توفيق دعادلة*
الحلقة الرابعة
ضريح الصحابي ابي هريرة (2005)
؟ فالنتقدم يا مولاي, إن الطريق طويل والظلام قريبا ما يحل!
عبيدات اطلع فينا ليِِبْنَََة!
الاحترام واجب والسلطان لازم يقعد جنب الشوفير, وإحنا مثل السجاير, ملزوزين واحد عالتاني, عل قليلة أنا جنب الشباك, جردوش أكلها وصف بالنص. القعدة جنب الشباك, إلى بفتح بس تلتين (اليابان بخافوا عولادنا, شكلهم مش سامعين عن الخطر الديموغرافي إلي بنشكلو!). كراسي المعزوزة أكل عليهم الزمن وشرب سمير أبو العوف, لهيك الزمبركات محسوسة واحد واحد مثل فرشات سيمونس وزيادة للراحة ال"مجبير" بينخز بالضهر, وقدامك مولانا السلطان مرجع الكرسي علآخر, بالعربي حشرة.
بعد حذوه بغل عل المدور أو كما هو مشروع ال"كيكار" ربطنا بسونول (دعاي مستترة).
؟ ما المكان يا غلام؟
إنها يا مولاي محطة بنزين, تزودنا بالوقود الذي تلتهمه السوبارو بدلا من العلف الذي ترتجه بهيمتك! هنالك أنواع مختلفة من الوقود يا مولاي واغلبها مستخلص من النفط الخليجي, أي من خليج العرب. ما أود قوله يا مولاي, أن العالم اليوم يحرك ويدور بفضل سائل اسود, لزج الملمس كريه الرائحة, يُبَطن المساحات الشاسعة التي تمتد تحت قصور أمراء الخليج. هذا, يا مولاي, هو ما تبقى من حيوانات بحرية عاشت في تلك المناطق, أي أن أثرياء العرب اليوم ينعمون بفضل الأموات!
؟ ومتى كان في الجزيرة العربية بحر؟
قبل ملايين سنة يا مولاي.
؟ أي أنهم ينعمون بشيءٍ قد تلاشى منذ القدم؟
نعم تلك الكائنات قد تلاشت ولكن الملايين غيرها ما زال يتلاشى من اجل ذاك الثراء واللهو.
؟ يصعب علي فهم رمزك, يا ابن الحاضر! اهو بسبب غيبي الطويل عن الأعراب ومغامراتهم؟
دعنا نغض الصدد عن تهافت حاضرنا ونتمم رحلتنا إلى يِِبْنَََة, يا مولاي!
عند صعودنا عل "ايلون", تقوقع السلطان في مقعده وبات مذهولا من سرعة السوبارو, مع أن عبيدات ما قطع المية (فوق المية الستيرنج برج!). كان يتلفت إلى اليمين والى الشمال, ينصب جسده تارة وينكمش تارتين. كلما انتصب كانت أنظاره تحلق فوق بيارات البرتقال (ما تبقى منها, شوي رمنسية للكان!) وينكمش كلما مرينا تحت جسر أو تجاوزنا وحشا من وحوش الاسفلت على شكل خلاطه بطون أو "فول تريلر" ولكن انكماشه الحاد كان بقرب مزبلة خيرية, فلقد اندهش من كمية الخير النابعة منها, اسم على مسمى.
نحن بالطريق إلى قرية يِِبْنَََة التي يخبرنا عنها المؤرخ علي الهراوي في كتابه: كتاب الإشارات إلى معرفة الزيارات, الذي كتب في سنة 1215م حيث يقول: "يِِبْنَََة هي بلد بين يافا وعسقلان وفيها ضريح الصحابي أبو هريرة".
بعد بضع لفات في يِِبْنَََة وصلنا إلى المحطة الأولى وهي موقع الولي القائم على قبر الصحابي الجليل أبو هريرة.
؟ دعنا نرتجل يا بني, فلقد أصابني الدوران, فلننعم بحفنة من الراحة في باحة المولى!
بعد ما عبيدات صف عل الأبيض وازرق بنفع نوخد راحتنا بلا ما نحسب حساب دوخ.
بعض الخطوات نحو المقام بصحبة مولانا السلطان, ينظر إلى المكان بدهشة وكأنه لم يزره من قبل.
ما الأمر يا مولاي؟ هذا مشهد الصحابي الجليل أبو هريرة, الم ترممه بأمرٍ منك وبولاية خليل ابن ساور والي الرملة غفر الله له ولوالديه وكان الفراغ منه في شهر ربيع الأول سنة ثلاثة وسبعين وستمائة (1274 ميلادي)؟
نعم نعم, هذا ما قد حدث فلقد أمرت بزيادة الرواق الملاصق لقبة المشهد, والأعمال وثقت منحوتة على لوح حجري كبير, أين هو اللوح؟ كان من الموجب أن يكون فوق المدخل! لقد ظننت أن النحت على الحجر سيخلد ذكرا أعمالي في هذا البلد, ولكن الحال قد تغير فحتى الحجر لا يصمد في هذا العصر!!!
نتابع التقدم نحو القبة وكلما اقتربنا منها ازداد إحساس مولانا بالغرابة, وعند بلوغنا لها فوجئنا, أو بالأحرى فوجئ السلطان أكثر منا, بسبب حضور امرأة عجوز مدت لنا الشمع والخيوط الحمر ظنا أننا من اليهود المغاربة الذين يزورون المكان بعد أن اتخذوه مقاما لهم ولواليهم ال"رابان جمليئيل", ولكنها سرعان ما نصبة شوكتها وراحة تنادي بالشباب الذين كانوا يتعبدون في داخل المبنى. خرج ثلاث منهم, يرتدون الجنس النصف مهري يعني "مشوفشاف" والتيشرتات البيضاء وعلى رؤوسهم قبعات ناصعة البياض تعلو عرش من الشعر الممزوج بالجيل اللزج البراق الذي يكاد يسبب بانزلاق ال"كيبة" ولكن بكله نرستة او تنك فضي, تمنعها من الهبوط. يعني شباب من إلي يحبهم قلبكم.
يستقبلنا الحشد بأيدي ممدودة, طبعا للسلام, وبصرخات, بلغة الغيش, موجزها أن علينا مغادرة المكان بالحال.
يا جماعة, الرجال أسس هل موقع قبل لا تخلق أنت ويا والعجوز هاي كمان, فش داعي للمزايدات وتطويل الأطراف والألسن, لكن للأسف طريقة ال"UN" ما نفعت معهم (ليش في حالة نفعنا شي من هل منظمة؟).
جردول وعبيدات لهوهم شوي وإحنا اغتنمنا الفرصة لكي نطلع مولانا على المكان. دخلنا غرفة الضريح وبعد أن همس مولانا كم من آية وما لحق يوفيهم ولا الجماعة أرغمونا على الخروج. من حظنا إنا التقطنا أكم من صورة عشان نرفقهم للمقالة.
جلسنا بظل شجرات الكينيا (نستتر من ضوء القمر) وتابعنا الحديث.
؟ أنرنا يا مولاي ببعض المعلومات عن المبنى؟
إن هذه القبة تضم ضريحا للصحابي الجليل أبو هريرة رضية الله عنه, حيث كانت من حوله مقبرة المدينة (كانت!). بعد تأسيس حكم المماليك في البلاد أمرت بزيادة الرواق لمبنى القبة الذي كان قائم, يخال لي انه من زمن الأيوبيين. فالرواق ينفتح من الناحية الشمالية بثلاث أقواس مزخرفة, الوسطى على شكل المضلعات (ما يشابه الزيك زاك) والأقواس الثانوية على شكل وسائد حجرية.
لقد كان الضريح موقع هام إلى جانب القرية يزوره الشيوخ والشباب ويطلبون البركة من صاحب الجلالة بالقرب منه, ولكي يوسع لي في الآخرة أمرت بتوسع المبنى حيث بات يستخدم كموقع تدريس, أظن أن التدريس استمر به حتى عام النكبة التي واعدتني بان تخبرني بالمزيد عنها!
؟ ألا نتابع رحلتنا, يا ساهر الليل, فهنالك قرية صغيرة في علو التل أريد أن أزورها أيضا؟!
نعم نعم يا مولاي سنتابع التجوال وسنزور أنقاض القرية والمسجد.
؟ ماذا تعني بأنقاض؟
دع عنك يا مولاي! من المستحب أن تطلع على التحولات ببطء لكي لا يصيبك الهلع أو حتى الصرع مما سوف تراه أو تسمعه!!! دعنا نتجه للسوبارو لنرا إن كانت ما تزال على قيد الحياة.
________________
* عالم اثار، يكتب رسالة الدكتوراه بموضوع الفن الأسلامي في الجامعية العبرية في القدس
تشرين ثاني 2007
تصوير: توفيق دعادلة أيار 2005
شارك بتعليقك