صفحات مضيئة في النضال الفلسطيني
بقلم: حمدي مطر ابن قالونيا
في أواخر عام 1952 زارني في منزلي الأستاذ محمد ربيع، وبعد الحديث بعدة مواضيع وقبل مغادرته قام بإعطائي نشرة الثأر وقال لي بعد قراءتها أعطها لأحد أصدقائك. واستمرت العلاقة بيننا إلى أن فاتحني في ربيع 1953 بالانتماء إلى تنظيم القوميون العرب الذي يرفع شعارات الوحدة والتحرر والثأر واسترداد فلسطين. وافقته وذهبنا معا إلى عيادة الدكتور جورج حبش وهناك اقسمت الانتماء للتنظيم أمام الدكتور جورج حبش ورجل آخر عرفت فيما بعد أن اسمه محمد طوقان، وبعد أداء القسم ونصه: "أقسم بالله وبشرفي أن أكون عضوا عاملا في حركة القوميين العرب أمينا على سرها محافظا على دستورها مدى حياتي". قام الدكتور جورج حبش بتعريفي على الدكتور وديع حداد وأبلغني بأن علاقتي التنظيمية ستكون معه. وأثناء فترة انتظامي كنت أتردد باستمرار على العيادة التي كانت بمثابة مقر لأعضاء التنظيم في الوقت الذي كان في الدكتور حبش والدكتور وديع حداد يقومان بعلاج المرضى وقتذاك وكون العيادة تقع في شارع الملك طلال ، كان الدكتور حبش يعالج الفقراء مجاناً وفي بعض الحالات كان يشتري الدواء اللازم للمرضى الفقراء. ونتيجة لذلك، ترتب عليه مصاريف إضافية مما دفعه الى العمل لمدة ساعتين على مدى ثلاث اسبوعياً في مستشفى الراهبات في جبل اللويبدة (لوزميلا) الآن،والتي كانت مخصصة لعلاج الأطفال وكان يتقاضى مقابل ذلك أجرة قدرها أربعون دينارا شهريا.
لقد عاش الدكتور جورج حبش حياته العملية في أجواء العمل الشعبي وتعايش مع العناصر الشعبية كثيرا، وكانت أول خطواته هي البدء بإعطاء دروس لمكافحة الأمية في المنتدى العربي الذي كان مقرا لقيادات حزب البعث والقوميين العرب وسجل إنجازات في هذا المجال. لقد انطلق جورج حبش ومعه التنظيم في الأردن يحملان فكرة التحدي والعمل في اتجاهين فكري وسياسي الأول يقوم على وجوب إحداث تغيير في الواقع العربي والسعي لتحقيق أهداف قومية مهما غلا الثمن والاتجاه الثاني هو تجسيد المفاهيم والمبادئ الأخلاقية والمسلكية كالإخلاص العقائدي والنزاهة والاستقامة في السلوك اليومي الحياتي التنظيمي.
وفي عام 1953، وفي عهد وزارة فوزي الملقي، نجح التنظيم بالحصول على ترخيص لجريدة أسبوعية اسمها الرأي كان صاحب امتيازها الدكتور احمد الطوالبة بينما الدكتور جورج حبش رئيس التحرير. لقد تميزت الرأي بجرأة لافتة في نقد الأوضاع السياسية عامة، فدعت للوحدة العربية وتشديد الحصار الاقتصادي والمقاطعة والمقاومة ضد إسرائيل وركزت داخليا على تحرير الجيش من الضباط الإنجليز وإلغاء المعاهدة.. وبمناسبة عيد الجيش العربي عام 1954 كتب الدكتور حبش عنوانا عريضا في هذه الجريدة قال فيه ان عيد الجيش هو يوم تحرره من الضباط الإنجليز كما احتوى هذا العدد على تحريض ضد دولة الاحتلال (إسرائيل) إثر ارتكابها عدد من المجازر كان أبرزها مجزرة قبية وبعد توزيع الجريدة تم استدعاء الدكتور جورج حبش لمقابلة بشير خير محافظ العاصمة وتحدث إليه المحافظ قائلا بان موازنة الدولة كلها مرهونة بوجود الضباط الإنجليز في الجيش وأنه لا يمكن التخلي عنهم. فرد عليه الدكتور حبش إن حل الوضع المالي يكمن في الوحدة بين الأردن والعراق وسوريا ويمكن اعتباره لواءا مجدبا وتغطية نفقاته. وبعد نقاش طويل قال المحافظ للدكتور هذه هي قناعتنا وإذا مش عاجبك ارحل وقد وترت هذه الجملة الجو مما دفع المحافظ بالضغط على الجرس واستدعاء الحارس وكان رجل شرطة وأمره بتوقيف الدكتور حبش في سجن المحطة وكذلك توقيف الرأي عن الصدور وعند أول يوم جمعة حيث كانت الزيارة فيه مسموحة للمعتقلين قمت مع أخي المرحوم أحمد مطر وابن عمي سعيد جمعة بزيارة الدكتور حبش في سجن المحطة وجدناه وحيدا في أحد غرف الإدخال كما كانوا يسمونها وبعد خروجه من السجن عاد إلى ممارسة نشاطه في العيادة هذا وقد أغلقت هذه الجريدة نهائيا في آب 1954.
كما تم تأسيس نادي للحركة باسم النادي القومي ضم مجموعة من الأعضاء هم محمد ربيع من لفتا وأحمد العسعس من لفتا ومحمود الأخرس من المالحة وعيسى رشيد عثمان من بيت صفافا والحاج حسن الخطيب من بيت اكسا وحمدي مطر من قالونيا وكان الهدف الأول من تأسيس النادي هو نشر الفكر القومي على أوسع نطاق بين صفوف أبناء شعبنا ولقد لعب النادي دورا كبيرا في استقطاب أعضاء للتنظيم وقد نجح النادي بتأسيس أول فرقة جوالة في الأردن وفريق كرة قدم.
بعد خروج الدكتور حبش من السجن قام بكتابة مذكرة يطالب فيها بتحرير الجيش من الضباط الإنجليز ووقع عليها معه الدكتور وديع حداد وكلفني بجمع تواقيع عدد من الرموز الوطنية وهم على التوالي الدكتور عبد الرحمن شقير والصيدلي أمين شقير، والصيدلي فهد فراج والصيدلي نزار جردانة والدكتور أحمد أبو قورة والدكتور منيف الرزاز والأستاذ المحامي سليمان الحديدي وسليمان النابلسي وبعد توقيع هؤلاء بدأت بجمع تواقيع عدد من المواطنين تجاوز مائتي توقيع ثم جري تقديمها للحكومة.
ونظم الدكتور حبش مظاهرة قادها عدد من أعضاء الحركة حيث انطلقت من شارع السلط بالقرب من طلوع جبل الحسين متجهة نحو الجامع الحسيني وكان ذلك يوم 14 تموز 1954 (يوم الحرية في فرنسا) وقد شملت الهتافات إلى جانب شعارات الحركة وحدة تحرر ثأر استرداد فلسطين المطالبة بتحرير الجيش من الضباط الإنجليز وخروج فرنسا من الجزائر .
وعلاوة على ذلك كان للدكتور حبش وأعضاء التنظيم دور فاعل في المظاهرات التي قامت إثر تزوير الانتخابات في 16/10/1954 وبعد إغلاق جريدة الرأي أصدرت الحركة نشرة شهرية اسمها الشعب أقوى وفي عام 1955 دفعت الحركة بكامل طاقتها إلى جانب القوى الوطنية بالتصدي لحلف بغداد وإفشاله وإسقاط حكومة هزاع المجالي التي لم تستمر في الحكم أسبوعا واحدا.
وفي الأول من شهر آذار 1956 تم تحرير الجيش من الضباط الأنجليز بطرد غلوب ومعه 100 ضابط انجليزي.
وفي صيف عام 1956 قامت الحركة بحشد حمولة ثلاثة باصات من أعضاء التنظيم كان احدها قادما من سوريا وتوجهنا نحو الحدود الأردنية السورية ونظمنا مظاهرة هناك نهتف للوحدة والتحرر والثأر وأثناء المظاهرة، تعرض لنا بعض الأشخاص برشقنا بالحجارة علمنا فيما بعد أنهم من شباب الأخوان المسلمين من سوريا وحول أحدهم الاعتداء على الدكتور جورج حبش بطعنه في كتفه بسكين وفي هذه الأثناء رددنا بالحجارة على هؤلاء الأشخاص بالممثل إلا أن الدكتور حبش منعنا وهو يقول فوتوا الفرصة على هؤلاء. بعدها قمنا بخلع القارمة المكتوب عليها الحدود الأردنية وحملناها ووضعناها على الباص وتوجهنا إلى درعا وهناك وفي ميدان كبير في المدنية ألقى الدكتور حبش خطابا تحدث فيه أولا عن حتمية زوال الحدود التي وضعتها اتفاقية سايكس بيكو كما تحدث في خطابه عن العوامل العديدة التي تجمعنا من لغة وتاريخ وجغرافيا وآمال وآلام مؤكدا على أن الوحدة العربية هي طريقنا لتحرير فلسطين. وفي سياق خطابه قال لم يستطع الاستعمار الوصول إلينا هنا ومنعنا فأرسل بعض أعوانه ليقوموا بالمهمة عنه.
وبعد أن قضينا يوما كاملا في سوريا عدنا إلى عمان.
في عام 1956 انتقل الدكتور وديع حداد للعمل كطبيب في وكالة الغوث في مخيم الكرامة بقرار من قيادة الحركة، وأذكر أنه كان يرسل مبلغ ثمانين دينارا شهريا للدكتور حبش ويبقي له عشرة دنانير مصروف شهري.
وفي منتصف عام 1956 دعا الحكيم عدد من كوادر حركة القوميين العرب إلى دورة فكرية تنظيمية، سياسية حضرها كل من الدكتور صبحي غوشة والدكتور أمين الخطيب والدكتور محمد خير عوض، ومظهر النابلسي ويوسف العودات، ومحمد خبازه، وحمدي مطر، استمرت ثلاثة أيام وقد أشرف الدكتور بنفسه على هذه الدورة وقد تضمنت شرحا كاملا لمبادئ الحركة وشعاراتها والأسس التنظيمية التي تقوم عليها كما تطرق للوضع السياسي في تلك المرحة.
كما وشاركت الحركة في سنة 1956 في الانتخابات النيابية التي جرت في الأردن بترشيح الدكتور جورج حبش والدكتور الصيدلي نزار جردانة بعد فشل محاولة ترشيح قائمة مع حزب البعث اقترحت الحركة أن تشترك في قائمة واحدة بحيث يكون الأستاذ سليمان الحديدي مرشحا عن حزب البعث والدكتور جورج حبش عن حركة القوميين العرب وقد خاضت تلك الانتخابات أربعة قوائم. قائمة تمثل الحزب الوطني الاشتراكي وقائمة حزب البعث وتتألف من الأستاذ سليمان الحديدي وإبراهيم العايد توفي الشهر الماضي وقائمة القوميون العرب تتألف من الدكتور جورج حبش ونزار جردانة والقائمة الحكومية متحالفة مع الإخوان المسلمين وكانت تضم في عضويتها الدكتور مصطفى خليفة، وسليم البخيت، وصفي ميرزا والمراقب العام للإخوان المسلمين محمد خليفة، وعبد الباقي جمو حصلت القوائم الوطنية الثلاثة مجتمعة على أكثر من عشرة آلاف صوت في حين لم تحصل القائمة التي نجحت سوى على أربعة آلاف ومئتي صوت. كان ذلك إبان العدوان الثلاثي على مصر.
وبعد الانتخابات النيابية وفوز الحزب الوطني الاشتراكي باثنا عشر مقعد شكل السيد سليمان النابلسي الوزارة من ائتلاف حزبي ضم الحزب الوطني الاشتراكي وحزب البعث الاشتراكي والجبهة الوطنية.
وفي يوم 25/12/1956 عقد المؤتمر التأسيسي للشباب القومي العربي في عمان واستمر ثلاثة أيام وقد شارك في هذا المؤتمر الدكتور جورج حبش، وديع حداد، صالح شبل، د. أحمد الخطيب، هاني الهندي، حامد الجبوري، ثابت المهايني، عدنان فرج، حكم دروزة، مصطفى بيضون، ومحسن ابراهيم، وقد أقر المؤتمر تسمية حركة القوميين واختيار الدكتور حبش أمينا عاما.
وأثناء العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر، وعمت المظاهرات مختلف المدن الأردنية وألقى الدكتور جورج حبش خطابا في المتظاهرين المتواجدين في ساحة المسجد الحسيني من على شرفة عيادة الدكتور فرعون الكائنة بجانب مقهى الجامعة داعيا الجماهير للتدرب على السلاح والتصدي بكل الوسائل للعدوان. كما دعيت جميع القوى الوطنية إلى مهرجان خطابي عقد في قاعة سينما البترا في عمان وكان أول الخطباء معالي المرحوم سليمان النابلسي، تلاه الأستاذ سليمان الحديدي فالدكتور جورج حبش، الذي قال: سنقاتل الاستعمار حتى يزول الاستعمار سنقاتله بالسلاح، بالفؤوس، بالحجارة وبكل آلة حادة قاتلة.
وبعد فشل العدوان الثلاثي على مصر وسقوط الإمبراطورية البريطانية والفرنسية ونجاح عبد الناصر بتأميم القناة وإلغاء المعاهدة الأردنية البريطانية في آذار 1957 وظهور ما سمي مبدأ أيزنهاور (الفراغ في الشرق الوسط) دعا الدكتور جورج حبش إلى اجتماع كبير حضره المئات من أعضاء الحركة على شاطئ البحر الميت وألقى الدكتور حبش خطابا شرح فيه مخاطر مشروع إيزنهاور والمشاريع الاستعمارية كلها وبعدها قام المشاركون بمظاهرة تعبوية رددنا خلالها شعارات الحركة في الوحدة والتحرير والثأر واسترداد فلسطين. وبعد أحداث مدينة الزرقاء واعتقال جميع الضباط الأحرار تم عقد اجتماع للقوى الوطنية في نابلس وقد صدر عنه عدة قرارات هي:
1- رفض المؤتمر لمشروع أيزنهاور الاستعماري ومقاومته والتمسك بالعلاقات القومية التحررية مع مصر وسوريا.
2- رفض الصلح مع دولة العدو الصهيوني والنضال من أجل تحرير فلسطين
3- الاحتجاج على اعتقال الضباط الأحرار والمطالبة بالإفراج عنهم ومحاكمة المتآمرين الذين قاموا بالتمرد في الزرقاء ومعاقبتهم.
4- استقالة حكومة حسين الخالدي والمطالبة بتشكيل وزارة وطنية على غرار وزارة سليمان النابلسي.
5- القيام بمظاهرات في يوم 24 نيسان في جميع البلاد.
كما قرر المؤتمر تشكيل وفد يضم كل من الدكتور جورح حبش عن حركة القوميين ، والمناضل بهجت أبو غربية عن حزب البعث، وأنور الخطيب عن الحزب الوطني الاشتراكي والدكتور داوود الحسيني لمقابلة الدكتور حسين فخري الخالدي رئيس الوزراء لمطالبته بالاستقالة أو الإفراج عن الضباط الأحرار.
وبعد إتمام المقابلة توجهت برفقة الدكتور حبش إلى نابلس لوضع أعضاء المؤتمر بنتائج اللقاء مع رئيس الوزراء ولكننا فوجئنا بحاجز أمني في مدينة صويلح كان يقوم بتفتيش السيارات والاطلاع على هويات المواطنين ولدى تعرفهم بالدكتور جورج حبش تم إنزالنا من السيارة ووضعنا في مخفر صويلح لعدة ساعات وعند المساء سمح لنا بالعودة إلى عمان.
وفي صباح يوم 24 نيسان 1957 تم تشكيل حكومة ابراهيم هاشم وأذيع إعلان الأحكام العرفية وفرض نظام منع التجول وبدأ الجيش بالانتشار في الشوارع وقد تم اختفاء الدكتور جورج حبش لفترة طويلة في عمان وبهذه المناسبة فإنني أؤكد بأنه لم يعتقل أي عضو من حركة القوميين العرب في الأيام الأولى نتيجة لسرية التنظيم وصلابته.
بعد إعلان الأحكام العرفية استمر الدكتور حبش المتواري عن الانظار بقيادة الحركة وبعث رسالة إلى الدكتور وديع حداد الموجود في مخيم الكرامة يذكره فيها بالهتافات التي كنا نطلقها للتصدي لمشروع أيزنهاور ويدعوه للاتصال بالدكتور صبحي غوشه والدكتور أمين الخطيب والطلب منهم القيام بمظاهرات تطالب برفع الأحكام العرفية وقد نجح الدكتور وديع بالاتصال بالدكتور صبحي غوشه والدكتور أمين الخطيب وقامت مظاهرات صاخبة شارك فيها سكان مخيم عقبة جبر وعين السلطان والنويعمة ومدينة أريحا وعلاوة على مظاهرات كبيرة اندلعت في مخيم الكرامة وتم على أثرها اعتقال كل من الدكتور وديع حداد والدكتور صبحي غوشه والدكتور أمين الخطيب والصيدلي نزار جردانه ومحمود الفجاوي وحسين طباخة وعطا شنك وحمدي مطر واودعوا في سجن السلط ثم نقلوا إلى سجن المحطة لتقديمهم للمحاكمة.
على أثر هذه الاعتقالات، قام الدكتور حبش باستدعاء عدد من كوادر الحركة من دمشق وبيروت فحضر إلى عمان كل من عدنان فرج، وثابت المهاينه وعمر فاضل وباشروا نشاطهم النضالي وفي شهر آب 1957 تعرضت الحركة لضربة ثانية اعتقل على أثرها ثلاثون من أعضائها وقد تم تقديم عدد منهم للمحاكمة وفي المحكمة أعلن عدنان فرج الذي كان ضمن المعتقلين عن مسؤوليته عن تنظيم الحركة في عمان. وفي مرافعته مخاطباً رئيس المحكمة العرفية قال استشهادا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يكن أحدكم إمعة إذا قال لا، قالها بملء فيه وقد حكمت عليه المحكمة العرفية بالسجن سبعة سنوات ونصف كما حكمت على مصطفى الزبري بخمسة سنوات وعلى سعيد جمعة وعطا شنك بالسجن لمدة سنة واحدة على كل منهما وعلى حمدي مطر ويحيى أبو سعد بالإقامة الجبرية لمدة سنة ورغم هذه الضربات التي وجهت لتنظيم الحركة ظل الدكتور جورج حبش مختفيا يقود الحركة وفي بداية عام 1958 تم اعتقال العضو زكي علامات وبحوزته عدد من المنشورات كان ينقلها من عمان إلى مادبا ولما كان زكي علامات عضوا في خلية مع نايف حواتمه ويقودها الدكتور محمد خير عوض طلب نايف حواتمه ترك الساحة والسفر إلى دمشق تحسبا من اعتراف زميله زكي علامات عليه غادر فعلا إلى سوريا في بداية عام 1958.
واثر نزول القوات البريطانية في الأردن في 17/7/1958 بعد ثورة العراق بثلاثة أيام قامت الحركة بوضع عدد من المتفجرات الصوتية بالقرب من المؤسسات البريطانية والأمريكية كان الهدف منها الإزعاج وكان أبرزها التفجير الذي حدث في أكبر مؤسسة أمريكية وهو مجلس الإعمار في جبل اللويبده الذي كان يرأسه في تلك الفترة أنسطاس حنانيا وتم اعتقال مجموعة من أعضاء الحركة والحكم عليهم من قبل المحكمة العرفية بالإعدام وهم أحمد محمود إبراهيم وستيفو استيفان بينما حكم على باسيلا حماتي بالسجن خمسة عشر عاما وعلى ناديا السلطي وحامد سمور بالسجن لمدة عشرة سنوات.
وبعد اشتداد ضغط سلطات الأمن وتصاعد ملاحقاتها للمناضلين وصل إلى الأردن الأمين العام للأمم المتحدة همرشيلد ونزل في فندق فيلادلفيا القريب من المدرج الروماني وقد كتب الدكتور جورج حبش مذكرة لهمرشلد يشرح فيها الممارسات العنيفة التي تقوم بها الأجهزة الأمنية ويدعوه فيها التدخل لرفع الأحكام العرفية وقد كلفت بنقل الرسالة وذهبت إلى ساحة الجامع حيث مكتب تكسي الأردن وقمت باستئجار سيارة كي توصلني إلى فندق فيلادلفيا ولدى وصول الفندق طلبت من السائق أن ينتظرني، دخلت إلى الفندق وقمت بتسليم الرسالة.
كما وقد نجح الدكتور جورج حبش وهو متخفي في الاتصال بالمناضل بهجت أبو غربية أحد قياديي حزب البعث والذي حضر إلى مكان اختفاء الحكيم وأمضى معه أربعة وعشرون ساعة.
وفي عام 1962 في فترة الانفصال ذهبت في مهمة إلى دمشق قابلت الدكتور حبش هناك وبت ليلتين في منزل أم ميشيل حيث كان يسكن هناك عدد من أعضاء الحركة وكنا ننتظر وصول رسالة من الدكتور جورج حبش لنقلها إلى الدكتور وديع حداد في بيروت وفي مساء اليوم الذي كان من المقرر حضور الدكتور جورج حبش لتسليمي الرسالة انتقلت لأنام في بيت آخر وعند الصباح ذهبت إلى منزل أم ميشيل لاستلم الرسالة ولكنني فوجئت بصراخ أم ميشيل تقول أخذوه أخذوه فاستوضحت عما حدث فعلمت أن عناصر أمن حضرت إلى المنزل ومكثت فيه إلى أن عاد سكان المنزل بعد توزيع بيان للحركة ضد الانفصاليين وقامت باحتجازهم في داخله ولدى قدوم الدكتور جورج حبش إلى المنزل تم اعتقاله معهم ونقلوا جميعا الى سجن المزة.
وفي عام 1963، تعرضت الحركة لضربة رابعة حيث قامت السلطات الأمنية باعتقال عدد من الأعضاء من تنظيم عمان وإربد، وضبط أربعة رشاشات كارلو كانت الحركة تستفيد منها بتدريب الأعضاء على السلاح إثر تشكيل تنظيم شباب الثأر. ووضعتهم في سجن الزرقاء العسكري للتحقيق معهم وكان من بينهم الشيخ إبراهيم القطان الذي لم يمكث سوى ليلة واحدة في الزنزانة والقاضي ماجد غنما الذي تعرض إلى أسوأ أنواع التعذيب النفسي حيث كان يتم نقله كل ساعتين من زنزانة إلى زنزانة وتم تقديمنا للمحاكمة أمام المحكمة العرفية في العبدلي كان المتهم الأول في القضية الدكتور جورج حبش، حيث حضرنا عدة جلسات وكان قد تطوع للدفاع عنا عدد من المحامين أبرزهم أحمد الخليل وآخر اسمه الأخير عطيه ولم نكمل المحاكمة بسبب الإفراج عنا على عتبة انعقاد القمة العربية الأولى 1964.
وفي عام 1965، وعلى أثر خلاف وقع في قيادة الحركة نتيجة لطرح عدد من الأعضاء مشروع لحلها والذوبان في التيار الناصري تقرر تنظيم استفتاء تشارك في جميع الأقاليم ولهذه الغاية تم عقد مؤتمر في مزرعة القمحاوي في الجفتلك وقد حضره أحمد خليفه ممثلا عن المركز وبعد مناقشة ما هو مطروح قرر المؤتمر على بقاء اسم الحركة وعدم الذوبان في التيار الناصري كما جرت انتخابات لقيادة إقليم الأردن وهي الأولى هنا لأن القيادة كانت سابقا تعين مركزيا وقد نجح كل من محمد ربيع وصبحي غوشه وأحمد العسعس وغسان قمحاوي وخليل حمدي عوني الشيخ إبراهيم وحمدي مطر قيادة لإقليم الأردن واختارت القيادة محمد ربيع مسؤولا أول لقيادة الإقليم بدل الدكتور صبحي غوشه وقد تسبب ذلك ببعض المشاكل التي أثارتها منطقة القدس احتجاجا على تغيير الدكتور صبحي غوشه مما أدى في النهاية إلى تجميد منطقة القدس وبعد عام من انتخاب القيادة الجديدة في شهر نيسان سنة 1966 تعرضت الحركة لضربة خامسة كما شملت الضربة كل الأحزاب الوطنية وقد نتج عن هذه الضربة انهيار عدد من قيادات الحركة والأحزاب الوطنية كلها.
وبعد الخروج من السجن بفترة قصيرة، استلمت رسالة من الدكتور جورج حبش الموجود في بيروت يدعوني فيها الاتصال بعدد من أعضاء التنظيم للعودة لممارسة عمل التنظيم لم تطل هذه الفترة شهورا قليلة حتى الزلزال الكبير الذي هز المنطقة والعالم باحتلال إسرائيل كامل التراب الفلسطيني والجولان و سيناء.
نشرت في جريدة المجد بتاريخ23/3/2008
شارك بتعليقك