وظيفة عرب وادي الحوارث بحث مقدم من هديل عبد الحي عنبوسي الطالبة في جامعة بن غوريون في النّقب ،كليّة العلوم الإنسانية والاجتماعية ،قسم دراسات الشّرق الأوسط ، مساق " المجتمع الفلسطيني بعين الصحف الفلسطينية والعربية" لدى المحاضر: د. يونتان مندل
سؤال البحث: آراء مختلفة في قضيّة وادي الحوارث
الفهرست
مَدخل ...............................................................................3
انفجار بيروت ووادي الحوارث يلتقيان في ملف واحد ......................4
للصحف الفلسطينية كلمة ............................................................6
الخُلاصة .................................................................................8
قائمة المصادر...............................................................................9
مَدخل
وادي الحوارث.. أندلس القرن العشرين:
وادي الحوارث (عيمق حيفر اليوم) منبسط فسيح، سهل مترامي الأطراف، يؤلف قسمًا كبيرًا من السّاحل الغربي في سورية الجنوبيّة في قضاء طولكرم سابقُا. جيّد التّربة والهواء، مساحته لا تقل عن خمسين ألف دونم، وليس في فلسطين من السهول الكبيرة التي يتنافس فيها غير مرج ابن عامر (عيمق يزرعل اليوم) بين الناصرة وجنين والكرمل وبيسان. وسهل وادي الحوارث هذا، وهو القطعة الزراعيّة المهمّة في فلسطين. ليس وادي الحوارث واديًا بين جبلين كما يتبادر إلى الذّهن من كلمة وادٍ، بل هو السهل الساحلي الذي يقل نظيره ليس في فلسطين فحسب، إنّما في خير الأرضين والبقاع في العالم.
ينقسم وادي الحوارث إلى قسمين: شرقي وغربي.
وادي الحوارث الغربي- ينقسم إلى ثلاثة أقسام: وادي التيان – تابع لآل تيان، مساحته 30000 دونم ،أرض السمارة –تابع لآل سمارة، مساحته 6000 دونم ، رمال.
وادي الحوارث الشرقي- ينقسم إلى قسمين: وادي القبّاني – تابع لآل قبّاني وأولاد صادق باشا، مساحته 12000 دونم، استثمار للحكومة، مساحته 2000 دونم.
أمّا عرب وادي الحوارث، وقد سُمّي هذا السهل باسمهم، فهم قبائل ينتمون بمعظمهم إلى بني حارثة، وبنو حارثة فحذ من قبيلة طيء. نزل الحوارث هذا المكان منذ قرون، ولكن بعد الحروب الصلاحيّة (أي حروب صلاح الدين الأيوبيّ)، عهد الملك الظاهر بيبرس. وكانت منطقة أقطاعهم واسعة الأرجاء تمتد من نهر العوجا حنوبي يافا، إلى ساحل حيفا شمالًا ويدخل في ذلك يلاد حارثة في جنين ومرج ابن عامر أيضًا.
وأصل عرب الحوارث من نجد، جاؤوا من سوريا ونزلوا حماة، ومن حماة نزحوا إلى فلسطين، وكان على رأسهم الأمير يعقوب، ويقال أنّ " جسر بنات يعقوب" قُرب منطقة الحولة، إنمّا سمي هكذا لحادثة وقعت هناك والأمير يجتاز النّهر بجماعته وأهل بيته وهو قادم فلسطين، وخلاصة تلك الحادثة أن الأمير لأمر أراده، وهو عدم تزويج بناته ممن كان يريد الاقتران بهنّ، اضطر إلى إغراقهن في النّهر، فسميّ المكان من ذلك الوقت بـ “جسر بنات يعقوب".
قضيّة وادي الحوارث:
بدأت هجرة عرب الحوارث من واديهم قبل النّكبة، سنة 1928 تحديدًا بحسب المقالات التي وجدناها في أرشيف جرايد. لذا، يمكن القول إن هجرة عرب الحوارث هي النّكبة الأولى الفعليّة. وفقًا للمصادر، طُرد فلاحي الحوارث من أراضيهم بلا مأوى وبلا معيشة على يد مسؤولين بريطانيين ويهود، رغم مقاومتهم ومحاولاتهم البقاء والصّمود في أراضيهم قدر المستطاع، بيد أنّ بساطتهم وقلّة الإمكانيّات جعلتهم مُشرّدين بلا ملاذ.
تعالت أصوات تدّعي أنه تم بيع الأراضي الفلسطينيّة عامّة ووادي الحوارث خاصّة من قِبَل الفلسطينيين أنفسهم، نجد ادعاءات أُخرى تًناقض هذا الادعاء وتوجّه أصابع الاتّهام ضد الحركات الصهيونيّة لاستعمالها أساليب وطًرق غير مباشرة لخلاص الأراضي. بودّنا في هذا البحث المتواضع بحث وتمحيص الحقائق المطلقة بما يخص وادي الحوارث، راجيين أن نهتدي السّبيل.
انفجار بيروت ووادي الحوارث يلتقيان في ملف واحد
ما يُميّز حكاية وادي الحوارث أنّها من أولى النّكبات، أي حدثت قديمًا نسبّياً، فكيف لها أن ترتبط مع حدثٍ معاصر كانفجار بيروت والذي وقع قبل أقلّ من سنة؟!
السّر عند الليدي إيفون سرقس..
الليدي سرقس لبنانيّة مسيحيّة من عائلة أرستقراطيّة معروفة وفاحشة الثّراء والأملاك. والدها ألفرد موسى سرسق ابن عائلة مالكة الأراضي الكُبرى في الشّرق الأوسط، وأمّها الدونا ماريا دي كاسنو وهي من عائلة إيطاليّة من سلالة عائلة الفيفيور.
ورثت الليدي عن عائلتها مئات آلاف الدونمات لأراضي في منطقة مرج ابن عامر(عيمق يزرعل)، الجليل الغربي، وادي الحوارث( عميق حيفر)، حيفا ويافا.
مساحة الأرض التي يقع عليها معبد البهائيين (معبد الباب) كان ملك عائلة الليدي، إضافةً إلى شوارع رئيسيّة في يافا، مثل شارع إيلات فقد كان ملك للعائلة فيه مئات الدونمات.
اشترت عائلة سرقس هذه الأملاك من الإمبراطورية العثمانية سنة 1870، حيث ملكت 800 ألف دونم في فلسطين، 200 ألف منها في مرج ابن عامر.
غدت الليدي ضحيّة الانفجار في بيروت، فقصرها العائلي المُنيف، والذي قطنت فيه في آخر سنوات حياتها، يقع في حيّ الأشرفيّة، وهو الحي المسيحي في بيروت، قد أصيب بأضرار جسيمة لحقت بقصر الليدي أيضًا. عانت الليدي في المستشفى 27 يوم بعد إصابتها في الانفجار وفي تاريخ 31.8.2020 سلّمت روحها لبارئها عن عمر يُناهز 98 عام.
شرعت الحركات الصهيونيّة (مثل الصندوق القومي اليهودي، المنظّمة الصهيونية، وأفراد مثل وشاع حانكين، ارثور روبين) عام 1891 بإجراء مفاوضات مع عائلة سرقس بما يخص قطع الأرض في فلسطين، في سنة 1925 باعت عائلة سرقس لهذه الحركات مساحات في البلدة القديمة في حيفا، 10 آلاف دونم بمنطقة بيسان، 30 الف دونم بوادي الحوارث، ومناطق بمرج ابن عامر مثل تل العدس وخبّيزة. باعوا قطعة تلو قطعة ومنطقة بأكملها تلو الأخرى.
شهدت "شوهم فاينبرج "، إحدى قريبات يوشاع حانكين إحدى صفقات البيع، إذ رافقت حانكين إلى بيروت وشهدت على صفقة مع والد الليدي، وأردفت قائلة: "رافقتُ في عمي يوشاع حانكين رحمه الله في زيارة لوالد الليدي سرقس، السيد ألفرد سرقس، وشهدتُ على دوره الكبير والمهم في بيع الأراضي للمستعمرة اليهودية. فعل ذلك بالرغم من المعارضة الشديدة من قبل عوامل متطرفّة من العالم العربي، وبالرغم من تهديد حياته. شخصيًّا، ليس لديّ أدنى شكّ أنه لولا المساعدة العظيمة التي قدّمتها عائلة سرقس ليوشاع حانكين لما تمّ خلاص الوادي وقتها".
عام 1948، كانت الليدي سرسق ما زالت تملك أراضي في مناطق يافا وحيفا. لكن وبموجب قانون أملاك الغائبين الذي سنّته الحكومة الإسرائيلية سنة 1950، اعتُبرت الليدي على أنّها غائبة وفقًا لأحد بنود القانون (يقتضي بكون المالك من مواطنين دول العدوّ – الدول العربيّة)، وبهذا أصبحت الأراضي التابعة لليدي تحت سيطرة الحكومة الإسرائيلية.
بعد محاولات كثيرة ومستمرّة من قِبَل الليدي لاستعادة أملاكها في فلسطين، واستعانتها بمحامين بريطانيين يهود، وبأشخاص ذو شأن عالٍ مثل حاييم هرتسوج (هو أكثر الأشخاص الذين بذلوا مجهود لمساعدتها)، وبعد تقديم استئناف في محكمة العدل العليا التابعة لدولة إسرائيل، تمّ التوصّل لقرار بمنح الليدي تعويض نقدي، وبحسب المصادر، إنّ مبلغ التّعويض كان قليل. إرجاع الأراضي أو التعويض بقطع أراضي أُخرى هي حلول لم تكن واردة أبدًا لدى الفكر الصهيوني.
يمكن استنباط بعض الحقائق من حكاية الليدي سرقس. حقيقة أنّ هناك مالكين أراضي عرب غير فلسطينيين تكاد أن تكون مهمّشة، عندما بحثت وتعمّقت في الموضوع وجدت أن عائلة سرقس ليست الوحيدة في هذا المجال! فقد كتب هيليل كوهين: "استمر شراء الأراضي بعد الحرب العالمية الأولى، وأخد يتصاعد لدى رسم الحدود بين الانتدابين: البريطاني والفرنسي في فلسطين وفي سورية ولبنان. وأخذ كبار الملاك المقيمون في لبنان ببيع ملكيات كبيرة (مثال فرع من عائلة سرسق)، كما المقيمون في دمشق (مثال عائلة الأمير الجزائري عبد القادر)."
عندما نبحث عن سبب بيع هذه العائلات وتفريطها وعدم مبالاتها بالأراضي الفلسطينيّة، نجد أنّها عائلات لا تهتمّ إلا بمصالحها الشّخصية، بوضعها المادي وبكيفيّة التوسّع بإمبراطوريّتها الذاتيّة. بحسب مقال جلوبس، الليدي سرقس كانت وطنيّة جدًا وولائها للبنان كان معروفًا. في ذات الوقت، منظمّة التحرير الفلسطينية وجماعة السوريون كانت لديهم نوايا في الاستيلاء على لبنان، فمن الممكن أن يكون هذا هو سبب عداء الليدي للفلسطينيين، مع أنّه سبب غير كافِ البتّة لشرعنة فعلها.
مساحة وادي الحوارث هي 50 ألف دونم، كان تحت سيطرة عائلة سرقس 30 ألف دونم على الأقل، أي غالبيّة المساحة! تم بيع ال- 30 ألف دونم للحركات الصهيونية. تبقّى بحيازة الفلسطينيين 20 ألف دونم ولا نعلم كيف تمّ التصرف بها، الاحتمال الأكبر هو أن يكون السماسرة الفلسطينيين والذين يعاونون الحركات الصهيونيّة قد باعوا ما تبقى لهم وسهلّوا الطريق لهذه الحركات. أي أنّ فلاحي عرب الحوارث والسكان الأصليون للوادي لم يكن لهم أي سلطة في بيع الأراضي وتسليمها لليهود. فقد اعترف حافظ حمد الله من غرب نابلس بشهادته وأسهب في شرح المنافع التي حصدها من بيع ألفي دونم من وادي الحوارث إلى يوشع حانكين. وأدلى ثلاثة آخرون أمام اللجنة ببيانات مشابهة.
حقيقة أخرى يجب تسليط الضوء عليها هي سن قانون أملاك الغائبين من قِبَل الحكومة الإسرائيليّة. سُنّ هذا القانون عام 1950، وبموجبه يُعرّف كل من هُجّر أو نزح خارج الحدود الفلسطينيّة حتى تاريخ تشرين الثاني من عام 1947 على أنه غائب ومفقود. بهذا التعريف فإنّ السلطة الإسرائيليّة مخوّلة في السيطرة على أملاك هؤلاء الغائبين.
الغائب هو من يحقّق بند من البنود التاليّة:
• من كان يحوز أملاكًا في فلسطين المحتلّة، وكان مواطنًا في البلاد العربيّة- بلاد العدوّ، أو يسكن في فلسطين غير المحتلّة. (حال الليدي سرقس).
• من كان مواطنًا في دولة إسرائيل وخرج حتى الأول من أيلول عام 1948 إلى أي مكان خارج إسرائيل.
• من كان مواطنًا في إسرائيل وخرج إلى مكان في فلسطين غير المحتلّة.
تبعًا للقانون، أيّ فلسطيني يعود إلى بيته بعد الحرب يكون قد فقد ملكيّته على بيته وعقاراته، أي أضحى خالِ اليدين، حتى لو كان قد نزح خلال الحرب إلى قرية بما يسمى اليوم بالضفة الغربيّة، والتي قد تكون تبعد بضع الكيلومترات فقط عن بيته، يكون قد خسر كلّ ما يملك. ووفقًا للقانون، حتّى لو كان المالك من العرب المخلصين للصهيونيين في الدول المجاورة، والذين دعموا المشروع الصهيوني بشتّى الأساليب، فلا أمان لهم ولا يمكن مساومتهم على قطع الأراضي. بهذا القانون تم الاستيلاء على أغلب القرى المهجّرة اليوم، فصاحبها غائب مفقود مُعدم. سن القانون كانت فكرة ذكيّة للسيطرة على عدد هائل من الدونمات بدون الاستعانة بالعائلات الأرستقراطية في لبنان أو بالسّماسرة الفلسطينيين مالكي الأراضي.
السّماسرة العرب الفلسطينيون:
لم تنحصر مساعدة المتعاونين في المستوى العملي فحسب، فحين استجاب البريطانيون لضغوط العرب واتخذوا خطوات بتقييد شراء الأراضي وانتقالها، سارع الصهاينة بتجنيد عرب للانضمام إليهم في معارضة ذلك التشريع. ومثل أمام هوب سبمسون لدى وصوله إلى فلسطين، في صيف عام 1930، بعض العرب الذين زعموا أن الهجرة اليهودية وبيع الأراضي إلى اليهود، سيعملان على مساعدة السكان العرب- جاءت مزاعمهم منسجمة تمامًا مع مؤسسات الصهيونيّة، كان فريد الخضرا (الجرار) أحد أولئك العرب، والذي قال أمام اللجنة:
"لديّ حوالي 5 آلاف دونم إني مدين بالمال، فإذا فُتحت أبواب الهجرة، يصبح لدي عندها أمل بأن جماعات المهاجرين ستأتي في ظرف عام أو عامين وتبتاع 4 آلاف دونم من أرضي، تنقذني بذلك من الدين، وتسمح لي بزراعة باقي الأرض، وبهذه الطريقة أتمكن من العيش سعيدًا أنا وأبنائي من بعدي".
يمكن الاستنتاج أنّه حتى مالكي الأراضي الفلسطينيين الكبار أمثال الخضرا وحمد الله كانوا في وضع اقتصادي صعب ولديهم ديون يتوجّب عليهم دفعها. من المرجّح أنّ وضع الفلسطينيين إزاء حال الرجل المريض الذي وُصفت به الدولة العثمانية قُبيل سقوطها أثّر على وضع رعاياها في الشّام. وقدوم الانتداب البريطاني لم يزد الوضع إلّا سوءًا، مما دفع الفلسطينيين إلى قبول فكرة المساعدات الصهيونية وبيعهم الأراضي.
للصحف الفلسطينيّة كلمة
كيفيّة تمحور ردة فعل الإعلام الفلسطيني، آراء عامّة الشعب وحالهم..
"ذهب اليوم مأمور الإجراء مع قوة من البوليس البريطاني والفلسطيني وستة من اليهود لإخلاء عرب وادي الحوارث البالغ عددهم ألفي نسمة من أراضيهم وتبلغ مساحتها 35 ألف دونم وتسليمها لليهود رغم القضايا العديدة التي أقاموها في تثبيت ملكيتهم لقسم كبير من هذه الأراضي. ولما كان رئيس المحكمة المركزية في نابلس إصدار أمرا بتأجيل المحاكمة عاد اليهود واستحصلوا على أمر بإخراجهم من أراضيهم بعد أن قدّموا كفالة ماليّة. إنّ عرب وادي الحوارث مصممون على عدم الخروج من أراضيهم التي عاشوا فيها منذ مئات السنين وليس لهم أي محل آخر يلجؤون إليه أو يعيشون منه ولذلك فالأفكار عندنا مضطربة لهذا الأمر. وقد علمنا أن مثل هذا الخبر قد أرسل للجمعية الإسلاميّة المسيحيّة لتقابل سعادة حاكم اللواء وتحتج لديه على هذا العمل! "
" جاء 200 يهودي اليوم (الجمعة) للمرة الثانية من مستعمرة الخضيرة إلى وادي الحوارث ليحرثوا الأرض فيه فتجمهر عليهم العرب وأخرجوهم بضرب العصي ووقف نحو 1000 عربي على الحدود ليمنعوا دخول اليهود إلى أراضيهم بعد الآن"
اليرموك – 14 أيلول 1928
الجامعة العربية
11.تشرين الثاني 1928
الخُلاصة
بعد الاستطلاع عن المراجع الأكاديميّة ومقارنتها مع أرشيفات الصحف الفلسطينيّة، أرى أنّ الصحف والجرائد كانت أدقّ شرحًا وتفسيرًا فيما يتعلّق بتصرّف الفلاحين. أورد كوهين: "رغم قيام كبار الملاك ببيع معظم هذه الأراضي، فإنّ صغار الفلاحين فاقوهم عددًا... وهذا يعني أن آلاف العرب من مختلف مسارب الحياة، أغنياء وفقراء، مسيحيون ومسلمون، أعضاء التيار السياسي السائد ومعارضون، سكان مدن بدو وقرويون. قد عملوا بعكس المعايير التي وضعتها حركتهم القوميّة"
بحسب الصحف، وإذا أخذنا وادي الحوارث أنموذجًا، نلاحظ أنّ الفلاحين تصدّوا للصهيونيين الذين اقتحموا المنطقة وعزموا على فلحها، قاوموهم بالعصي وحدثت بعض المعارك الصغيرة بين الطرفين. كما أنّ تشبّث الفلاحين وتمسكهم بأرضهم جليّ وواضح جدًا في مقالات الصحف، نراهم طلبوا المساعدة والرجاء من العرب المحليين ومن العرب خارج فلسطين بعد أن عجزوا ولم يبقَ في يدهم حيلة. وإن كانوا قد باعوا، فإنّ عددهم ليس كما المبالغ به فيما أورد كوهين، وإنّ أسباب بيعهم واضحة، بسبب الفقر وقلّة الموارد والعتاد، وبسبب ظروف المعيشة الصعبة بعد ما حدث في بلادهم، فمن سقوط الدولة العثمانية إلى الانتداب البريطاني ثم الهجرات الصهيونية إلى بلادهم واستثمارهم رويدًا رويدًا فيها، وكلّ مستعمرِ وطأ البلاد، طغى فيها، وسبب للفلسطينيين الهلاك والفساد، واستغلّها لمصالحه الشخصيّة، إلى أن بلغ الفلاحون مرحلة أنّ الشّاري لا تهمّهم هويّته، إنما أرادوا جني بعض المال ليسكتوا بطون أولادهم، وليس لأنّهم باعوا قضيّتهم ومبادئهم قبل أن يبيعوا أرضهم.
أمّا ضياع وادي الحوارث من أيدي عرب الحوارث، فيمكن تلخيصه بالأسباب التالية:
1.عائلات الطّبقة الأرستقراطية وملاك الأراضي الكبار في لبنان وغيرها من الدول العربية.
2. مساعي الحركات الصهيونيّة واستعمالها أساليب الإغراء المادي للسماسرة الفلسطينيين.
3. عدم اتخاذ السماسرة الفلسطينيين موقف قومي تجاه قضية خلاص الأراضي واهتمامهم بمصالهم الشخصية فقط.
4. تطبيق قانون أملاك الغائب من قِبَل الحكومة الإسرائيليّة.
عرب الحوارث كغيرهم من الفلسطينيين كانوا من "الغائبين الحاضرين" إن صحّ التعبير، فهم موجودون في أرضهم متواجدين جسدًا وروحًا، لكنّه تم التحكم بأراضيهم قسرًا، ومن ثم تهجيرهم وتشتيتهم، وِفق قانون القوي على الضّعيف. من الجدير بالذكّر أن هناك مصطلح تشبيه مُكرّر في الصحف الفلسطينيّة بما يتعلّق بقضيّة وادي الحوارث، في العديد من المقالات تم تشبيه فلسطين بالأندلس، فمنهم من ذكر " وغدت فلسطين أندلسًا أُخرى"، " أندلس القرن العشرين".. والمقصود أنّ البلاد كنز لا مثيل له، كالأندلس.. إسبانيا الإسلامية فيما سبق.. فقد شهدت ازدهارًا عجيبًا في أوجها وكانت منارةَ علمٍ وتقدّم لكل العالم إلى أن سقطت واندثرت حضارتها كاندثار الأراضي الفلسطينيّة الخصبة من أيدي الفلسطينيين.
قائمة المصادر
הליידי, הארמון והקשר הציוני: סיפור שנגמר בפיצוץ בביירות ומתגלגל עד לאדמות עמק יזרעל - גלובס
https://bit.ly/31sVDnp
هيليل كوهين، جيش الظل – المتعاونون الفلسطينيون مع الصهيونية 1917 – 1948، ترجمة، هالة العوري
https://bit.ly/39nOpWc
ويكبيديا
https://bit.ly/3wdnk1o
أرشيف جرايد
شارك بتعليقك