أبو الوليد (يوسف سامي اليوسف) المثقف والكاتب والناقد والمدرّس والمربي الفلسطيني المعروف، وعضو اتحاد الكتاب العرب، واتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين، رحل دون استئذان بعد أن أضنته التغريبة الفلسطينية الثالثة التي انتقل بها من مخيم اليرموك إلى مخيم نهر البارد شمال لبنان. فتغريبته الأولى كانت عام 1948 من لوبية قضاء طبرية في فلسطين باتجاه مخيم (ويفل) للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة بعلبك. وتغريبته الثانية بدأت عام 1956 عندما اختار مسار العمل الوطني في إطار الكتيبة الفدائية الفلسطينية المعروفة (الكتيبة 68) منتقلاً إلى سوريا التي استقر فوق أرضها وفي مخيم اليرموك بالذات إلى حين تغريبته الأخيرة قبل أشهر خلت.
أبو الوليد (يوسف سامي اليوسف) انتقل في عمله الوطني ممارساً لمهنة التعليم كمدرّس لمادة اللغة الإنكليزية في مدارس وكالة الأونروا في مخيم اليرموك، وتحديداً لأكثر من ربع قرن مضى في إعدادية الكرمل الواقعة وسط المخيم، فتحرج من بين يديه الآلاف من أبناء اليرموك من الأجيال التي ولدت بعد سنوات قليلة من عمر النكبة في منافي اللجوء على أرض سوريا، أجيالاً تَذكُر المدرّس والمربي يوسف سامي اليوسف بكل تقدير واحترام، ولـ (خيزرانته) التي صَنَعَت وعلّمت الأجيال.
أبو الوليد، المدرس والمربي، والمثقف الحالم الذي لم يترك موسوعة في النقد أو الأدب العربي والأداب الأجنبية إلا والتهمها، بانياً لذاته حالة فلسطينية فريدة جمعت بين المثقف الوطني الملتزم، وصاحب رسالة في التربية والتعليم، وفي بناء مجتمع فلسطيني كاد أن يتحطم وأن يصبح أشلاء مبعثرة بعد عام النكبة.
إن آخـر ما كتب في سجله النقدي الثري مقالة عن (ألف ليلة وليلة). كتب الأستاذ يوسف هذا المقال بحصافته كاشفاً مجدداً عن رجاحة رؤياه النقدية وأصالتها ورصانتها ولمعانها النادر. كتبها بالعربية وترجمتها الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي إلى الإنجليزية ولعلها أصبحت مكتملة الآن. فآراؤه النقدية منعشة ومتفردة بأسلوبها وفهمها العميق للأدب واختلافها الشاسع عن كتابات الآخرين .
كان يوسف سامي اليوسف، صاحب الحضور المؤثر في جلسات كانت القيمة فيها تنبع من مضمون مايُطرح من قضايا ثقافية ووطنية، ومن رؤى سديدة كان أبو الوليد صاحبها الدائم، ففيها كان الجديد دوماً، ومنها كانت تندلع انقداحات وشرارات العقل والمعرفة وإعمال الدماغ.
هكذا، رحل اليوسف «مغترباً»، وهي الصفة التي كان يستحسنها في المبدعين والنقاد: أن يكونوا مغتربين عن أزمنتهم ومجتمعاتهم.
رحم الله أبو الوليد، وأسكنه فسيح جناته، فكنزه الدنيوي كبير وثمين عند أصدقائه وأحبابه وجميع طلابه مع كل الأثر الطيب، وكل السيرة العطرة لرجل فلسطيني عصامي، ظل حتى اللحظات الأخيرة من حياته فلسطينياً حتى نخاع العظم.
شارك بتعليقك