب الجنان والحقول والدور هناك .
2- العين الفوقا :
وتقع الى الشمال من العين السابقه مسافه ثلاثمائة مترا بجوار منزلي حافظ نسيبة وفؤاد نسيبة ، ويصب مزرابها القوي من ارتفاع أقل من متر مباشرة في بركة اصغر مساحة واقل ارتفاعا من بركة العين التحتا السابقة ، وتتجمع فيها المياه لتوزيعها لسقاية خضروات الارض التي حولها . كانت تظلل البركة شجرتان معمرتان ، لاتنفك اوراقها المتساقطة منها ، تطفوا فوق صفحة الماء فيها ، فتغطيها لتبدو ارض غرفة مكسوة ببلاط من الاوراق الملونة ، ويظهر ان اولاد نسيبة قد مضى عليهم وقتا ؟ مثل ابناء عائلة الحسيني ؟ كانوا فيه يستأثرون بأحسن الاراضي بجوار العيوت ، اشتروها من فقراء البلدة ايام العثمانيين ، قبل ان تنتقل من ايديهم الى ايدي مشترين جدد!
3- عين الشامية :
وتقع في اراضي الحبايل في قالونيا الشرقية داخل مغارة صخرية شبه مستطيله ، يبلغ طولها عشرة امتار بعرض خمسة امتار ، وارتفاع مترين ، وتقع بركة العين عند مدخلها .
يدخل فيها الرجل فاردا قامته ، وتضاء فيها الشموع من قبل اهل البلدة وخاصة من اهل داري عطية وعطوة ، تبركا في امسيات الجمع والمناسبات ، كانت بنات القرية يجدن فيها المكان المناسب للاستحمام متخفيات عن اعين المتطفلين من الاولاد.
4- عين علي جودة :
وتقع غرب عين الشامية الى الجنوب الغربي من دار موسى عبد ربه ، وترتفع نسبة الملوحة في مياهها ، مما كان يشجع المصابين بالحكة بالاستحمام فيها طلبا للشفاء من حكاتهم .
5- عين العصافير :
وتقع عند اسفل مستعمره ارزا ( موصة الفوقة ) بالقرب من حرش التنطور ، تحت شارع القدس ؟ يافا .
وهي غرفة مستطيلة مساحتها مايقرب من عشرة امتار مربعة ، متوسطة الارتفاع ينحني الواقف داخلها ، بابها صغير يقود اولا ومباشرة الى النقر الدائري وعمقه ثلاثون سنتيمترا ، ونصف قطره يبلغ خمسين سنتيمتر ممتليء دائما بالماء ، سميت بهذا الاسم لان العصافير هي الاكثر من بين المخلوقات التي تستفيد منها حيث تشرب وتأكل من ديدان العلق المتكاثره هناك . كانت الابقار تدخل رأسها فتصل الى النقر وتشرب منه فتظهر تلك الديدان العلقية حول افواهها بشكل ملحوظ ، كانت تلك الديدان تشكل اهمية خاصة عند متعاطي الطب الشعبي ، فقد كان يوصي حافظ ابو غزاله من القدس ؟ وهو مطهراولاد البلد ؟ على كميات منها يستعملها في العلاج ، وقد حدثتني معزوزة حسن سمور رحمها الله ، كيف ان الله قد شفاها بعلاجه لها باستعمال تلك الديدان حول عينها .
6- عين الجسر :
وتقع بالقرب من الجسر الكبير تحت مقهى واستراحة نقولا ، تنبع من اراضي خاصة يمتلكها صالح الحسيني ، ويشرب من تلك العين الانسان والحيوان في بلدتنا .
7- عين السنيوره :
على بعد ثلاثين مترا من عين الجسر ، شرق قالونيا الجنوبية ، وتشرب منها العائلات المسيحية في البلدة ، وهي عائلات نقولا ومتري ويوسف مروم ، ولعل اسمها " عين السنيوره " اي عين السيدة الصغيره في اللغات اليونانية والاسبانية والايطالية ، كان قد سمتها بها تلك العائلات المسيحية التي استوطنت البلدة في اوائل العهد العثماني في القرن السادس عشر .
8- عين البيارة :
وتقع في ارض رباح الحسيني شمال بئر كدس اليهودي الى الجنوب في قالونيا الشرقية ، وقد حفروا ذلك البئر في منطقة الحدود المشتركة بين اراضي رباح الحسيني وداوديلين اليهودي .
ومن هنا كانا اي الحسيني واليهودي يتقاسمان الاستفادة من البئر ، وقد قام داودويلين بتوصيل المياه من العين الفوقة الى بئره ذلك ، فضمن وفرة المياه ودوامها في بئره طوال الايام ، وكان هدف يلن اليهودي ، من ذلك العمل هوخدمة الكنيس اليهودي المجاور لبيت ولده كدس بجواره ،ثم خطا داوديلن خطوة اخرى فقام بحفر عين جديدة في ارض البيارة يصلها الماء من بئره، وذلك لخدمة أرضه وأرض رباح الحسيني! وقد سميت تلك العين بأسم البيارة "عين البيارة"
وقد روى من اشترك بحفر ذالك البئر أي بئر كدس فقال: لقد حفرنا البئر على شكل انجاصة تامة وبعمق عشرة أمتار وقد ظلت عائلات اليهود عنبتي وداودويلن وكدس ، يشربون من تلك البئر ويستعملون مياهها طيلة فترة الاضراب الشهير بشهوره الستة وهم في اتم هدوء بال وانظف حال.
ويلاحظ هنا أن العيون الثمانية السابقة ترافق الوادي الكبير والوادي الصغير شرق وجنوب بلدتنا قالونيا ، وتقع ينابيعها عند اقدم الواديين، أما العيون التالية فتقع كلها على السفوح الجليلة.
9ـ عين الجوز:
في الجنة عينان، اسمهما تسنيم وسلسبيل ، وفي قالونيا عين اسمها عين الجوز ماؤها أعذب مياه العيون في البلدة وفي غيرها ، تمتاز مياهها بعذوبتها ، ولصفائها ولسهولتها ، يشرب منها سكان قالونيا الشمالية والغربية بل ان الكثير من الاسر في المناطق الاخرى ،والقريبة من العيون السابقة اعتادت على ارسال فتياتها ونسوتها لاحضار ماتحتاجه لشربهم في منازلهم من مائها الزلال .
عرفت بهذا الاسم نسبة الى شجرة الجوز المعمرة لصاحبها الشيخ اسماعيل سالم كانت هناك .
وتقع عين الجوز في السفح الجبلي عند قمة الخور في غرب قالونيا.
والعينعبارة عن مغارة بئرية بعمق أربعة امتار .تهبط المرأة المستقيمة خمس عشرة درجة لتصل الى مصطبتها في القاع.
اعتادت نسوة القرية ووارداتها ببناء تلك الدرجات و ترميمها مصطبة العين شبه مربعة لا تزيد عن مترين مربعين في القاع وأكثر من امتار مربعة عند سقفها .فيها نقر صغير يصب فيه الماء مزراب من ورق الشجر تمزربُه المرأة او تستبدله حسب الحاجة .
وعند عين الجوز يتجمع في العادة عدد كبير من الفتيات والنسوة الساقيات وذلك لبعد العين الى حد ما عن العمران في البلدة ، ولتجنب طريقها لتجمعات الشباب والرجال ،فلا تضطر المرأة المستقية أن تمر بها كما كان الحال مع جالبة الماء من العين الفوقا أو من العين التحتا ،حيث كانت المرأة تضطر الى اجتياز طريق العقبة بين جماعات الرجال ،والشباب القادمين من القدس أو الذاهبين اليها وتضطر أغلب النسوة ان يجتزن دكان ومقهى اسماعيل خليل رمضان حيث تجلد هناك أعداد من ذكور البلدة من الشباب و الشيوخ .وكان منظر النسوة العائدات من عين الجوز منظر جميلاًَ هذه تحمل فوق رأسها تنكة، وتلك حباها الله بجيد طويل ورقبة قوية ،تحمل تنكتين وضعتهما بشكل مستقيم فوق حواة على رأسها ،وكأنها الهة القوة تتحرك على الطريق يعلوها تاجها الطويل ،وثالثة تحمل برميلها الثقيل وهي تهرول لتصل الى بيتها ولتعيد الكرة مرة اخرى ،وأخريات يسرن بحمولتهن الهوينا وهن يتجاذبن أطراف الحديث ،وعند العين، ومن نسوة العين تُعرف الأسرار ومن ثُم تفقد سريتها.
تتوقف النسوة في الذهاب الى تلك العين في المساء وفي الليل ولايحضرن اليها في الصباح الباكر لرهبة المكان وشدة ظلامه ، فالعين في خور، في شق بين جبلين أراضيها مكتظة بالاشجار ،والعين كما وصفت تثير الوجدان بشعوره وبلا شعوره ، والعقل الشعبي ملىء بخرافات الارواح و طوافها ،وقصص المردة السود،والجان ، والعفاريت التي تجوب تلك الاماكن في الاماسي و في العشيات وعند ساعات الصباح الأولى.
10ـ عين الدجاج (عين الجاج):
تقع في أراضي دار بكر وتسمى احيانا بعين دار بكر (درباس) غرب البلدة،ولاتبعد كثيراً عن عين الجوز ،ولعل اسمها عين (الجاج)أو الدجاج يعود الى وقت كانت ترتع حولها وتشرب منها وتعيش فيها أعداد وفيرة من طير الشنار والدجاج البري.
والعين عبارة عن بركة متوسطة حولها جدار دائري ،يرتفع قليلاً من قاعها
يبلغ قطر البركة متران ، شق قادم من الصخر خلف البركة يمدها بالماء، وتجف العين أغلب ايام الصيف ، وقد حدث مرة أن غرقت فيها طفلة لخليل بكر ،وقد كانت في طور المشي أو الحبو في تلك العين ،ه وفي الربيع كانت عين الدجاج مسرحا ومراحا للاستراحة و الرحلات و الشطحات، تجذب بطيورها و بالاشجار التي تعلوها شمالاً،طلاب جامع الشيخ حمد و شيخهم ،وغيرهم من اهالي البلدة.
11ـ عين فرحان:
حفرة واسعة دائرية نصف قطرها متر واحد وبعمق 40 سم تنبع من أراضي شحادة بكر، وتقع في أرض محمد فرحان ،وبأسمه سميت، وهي على بعد نصف كيلو متر الى الشمال الغربي من عين الجوز،ولايسموها سقف ولا يحيط بها جدار، عين ترابية تجف في الصيف، وفي الربيع يشرب منها اصحاب الكروم وزوارها ، وينقلون منها الماء لسقاية حيواناتهم.
12ـ عين زديّة :
غار محفور في الصخر شمال عين الجوز مسافة خمسين متراً، خلف بلوطات الولي الشيخ حسين،كان صاحب هذه العين أولاد أسعد غانم (مشعل)، اشتراها منه ناصر الخطيب أبو سعد أيام الأتراك في البلاد.
اعداد ليلى خالد
من كتاب قريتي قالونيا
شارك بتعليقك