رسم الفنان توماس عام 1881
اسمي فطوم بنت عبد السلام الترتير، أهلي من اللد، ابن عمي اسعد الترتير أبو
الفوارس قاوم الأنجليز. اليهود والعرب ما كانوا عايشين بسلام قبل ال 48، جنبنا
كانت كوبانية بيت شيمين، كل يوم والثاني يحطو لغم على الجسر، هذا الجسر كان
موجود واحنا طالعين باتجاه بين شيمن، ما كانوا يخلوا ولا عربي يمر.
ما بتذكر حياتي وانا صغيره بس بذكر الهجره وكيف طلعنا، وكيف كنا نجمع ورق سرو
لأمي عشان تخبز على التنكة وتطعمينا.
بال 48، كان عمري 8 سنين، قالوا انه اليهود بدها تيجي علينا، المقاومة في اللد
كانت ترُدهم بس يعاودوا يرجعوا وبعدين يردّوهم ويعاودوا يرجعوا... الطيارات
صارت تضرب علينا وصرنا نطلع ننام تحت الزيتون بالكرم، اليوم بنوا كانيون وكليّة.
يلا يلا يما.. اجت الطيارات"
البلدية جندت أبوي وفجأة أخذوه على الحرب، إحنا كنا ساكنين
بالمركز، اليوم صار المحكمة العسكرية، أطلعونا اليهود وصاروا يرموا علينا كنادر
ويهدوا بيوت العرب عشان ما ترجع على بيوتها. جنب بيتنا كان ملجأ وعائله دار
عطية كانت متخبيه فيه، أجت الطيارات وقصفت الملجأ وكل الناس اللي فيه ماتوا،
لما قصفوا الملجأ طلعنا ورحنا عند أختي رسميّة، أختي كانت متزوجة من ثلاث اشهر
لدار حسونة، ونمنا تحت التينة، ثاني يوم الصبح قررت امي ترجع على بيتنا تجيب
أغراض، لما وصلَت على البيت طعمت الغنم والبقر والدجاج، وطبخت لنا باذنجان، لما
صحيت من النوم وما لقيت أمي خفت، أخذت أخوتي الصغار وصرت اركض أدوّر عليها،
أختي صارت تنادي علي وما ردّيت عليها، وصلت على بيتنا، أكلنا، وفجأة أمي صارت
تصرخ "يلا يلا يما الطيارات اجت... يلا يلا الطيارات، يلا نروح عند دار عمك"،
رحنا لهناك ولقينا الجثث بالشوارع على بعضها، وين خان الحلو كانت الناس على
بعضها ميته.
لما صار العصر سمعنا الناس تقول "اليهود استحلونا...انكسرنا"... بعدها اجو عند
عمي وقالوله انه أبوي عبد السلام مات..استشهد، عمتي كانت عم تطبخ إلنا عشان
نوكل، أجا عمي وصار يصرخ عليها ويقلّها كيف عم تطبخي وعبد السلام مات، قالتله
بدي اطعمي أولادك وأولاد أخوك... قالها إنشاء الله ما أكلوا. إحنا كنا عند دار
عمي عشر أولاد بنفس الغرفة، أولاد عمي سبعة وأنا وإخوتي ثلاثة، أنا كنت مسؤوله
على اخوي الصغير والتاني كان كل الوقت ماسك بفستان أمي.
"حط راسك جنب الروس وقول يا قطاع الروس"
بساعات المغرب صاروا ينادوا بالمكبرات ولا واحد يبقى بداره، الكل يروح على
الجوامع، إحنا طلعنا على الجامع الكبير، لما وصلنا سمعنا انه جامع دهمش انضرب،
والناس اللي فيه ماتت، صارت الناس تقول وين العراقية ليش ما يضربوا، صاروا
ألعراقيه يقولوا ما في عنا أوامر نضرب... الجيش العراقي شلح اواعيه ولبس ملابس
عاديه وهرب... بقينا باللد بدون جيش عربي وبدون مقاومة، قعدنا يومين بالجامع
وباليوم الثالث صارت اليهود تيجي وتوخذ الشباب الصغار على اليسر(السجن)، بعدين
صاروا ينادوا بالمكبرات ويقولوا للناس "كلكم على برفيلها.. على برفيليا...على
برفيليا"، أمي قالت انه إحنا لازم نطلع أحسن ما يغتصبوا النساء ويوخدوا عرضنا،
زي ما بقولوا حط راسك جنب الروس وقول يا قطاع الروس، وطلعنا كلنا من البلد،
كانت الناس مثل المي الجارية، وإحنا طالعين كانوا يوقفوا الناس ويوخدوا ذهبهم،
كانوا يوخدوا غصب واللي ما بدها يضربوها، خوال امي طلعوا عن طريق بير الزيبق
عند الرمله، خال أمي كان سمّان، وكان عنده دكانه، لما طلع كان مخبي المصاري
بالخُرج بالتنكة، صاروا بدهم يوخدوا منه المصاري، رفض فقتلوه بالسكين بظهره.
مها النقيب ابنة فطوم الترتير- في الخلفية جامع دهمش
"أودعتك يمّا..."
إحنا ضلّينا ماشيين واليهود تطخ وراءنا، امي حاملي شويه طحين على
رأسها وماسكي اخوي وأنا ماسكي الصغير، بالطريق عطشت وصرت أقول بدي اشرب وتقللي
أمي ما في مي... قعدت وصارت المدفعية تضرب، وصارت أمي تقلي اسا بقتلوك يمّا..
شوفي كيف قتلوا الناس... الأطفال اللي بجيلي لما كانوا يموتوا بالطريق كانوا
يغطوهم بشاشة ويقولولها "أودعتك يمّا"، ويحطوا حوالي الشاشة حجار ويكملوا يمشوا،
هيك كانوا يقبروهم، الناس ما كان معها وقت تحفر بالأرض وتقبر، المدفعية وراهم،
رسمية كان عمرها 14 سنه، وهي طالعا مع جوزها تصاوبت من المدفعية بظهرها، وطلعوا
فيها يرمحوا (يركضوا) واجت الإسعاف أخذتها على نعلين، ولليوم موجودة العلامات
على ظهرها. اختي الكبيرة خديجه كمان هي طلعت مع جوزها على عمان وبالطريق ولدت
تحت شجره بنعلين ومات الولد.
احتلال مطار اللد في نوفمبر/تشرين ثاني 1948 وتحويلة الى
مطار بن غوريون الدولي*
كان في ناس مطلعين غنم معهم، تروح أمي وتطلب منهم يحلبوا شويّة حليب من الغنم وتقللوا بدفعلك قديش بدك، قاللها يعني مش شايفي الطخ ورانا، بدك نموت عشان بنتك تشرب، وضلوا ماشيين. مشينا مشينا مشينا وسمعنا انه بالوادي قبل نعلين في بير، راحت أمي جابتلي مي، المي كان سوده وفيها كثير وحله، أمي حطت الشاشة على ألمي وقالتلي "مصي يما من الشاشة"، شربت وكانت المي مالحة، يمكن عشان هيك عندي اليوم مرض الكلاوي، مشينا والقنابل ورانا، لأنه اليهود كانت خايفة نرجع... وصلنا وادي نعلين، وساعتها وقف القصف، لما وصلنا أمي طلبت مني ومن بنت خالي نجيب ورق ذره من الكرم، ولما رحت شفت كومه ورق ذرة، صرت اخد منهم ولاّ بلاقي تحتهم طفل صغير أمه تاركيته وحواليه حجار، ناديت على بنت خالتي تشوف الولد، خافت وصرنا نركض عند أمي، حكيت لها شو صار، طلبت مني أروح اجبيه، قلتلها شو بدك تحمليني كمان ولد....راحت أمي تجيبه ولاقته ميت، رجعت امي وجابت شويه حطب وعملتنا أكل ونمنا تحت التين.
"على بير زيت... على رام الله..."
تاني يوم اجو اوطومبيلات الأردن، وصاروا يقولوا يلا مين بده على أريحا... على
بير زيت...على رام الله... على الشام... على غزه... أمي قالت انه بدها تروح على
بير زيت عند اخوها اللي طلع على بير زيت، رحنا على بير زيت ولاقينا خالي، وهناك
لاقينا محل وحطّينا خيش على الأرض ونمنا، السماء غطانا والأرض فراشنا.. صارت
الأغاثة تفرق وقيّة طحين للنفر... شو بدها تكفي الوقيّة.. قعدنا حوالي ثلاث
أشهر ببير زيت جوعانين وميتين من القلة... صرنا نغمّس مع الوقيّة برقوقة أو حبه
تين، حبه جوافة.. قطّينه.. تمره...أمي قالت انها سمعت انه فيه مدرسه للمكفوفين
برام الله بتفرق خبز وبطانيات، وقالت انه بدها تروح على رام الله، طلبت من مرت
خالي شلن عشان تروح على رام الله بس مرت خالي ما كان معها مصاري، طلعت أمي ربطت
صره وعلقتها بأيدها وصره على رأسها.. وصارت تمشي وتبكي... تمشي وتبكي.. بالطريق
مرّت سيارة، طلبت أمي منه يوصلها على رام الله.. وقالتله بس نوصل على رام الله
باخد مصاري من الناس وبعطيك .. قاللها إلي وإلك الله، أنا محمل برميلين بنزين
وإذا بدكوا تقعدوا بين البراميل اقعدوا... بالطريق طلعوا كمان شباب صغار...
وإحنا بالطريق وقف جنب محطة بنزين وطلب انه ننزل عشان ينزل البراميل... أمي
قالتلي روحي يمّا اشحذي أكل من الناس عشان توكلوا ... قلتلها لا يّما انا بديش
اشحذ... وصلنا رام الله للمنارة... ومش عرافين وين نروح.. صارت تسأل أمي الناس
على مدرسه المكفوفين...صارت الناس توجهها.. وهي تمشي لاقت حرش.. وصارت تبكي
وأنا وإخوتي الثلاثة حواليها.. ونمنا تحت اجرين أمي وهي تبكي... ولا أجا خالها
لأمي.. كان مروح من الصلاة من الجامع...وقاللها: فاطمة وين كنت يا فاطمة..
قالتله ببير زيت... متنا من القلة، ما في اكل ولا مي... أخدنا وجاب الخيش وفرد
الأرض خيش وجابلنا اكل... الصبح أخد أمي على مدرسه المكفوفين.. وسجلها وأخذت
خبز...وصرنا نغط خبز بالشاي ونوكل.. أشهر ما شفنا الخبز. بعدين صارت أمي تشتغل
بمستشفى البيره مع الجراحين... كانت تروح على المستشفى وتترك اخوي الصغير عندي،
بعد شهر اجت مأمورية انه يوزعوا كل لاجئين البلد.... واجا الجيش وقال انه ممنوع
ولا حدا يبقى بالحرش... اجا خال أمي وقال للجيش حرام هدول الأولاد أمهم بالشغل..
وين بدهم يروحوا... قاللوا ما دخلنا، ممنوع ولا حدا يبقى هون.. واخدو خالي على
اليسر (السجن) بالقدس... اجت أمي وما لاقت حدا غيرنا بالحوش.. بالصدفة كان في
وحده جنبنا اخذتنها وقعدتنا عندها بقن الدجاج.. يعني أعطل وأعطل.. أمي ضلت
تشتغل بالسبيطار وتيجي.. لحد ما كفلت خالي وجابته يسكن معنا.. اجت هاي المرا
وقالت أنا ما بدخّل رجال عندي، جوزي وابني بأمريكا وأنا لحالي.. وهيك طلعنا على
مخيم الامعري.. امي كانت تقوم من الخمسة وتروح تبيع جلن المي بتعريفه.
أيام ألثلجه الكبيرة كنا برام الله.. اخوي اللي اصغر مني راحوا أصابعه من ألثلج.
قعد ايام بالسبيطار يعملوله قطب عشان يرجع اللحم ... جارنا راحوا اجريه من
ألثلجه.. كنا أيام المؤن أمي تخليني اصف بالدور ولما ييحي دوري تحمل هي المؤن
عني... اكلنا بهدله غير شكل.
العوده الى اللد
ب 1951 كانت المتسللين تيجي على رام الله والمخيمات وتجيب معها مكاتيب للاجئين،
مره اجو عنا وجابوا مكتوب انه ابوي عايش وبده يعملنا لم شمل، احنا فكرنا انه
أبوي مات، بس اللي صار انه كانوا طاخينه 11 طلقه بجسمه.. أيده وأجره مشلولين..
وبعد فتره طلع أبوي من السبيطار، الأسرائلية حطوه بالدبابة وقالوله بدنا نرميك
على برفيليا.. قالهم، خذوني على باب الجامع الكبير إرموني هناك.. قالوله بتموت..
قاللهم إرموني باب الجامع بدي أموت هناك.. لما وصل باب الجامع شافوه ناس
ونيّموه ببيوت الجامع... وبعدها صار يقدم لنا معاملات عشان نرجع.
لما قدم ابوي الطلب صارت امي ترمح على القدس لحد ما اجا الطلب انه نرجع على
اللد بشهر 5 1951، يومها كان عمري 10 سنين.
لما رجعنا ما لاقينا ناس نعرفهم، الدور كانت مهدومه، كان في وحده جارتنا اسمها
سلوى صارت تقللي ما تخافي تعالي العبي، قلتلها لا ما بدي، امي قالتلي ما تطلعي
احسن ما يسرقوك اليهود.
صرنا نشتغل انا وعائلتي نلقط صبر وتين ونزرع، ما كان مثل اليوم تأمين وأبوي ما
وافق اروح على المدرسة،
اليهود سكنوا بالدكاكين جنب الخان، ما كان وقتها شيكونات، وسكنوا كمان ببيوت
العرب، لحد ما بنولهم شيكونات، محل دارنا اليوم مبني شيكون لليهود.
لما كبرت وصار عمري 13 سنه تجوزت، جوزي عبد اللطيف حسونه كان كمان مشرد ورجع
على اللد، كان اكبر مني بسبع سنين، زوجة أبوه كانت تعرف اسعد الترتير، وهي اجت
خطبتني اله. تجوزت ب 13/9/1953، وسكنا عند الجامع، لما تجوزت ضليتني أشتغل
بالصبر والتين، خلفت 9 اولاد واجهضت ولدين، عندي خمس بنات واربع صبيان، جوزي
كان بالأول عند شاحنه وباعها، بعدين راح تعلم شوفير باص وبعدين صار يشتغل على
تكسيات، بس اكثر حياته كان بالسجن، كان مناضل... فدائي، كان يشتغل مع الفدائيه
وينظم الشباب باللد، كان تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية بمصر، وانا قضيت حياتي
كل يوم ييجوا على بيتنا كبسيات تفتيش.
تعبت كتير، كنت دايما ارمح معه على المحاكم، كنت انزل على حيفا بالليل عشان
احكي مع المحامي، كل مكتوب كان يكتبه كنت انزل بنفسي على الحاكم العسكري أعطيه
اياه بأيده، ما كنت أوافق أبعته بالبوسطه، انا ما كنت اخاف من حدا، كنت اروح
عند الحاكم العسكري، مره اجا جندي وحاول يهددني بالباروده، قلتله إبعد من هون
أنا إسرائلية مثلي مثلك، قللي ممنوع تدخلي عند الحاكم العسكري، قلتله بدي أدخل،
لحد ما اجا الحاكم وقاله خليها تدخل. كل شي عملته لحالي، عشت أنا وأولادي
وحماتي لحالنا، الناس كانت تخاف تدخل عنا البيت عشان جوزي سجين أمني. جوزي تغذب
كتير بالسجن، كان يكهربوه ويحطوه بالمي البارده، ومره كان مروح على البيت يوكل
ومات بالسكته القلبيه.
كنيبسة القديس جوارجيوس والجامع الكبير عام 2005
قبل احتلال الناس كانت عايشي بهدوء وكل واحد يعطف على جاره،
مش مثل اليوم عنف، الناس كانت يد واحده، قلبهم على بعض، الأحتلال خلى قلب الناس
أسود، اليهود بعلموا اولادهم وبوعوهم بس احنا العرب جبناء، لا في توعية لا
للكبار ولا للصغار، احنا منقتل بعض واليهود مبسوطين. أولادنا لازم يعرفوا انه
الفلسطينية ما طلعوا من حالهم زي ما بحكو، قعدوا أشهر يقاوموا.. ابوي طخوه من
جهة القدس، عند وادي القدس، اخر ناس سلمت كانت اللد، ضلت تقاوم للآخر، مدفعية
مركز البوليس كانت تضرب على اليهود، واحد اسمه أبو رجا قال للمدفعيه ما تضرب
على اليهود، قاموا قتلوه، قالوله مين انت عشان تقرر انه ما نضرب.
اهل بيت دجن تركوا بيوتهم ونزلوا على اللد، في ناس ظلمتهم وقالوا انهم تركوا
بيوتهم، الله وأعلم شو صار معهم، يمكن صار فيهم مثلنا.
لازم الجيل الصغير يعرف كل شي صار بالنكبة، والصغير بس يكبر يحكي للي أصغر منه،
لحتى ما تنسى الناس، هذه البلاد أرضنا، أرض مقدسة، الأحتلال إستغلنا وهجرنا..
لازم نوعي أولادنا وما نخلي المخدرات تستغلنا، الدولة عم تستعمل سياستها عشان
يهدمونا. اليوم ألانتفاضه ضرورية عشان ما تموت القضية...
______________________________
اجراء المقابلة: ربى حمدان وعبير زيناتي
طباعة وتحرير: رنين جريس
مكان اللقاء: اللد
اجريت المقابل في نيسان 2005
شارك بتعليقك