على سفح من سفوح الجليل الحزين، وفي بقعة ذات جمال أخّاذ، وعلى مقربة من مرج ابن عامر نبتت قرية تضرب بجذورها إلى ما قبل احتلال الرومان وما قبل قبل الرومان. إنّها معلول، تلك القرية الوادعة الحالمة، تلفّها البساتين والحقول، تستنشق عبير البيادر، وتستحم بأشعة الشمس القادمة من وراء الجبل، وتغفو على زقزقة عصافيرها وثغاء أغنامها،و تصحوعلى نسماتها التي تعبث بأشجار الزيتون العنيد أمام تقلّبات الزمن.
في تلك الضيعة حبا طفل ، ودرج على أرضها، ونام تحت رمّانها وأشجار لوزها يحلم بالربيع، وبالآتي. كان أبوه وحيد أبويه، ولذا كان قدومه قد بعث جوّاً من الأمل، وغيّر حياة الأسرة فجعلها تعطي كلّ اهتمامها ورعايتها لهذا الوليد الضيف، فقد مضى زمن قبل أن تشهد هذه الأسرة وليداً. فالجميع يحرص على أن يفعل كلّ مايستطيع ليوفّر له كلّ ما يخطر على باله ويكون مناسباً له. فعمته تشتري له كرة حمراء، وجدّته تحمله على ظهرها وبين يديها، وجدّه أخذ يصطحبه إلى مجالسه التي يزور فيها شيوخ القرية لاحتساء القهوة وتبادل الأحاديث والحوادث التي عايشوها وحكايات الماضي. وأمّه تسهر على راحته، وتشتري له أجمل الثياب كلّما ذهبت إلى حيفا أو الناصرة. وأبوه الذي كان يعمل في حيفا ولم يشارك والده وأهله العمل في الحقول كان يحضر له الحلوى والألبسة الجميلة.
ذهبت ذات يوم عمّته إلى حيفا فحملت له وهي عائدة إلى معلول كرة حمراء"طابة" ليلعب بها. وما أن ناولته الكرة حتى اصطحبته إلى حديقة منزلهم المحاط بسياج جميل من أشجار اللوز والرمان والتين، وهناك أخذت تلاعبه بالطابة ترميها له فينطلق لالتقاطها، و أثناء تلك اللعبة التي سادها المرح والمتعة، تناول الطفل الكرة وقذف بها عبر بوابة الحديقة، و هو يرسل ضحكاته البريئة. انطلقت عمّته وراء الكرة لتلتقطها لتعيدها إليه، وجرى الصغير خلفها وبعد بحث مضنٍ لم يُعثر على الكرة، تغير وجه الصغير وبدا عليه الاضطراب والقلق، ثم صرخ صرخة الضياع، وصرخة الألم. حاولوا استرضاءه بشتى الوسائل دون جدوى، وهو يردّد ضاعت، ضاعت.
صحا المتحدّث من أحلامه الماضية التي كان يقصّها على أحد أحفاده في ديار الشتات ليسمع تمتمات الحفيد التي علت وتحولت إلى صراخ سأبحث عنها سأبحث عنها، ولن تضيع ولن تضيع، وسأجدها سأجدها، وسأعود إلى معلول وأشتري من حيفا طابة أخرى حمراء ليصبح عندي طابتين.
شارك بتعليقك