نابلس في ثورة فلسطين الكبرى (1936 – 1939)
هذه المادة نقلاً من كتاب تاريخ جبل نابلس والبلقاء للمؤرخ الفلسطيني الكبير احسان النمر، الباب السابع والباب الثامن ج3 ص(209 - 270) والباب التاسع ج4 ص(5- 22)، وهذه الأبواب المتتالية تتحدث عن ثورة فلسطين الكبرى (1936 - 1939) في نابلس وقضائها، وقد كتبها المؤلف عام 1975م، وهو ممن شاركوا في تلك الثورة وله اطلاع واسع على مجرياتها.
الباب السابع
التهيؤ والاستعداد للثورة
الفصل الأول
(فكرة الثورة والدعاية لها)
كان المحاربون في الجيش العثماني والثورة العربية يتحرقون على تسليم السلاح وضياعه (انذرت حكومة الاحتلال الشعب بتسليم السلاح ووضعه في أماكن معينة فكوموه اكداسا حتى ان بعضهم سلم السلاح القديم الاثري فلم يبق في البلاد سلاح وأصبح اقتناؤه بمنتهى التكتم والحيطة) ويعتقدون بأنه لن تحل القضية إلا بالثورة وكانوا ينعون على قادة الحركة الوطنية اساليبهم السلمية وخطتهم السلبية وانتظارهم العون من غيرهم، وكان بعض رجال الحركة الوطنية (كان رامز اغا النمر يقول انما تنقذ البلاد بالأحمرين الذهب والدم وكان قوله يقابل من اخوانه بالسخرية حتى اضطر الى استعمال العصا لعزة دروزة) يرى برأيهم ويبث دعايته بين الشبان، ثم نزل نخبة من رجال الثورة السورية يتحدثون عن ثورتهم بين عرب فلسطين إلا ان الأكثرية الساحقة كانت ترى الثورة محالاً وإذا ذكرت قابلوا القائلين بها بالسخرية وبعضهم بالتهجم وأصبحنا نرى ان العمل لها يحتاج الى تمهيد كبير مع الحزم والحكمة مدة سبع سنين من صيف سنة 1929م حتى صيف سنة 1936م بطرق مختلفة ومجهودات متواصلة واستغلال كل بادرة تبدر من الإنكليز حتى اصبح الكل يعتقد بأنهم هم سبب البلاء وان مقارعتهم يجب ان تكون في نابلس لخلوها من اليهود وان تخرج مظاهرات بغير اذن من الحكومة كما كانوا يفعلون فيما مضى، ولقد كنا نخبة من الشباب الوطني (منهم الأستاذ حمدي الحسيني (الغزي) وهو اول الشباب نقمة على المحتلين وكان يتنقل بين غزة ويافا ويلهب الشباب حماسة والأستاذ احمد الشقيري (عكا) وكان في الشمال كالأستاذ حمدي في الجنوب ثم خرج السيد عبد المطلب فضة فكان يسانده في حركته.) فلم نترك وسيلة استعملناها للدعاية والإقناع في الاجتماعات الخصوصية وفي المظاهرات وفي المساجد والكتابة في الصحف (لقد عقدنا بضع اجتماعات سرية في بيت الشاب المخلص الحاج فوزي الخياط والذي توجهت ضده حملات قوية أخرى حالته فترك نابلس الى القدس فعمان حيث استقر ومثلها في بيت السيد جمال القاسم والسيد ضيا عبده الذي أصابه ما أصاب الحاج فوزي وقد تفاهمنا مع عدد من شبان نابلس وطلابها المخلصين وقد عاهدتهم وعاهدوني على الخروج بمظاهرات بدون رخصة.) الى ان تطورت القضية تطورا عمليا بعد ذلك التماوت والاستسلام (تولى توجيه قضية البلاد ذلك الجيل المتناحر الذي حدثتك عنه في الباب الثاني من هذا الكتاب فكان عملهم عبارة عن مظاهرة سنوية في يوم وعد بلفور يأخذون رخصتها قبل يومين ويسيرون من المساجد الى سراية الحاكم كالجنازة فيقدمون احتجاجا على وعد بلفور ثم يعودون الى بيوتهم.)
"الاعتداء الأول"
اخرج مستر بنتويتش الصهيوني والمستشار القضائي لحكومة فلسطين من القوانين ما جعلهم يلقبونه بمعدل القوانين وقد قدم القضايا على المتهمين في قضايا اضطرابات سنة 1929م فحملت عليه الصحف حملة نكراء فتحمس آذنه السيد محمد عبد الغني ابو طبيخ (هو من قرية قباطية قضاء جنين) وأطلق عليه رصاصة اصابته في رجله إصابة خفيفة، وقد قبض عليه البوليس حالاً فاعترف بأنه انما عمل هذا العمل بدافع من نفسه وانه لم يدفعه احد وقد دافع عنه المحامي الأستاذ عوني بك عبد الهادي فحكم عليه عشر سنين (ثم اهمل هذا المفادي ولم يسأل احد عنه ولا عن ابيه الى ان بلغني احد المسجونين الذين كانوا معه عتابه فقمت بجمع مساعدات له كل سنة باسم جمعية الهداية الإسلامية وكنت أرسلها لأبيه بموجب وصل عن يد السيد شفيق الحبش، وفي نفس الوقت جمعت اعانة مع وفد صفد لعائلات مساجين صفد) واضطرت الحكومة لإخراج بنتويتش من البلاد.
"مؤتمر الشباب في نابلس"
اعترف الانكليز بعدوان اليهود في حوادث البراق سنة 1929م ثم سحبوا اعترافهم ولفقوا قضايا على العرب فحكموهم بالمؤبد والإعدام كما مر وأصبحت الصحف تكتب بلهجة معادية مع تحميل الانكليز المسؤولية في جميع الصحف العربية فنضجت الدعاية لا سيما عند الشباب إلا ان الشيوخ ظلوا على حالهم من احسان النية بالإنكليز.
ثم ظهر ان الانكليز على اثر الحوادث وضعوا اسلحة في المستعمرات اليهودية فتنادى شباب عرب فلسطين لعقد مؤتمر في نابلس في 31 تموز سنة 1931م وكان يلتهب حماسة وكانت جميع الخطب موجهة ضد الانكليز فاستعملوا كل ما يستطيعون للضغط لعدم القيام بمظاهرات في منتصف آب فنجحوا على انه بعد هدوء نسبي وليلة 23 آب قبضوا على خطباء المؤتمر المتحمسين جدا وهم الشيخ صبري عابدين (الخليل) والدكتور صدقي ملحس والسيد جمال القاسم (من نابلس) وقد وكلوا محاكمتهم للقاضي البريطاني مستر كراسل المعروف بالسفه وقذارة اللسان فحكمهم ثلاثة اسابيع وقد صحب نطق القرار محاضرة بذيئة جدا.
"الاصطدام بالإنكليز"
لما علم الشباب بالقبض على الدكتور صدقي ملحس والسيد جمال القاسم تجمهروا امام السجن مدة الى ان نقل السجينان الى سجن القدس فتركوا باب السجن وساروا بمظاهرة في الليل ثم تفرقوا، وفي اليوم التالي اجتمعنا في نادي الجمعية العربية ثم خرجنا بمظاهرة صاخبة وسرنا في شوارع البلدة القديمة الى ان وقفنا بباب السراية القديمة وكانت فيها المحاكم ويظهر ان الرئيس البريطاني طلب النجدة من البوليس والجيش الذي كان مرابطا في البريد فداهمنا من الخلف فأصيب بجراح السادة صبحي استيتية (وقد بترت رجله) واحسان النمر (المؤلف) ورشيد مرمش وايوب الخماش ونهاد جاموس وموسى زعتر وشفيع سعد الدين ومحمود محمد طالب، وقد تفرق المتظاهرون والبوليس والجند في ازقة البلدة القديمة فأوسعوا البوليس لطماً ولكماً.
"مظاهرة السيدات"
وفي اليوم التالي خرجت السيدات (اشتركت المرأة في النضال الوطني منذ سنة 1930 وكان في نابلس جمعية نسوية برئاسة السيدة مريم هاشم اما التي قامت بهذه المظاهرة فهي السيدة بهيجة النابلسي ام واصف كمال عقيلة الحاج سعيد كمال) بمظاهرة كبيرة هي الأولى من نوعها ولما بلغت شارع السينما القديمة وجدن ان الجند البريطاني قد سد الشارع وهم يصوبون بنادقهم اليهن بكل وقاحة فتفرقن في البيوت المجاورة ووقع الاصطدام بين الجند والشباب العربي وقد اطبقوا على الجند من الامام والخلف فكسروا رجل ضابطهم كايلز واخذوا بندقيتين واسروا بعض الجنود وفر الباقون بمشقة.
"القبض على المتظاهرين وسجنهم"
وفي الأيام التالية قدمونا للمحكمة المنعقدة برئاسة الحاكم البريطاني فحكم نحو خمسين شابا بالأشغال الشاقة مدداً تتفاوت من ثلاثة اشهر الى سنة (الذين حكموا سنة هم السادة: فوزي الخياط واسعد عبد الرحمن المصري وإبراهيم الخماش وعمر البظ ومحمد علي دروزة وواصف كمال وعادل كنعان والباقون ثلاثة اشهر فما دون وقد استأنف الأستاذ عادل زعيتر الاحكام فنزلت عنهم ما عدا حكمي فانه ظل كما هو ثلاثة اشهر لأنه باعترافي وقد قضينا المدة جميعها بالأشغال الشاقة) مع كفالة بعد الخروج وحكم مثل هذا العدد بكفالات.
"خروج القسام واستشهاده في جبل نابلس"
بعد انهيار العرش الفيصلي في دمشق سنة 1920م انتقل كثيرون من سوريا الى فلسطين منهم الشيخ كامل القصاب الذي عمل على جمع التبرعات من اهل اليسار فبنى مدرسة وجامع الاستقلال في حيفا وقد عين للتدريس والخطابة في هذا الجامع الشيخ عز الدين القسام (اصله من اللاذقية من سوريا) الذي استغل دروسه وخطبه للحث على الجهاد وقد تعرف على كثيرين وتبادل واياهم الثقة فكون جمعية سرية اخذت تعد السلاح والعتاد للخروج بالثورة وقد انتشروا في اللواء الشمالي، ثم فوجئنا في صيف سنة 1935م بالقضاء على الشيخ القسام وقسم من جماعته في احراج يعبد (يقول بعض جماعته انه لم يكن يريد الخروج في ذلك الوقت بل انه خرج لتمرينهم بعد التفاهم مع الشيخ محمود الصفوري فاستشهد معه أربعة وجرح أربعة وافلت بعضهم اذ لم يكونوا معه الا ان كثيرين ادعوا انهم قساميون فاشتغلوا باغتيالات ومجازر سنة 1938م فشوهوا سمعتهم.) فكان خروجه بهذه الصورة والقضاء عليه مؤلما، الا ان عمله كان فيه تحدي المحتلين وافهامهم ما تنطوي عليه النفوس وتحدي قادة الحركة الوطنية الذين ركنوا الى المظاهرات والاضراب والاحتجاجات لا سيما رجال الدين، وقد حكم القضاء على القسام وعصبته بصورة ختمت بمنتهى الوقاحة وسوء الادب من قائد البوليس الذي قام بالتطويق وامر بإطلاق النار فانه اهانه كثيرا اذ داس على رقبته امعانا بالإهانة ومهما كان الامر فان الكُتاب قدروا خروجه فاستشهاده حق التقدير وعدوه رمزا للتضحية.
"مشاكل بيوع الأراضي"
كانت الأراضي التي باعها سرسق والريس والتيان من اثرياء سوريا ومصر مملوءة بالزراع كعرب الحوارث والزبيدات وطبعون وغيرهم فكانت الحكومة تجليهم عن أراضيهم بالقوة وتسلمها للمشترين فكان يقع منهم قتلى وجرحى ويقبض على اخرين فيودعوهم في السجن فيضج الناس ويتألمون.
"اضطراب الامن"
وكانت حوادث الامن العادية تشغل دائرة الامن كثيراً حتى خصص ربع الميزانية للأمن وحده لان الشعب لم يكن يتعاون مع الحكومة وكانت هذه القوة تطارد الواحد مدة سنتين (من امثلة ذلك رجل اسمه احمد أبو جلدة من قرية طمون قضاء نابلس فقد تشرد من وجه الحكومة ولم ينضم له سوى شخص واحد ولم يبق عند الحكومة ضابط امن سري او علني الا استخدمته حتى تمكنت من القبض عليه بحيلة.)
الفصل الثاني
التطور العام
"حراسة الحدود والاصطدام العام"
على اثر حوادث شباب نابلس هب شباب فلسطين فعقدوا مؤتمرا وانتخبوا له لجنة تنفيذية وقد تحقق مندوبوا الشمال في اللجنة التنفيذية لمؤتمر الشباب من تهريب اليهود من السواحل والحدود وفي الاجتماع التاريخي الذي عقدته اللجنة المذكورة يوم الاحد الموافق 28 اذار سنة 1933م قام السيد عبد المطلب فضة (هو عضو عكا وكان من الشباب المتحمس المخلص) وفضح التهريب على الحدود والسواحل فاقترحت الاحتجاج على الحكومة والعمل لحراسة السواحل والحدود فأيدت الأكثرية هذا الاقتراح وقررت العمل فوراً (كان من أساليب الحكومة استئجار بعض أعضاء ليعملوا على احباط كل اقتراح وهذا ما حمل اللجنة على تنسيب دعوتي عن نابلس لعلمهم بقوة حجتي ولم يكد السيد عبد المطلب يتكلم حتى نهض مندوب الناصرة لطف عودة للرد عليه بحجة ان الاحتجاج على التهريب يعني الرضا بالهجرة فطلبت الاحتجاج مع التحفظ برفض الهجرة ووعد بلفور والانتداب فنجح الاقتراح.).
وفي اليوم التالي خرجنا الى الساحل الجنوبي بين يافا والمجدل حيث عرب السويرح واخذنا عليهم العهد لحراسة منطقتهم وقام الأعضاء بتكليف الكشافة وسكان الحدود بمثل ذلك.
ولما كانت كشافة ابي عبيدة في طولكرم في موقف حراسة على الساحل جوار مستعمرة ناتانيا باغتهم نحو ثلاثمائة شاب من اليهود، وبعد مشاجرات قبضوا على قادتهم (هم السادة سعيد العنبتاوي واحمد محمود التاية والأستاذ شاكر الخردجي الدمشقي، وكان الشبان اليهود يلقون عليهم شباك الصيد) والقوهم في حفرة وهم في اغماء وكان راكبوا الدراجات النارية قد تمكنوا من الإفلات فاخبروا طولكرم ونابلس على انهم قتلوا وجرح غيرهم فأصبحت طولكرم مضطربة بمساعي السيد سليم عبد الرحمن وما زالت تتطور وقد طفح الكيل، فقررت اللجنة التنفيذية العربية الاضراب العام والقيام بمظاهرات دورية في المدن العربية الكبرى في فلسطين فحصلت مصادمات سنة 1933م في القدس ويافا وكانت الأخيرة شديدة ضويق فيها الرئيس موسى كاظم باشا الحسيني فمرض ومات (كان متصرفا في العهد العثماني وكان هو رئيس المؤتمرات والوفود واللجنة التنفيذية العربية، وكان يخفف من حدة الحزبية العائلية لرابطة القرابة بينه وبين النشاشيبي الذي كان يتحمله ويهضمه ولم تكن زعامة موسى كاظم باشا من النوع الذي يسد الفراغ وتحتاجه الامة اذا ذاك بل كانت تقليدية ولو وجدت فيه القابليات كلها ما استطاع ان يعمل كثيرا لان الجيل الذي اشتغل معه وترأسه كان رجعيا ضعيفا وهو والد الشهيد عبد القادر الحسيني) ثم قبضت الحكومة على عدد كبير من الزعماء فتوقفت المظاهرات مع الألم الشديد وماتت اللجنة التنفيذية بموت رئيسها وظلت البلاد بدون هيئة عامة حتى اضراب سنة 1936م.
"العمل للتخلص من حزبية القدس العائلية"
لم يبق شك عند احد بانه لا يمكن النجاح مع هذه الحزبية العائلية فالعمل الحازم هو اقناع الكل بالتخلي عنها والسير بالقضية على أساس جديد وكان العمل لهذا الامر يحتاج الى وقت مناسب والى عناصر معتدلة مخلصة ونظرا لان الحزبية قد تسربت الى الشعب ونظرا لما لاقيته من الفشل وعدم التجانس وعدم امكان العمل مع رفقائي في المدارس (قمت بتأسيس جمعية اخوانية اثناء الدراسة في مدرسه النجاح وكلية الشويفات فلقيت عنتا وعدم اخلاص كبير عرفني الشيء الكثير عن نفسية الجيل الجديد) ومع الشباب الوطني بعد المدارس (لم يكن تجانس بين المشتغلين بالقضية الوطنية وقد اندس بينهم اشخاص كانوا على جانب كبير من الدس والفساد وقد صارحني احدهم قائلا عن الشيوخ انهم اذا كانوا متصالحين لم يكن شأن لمثلي ومثلك، وكان منهم نفعيون اثروا باسم الوطنية واخرون يتصلون بالحكومة فاضروا ضرارا بليغا وقد اطلق عليهم اسم وطنجية أي اتخذوا الوطنية فرصة معاشية، ومنهم من نفروا الناس بكبريائهم واتهامهم بالخيانة) رأيت وجوب العمل مع الرجال الشعبيين (كان منهم السادة الحاج حامد الشنتير وصادق الحناوي ومحمد الدبس والحاج محمود عواده والحاج خورشيد الشخشير والحاج توفيق صلاح واسعد عبد الرحمن والحاج محمد ابي الروس والحاج حسين يامين واسعد وحسن الخليلي وتوفيق استيتية وفارس فريتخ ومحمد الصابر وقد عقدنا عدة اجتماعات في بيوت السادة عواد وفريتخ والدبس والحاج فتوح) الذين استطعت ان اوجد لي في نفوسهم ثقة. وبعد العمل سنتين قنعوا بالفكرة ودعوا الى اجتماع في جامع الأنبياء لم يكن فيه من الشباب الوطني المتعلم غيري فقررنا العمل لتوحيد نابلس وتكليف الحاج توفيق حماد وقاسم اغا النمر لدعوة الوجهاء من مختلف النزعات للاتحاد، وقد ذهب وفد منا فزار هذين الوجيهين وكلفهما فقبلا مع الشكر وكنت اتصل بهم فاقف على التطورات كل يوم جمعة.
كان رجال نابلس اربع فئات مجلسيين ومعارضين وأهالي ديموقراطي وحيادين وبعد اتصالات بين الوجيهين المذكورين، والفئات الأربعة تكونت كتلة عامة باسم حزب التوحيد: فكان عن الحيادين السادة الحاج توفيق حماد وقاسم اغا النمر والأستاذ عادل زعيتر وعن المجلسيين السادة فريد العنبتاوي ومصطفى البشناق وعبد الرحيم التميمي وعن المعارضين السادة احمد الشكعة والحاج عبد الرحيم النابلسي والحاج طاهر المصري وعن حزب الأهالي الديموقراطي السادة الأستاذ عبد اللطيف صلاح وعبد الفتاح اغا طوقان والشيخ عبد الكريم صوفان والحاج سعيد كمال وعزة افندي الطاهر وتوفيق افندي عرفات وقد وافقوا جميعا على الانفصال عن حزبية القدس ما عدا الفريق المجلسي فانهم ابوا الموافقة على الانفصال عن الحاج امين ووافقوا على التفاهم المحلي فاستمر تفاهمهم حتى سنة 1946م.
"مؤتمر يافا الشعبي"
ولم يقف الامر عند هذا الحد بل اتصلنا بالشباب الشعبيين في جميع انحاء فلسطين وعقدوا مؤتمرا شعبيا في يافا في مايس 1933م وسمي المؤتمر الثامن دعوا اليه راغب بك النشاشيبي والحاج امين الحسيني وكلفوهما بالاستقالة من منصبيهما رئاسة بلدية القدس ورئاسة المجلس الإسلامي (كان نصف راتبه من الوقف والنصف الاخر من الحومة وكانت مدة رئاسته قد انتهت) للبعد عن كل شيء حكومي وحل الحزبية العائلية الراهنة فلم يحضر راغب بك النشاشيبي بنفسه بل أرسل بعض جماعته وعززهم ببرقية بالموافقة على الاستقالة، وحضر الحاج امين الحسيني مع حشد من جماعته واعتلى منصة الاجتماع مدة كبيرة يقنع المجتمعين بلزوم بقائه على كرسي المجلس الإسلامي وقد فسر هو وجماعته هذا التكليف بانه دس وفساد من الحكومة واليهود ففشل الاجتماع وظلت الحزبية العائلية تقود البلاد الى الانتحار والدمار.
"التفاهم العام في نابلس"
اجمع جميع عرب فلسطين وغيرهم بان نابلس وجبلها افضل موقع للثورة والنضال وان القضاء على القسام وجماعته في سويعات دل على انه يستحيل القيام باي عمل لم تكن البلاد جميعها تسنده وتؤازره وظهر أيضا من كل مشروع او عمل يمكن الاقدام عليه في نابلس انه لا بد من التفاهم مع الجميع لا سيما الأقطاب الأربعة الذين كانت كلمتهم هي النافذة وهم سليمان بك طوقان والحاج عبد الرحيم النابلسي والحاج احمد الشكعة والحاج طاهر المصري.
هذا ومنذ تولي سليمان بك رئاسة البلدية صار رجالات بيوت الحكم السابقة يتصلون به ويرون فيه الشخص الذي يحافظ على كرامتهم وقد اتصل بشيوخ قرى جبل نابلس جميعه وبات من الضروري اتصال الشباب بالشيوخ وإزالة سوء التفاهم الذي حصل بعد حوادث نابلس سنة 1931م وكنت اتصل بسليمان بك طوقان وبالحاج عبد الرحيم النابلسي بعد تفاهم للأمور التي تتعلق بجمعيتي الهداية الإسلامية والرياضة والشؤون المحلية العامة (أسست هاتين الجمعيتين لكسب الثقة والتكتل وقد جُعلت باكورة اعمالي قرار منع المسكرات والتدخين فاتصلت بي جمعية منع المسكرات العالمية بفرعها بالقدس وبتعاوني معها ومع جمعيات الهداية الإسلامية في الأقطار العربية أصبحت عالمية في مدة سنتين وبعد استقرار دعوت لتشكيل هداية رياضية فانتمى لها ماية وخمسين شابا فكان المجموع ستمائة عضوا وقد قامت بأعمال كثيرة لا سيما في الثورة وكسبت ثقة كبيرة) وقد اتصل السيد اكرم زعيتر بالسيد حكمت ابن الحاج طاهر المصري من الأقطاب الاربعة وعن طريقه اتصل تفاهما بين هذه الجهة والسيدين واصف كمال وممدوح السخن وشباب النادي الرياضي، وقد اوجدت صلة بين الحاج حسن افندي حماد وسليمان بك طوقان واصبح يتصل به الأستاذ عادل زعيتر (كانت بين أبناء الشيخ عمر والاقطاب حزازات كانت السبب في نقمتهم وقد اثرت في حركة البلد وتضامنها امداً) على حساب وكالته لقضايا البلدية فنمت صلة الحياديين، وبهذا اصبح قطب الرحى واليه اتجهت الأنظار وقد صرح لي بقوله: (سيرى الذين يرونا معتدلين باننا اكثر تطرفا منهم متى ازفت ساعة العمل) وقد سر الشعب لهذا التفاهم والتضامن وعلقوا عليه امالهم.
"عرض المجلس التشريعي ثم سحبه"
لما وقعت الحرب الحبشية الإيطالية تحركت مصر تطالب بحقوقها فعقدت معها بريطانيا معاهدة وتحركت سوريا فدعت فرنسا اقطاب السوريين الى باريس للمفاوضة، وكان عرب فلسطين يتحفزون فعرضت عليهم بريطانيا مجلسا تشريعيا فتساهل العرب وقبلوه الا ان اليهود رفضوه واثاروا البرلمان البريطاني ضد مشروع المجلس التشريعي (ومن اغرب ما حصل ان وزارة المستعمرات استعملت نفوذها لإقناع أعضاء البرلمان بالتصويت فلم يكن معها سوى اقلية وصوتت الأكثرية ضد المجلس التشريعي ولهذا فان كثيرا من الحكماء وقواد البوليس في الثورة كانوا يمالئون العرب.) فمنعته الأكثرية الساحقة فاشتد الغليان ونودي بمقاطعة اليهود فحصل توتر ونفور فتراشق ثم قَتل فنتج عنه الاضراب فالإرهاب فالثورة كما يتبين في الباب الاتي.
الباب الثامن
الثورة الكبرى
الفصل الأول
"الاضراب الطويل"
(اعلان الاضراب مع الاستمرار) (كانت سوريا اضربت اضرابا طويلا دام نحو شهرين فاقتدى بهم عرب فلسطين ونظموا شؤون اضرابهم مثلهم)
استمر العدوان الفردي بين العرب واليهود لا سيما بين يافا وتل ابيب وفي 20 نيسان قامت يافا بمظاهرات تريد مهاجمة تل ابيب فصدها البوليس بالقوة فقتل عربيان وجرح اثنان وثلاثون عربيا من رصاص الانجليز، فاجتمع وجهاء يافا برئاسة السيد عمر البيطار فقرروا الاضراب وخابروا الزعيم احمد افندي الشكعة وكان في مكتبه نخبة من وجهاء نابلس فوافقوا على الاضراب على ان يكون مستمرا لأجل غير معلوم فوافقوا وخابروا باقي مدن فلسطين فأضربت في الحال.
"تشكيل اللجان القومية"
بات لزاما على الامة العناية بالعمال المضربين وذوي الحاجات فشكلت لجنة في كل بلد للعناية بهم ولمراقبة الاضراب والاتصال بالبلدان سميت اللجنة القومية، فكانت هذه اللجان تشرف على الاضراب وسيره حتى النهاية فهي تتسلم المساعدات وتوزعها على المحتاجين وهي المرجع في كل شيء فقد تعطلت الهيئات حتى البلديات فبقيت اللجان القومية هي المسؤولة وحدها عن كل شيء.
"تشكيل الأحزاب واللجنة العليا"
بعد موت موسى كاظم باشا الحسيني سنة 1933م انتهت اللجنة التنفيذية العربية ففكر الجميع بتطور الوضع وبإيجاد رئاسة إلا ان الامل بالاتفاق كان ضعيفا، وفي سنة 1934م وقعت انتخابات المجالس البلدية (كانت هذه الانتخابات بمنتهى التناحر ولهذا هب المعارضون ونسقوا حزبهم وولوه الرئاسة لان الغرض كان اسقاطه حتى لقد تفاهم جماعة المفتي مع اليهود على ذلك) فخسر راغب بك النشاشيبي كرسي بلدية القدس فاجتمع اصحابه من جميع انحاء فلسطين ونسقوا حزبهم باسم حزب الدفاع وولوه رئاسته، فقابلهم المجلسيون بالمثل ونسقوا حزبهم باسم الحزب العربي الفلسطيني وولوا رئاسته للسيد جمال الحسيني، وكان في البلاد حزب استقلال قد توقف (شكله عوني بك عبد الهادي بإيعاز ومساعدة الملك فيصل الاول ملك العراق) فأعاده رجاله واعتبرت اللجنة التنفيذية للشباب حزبا وقام الاستاذ عبد اللطيف بك صلاح وأعاد تشكيل حزبه (الاهالي) باسم حزب الكتلة وقام الدكتور حسين الخالدي رئيس بلدية القدس بتشكيل حزب باسم حزب الإصلاح، فأصبح في البلاد ست هيئات وقد تخابرت على ان تجتمع وتتفاهم تفاديا من غضب الشعب فكونوا ائتلافا من رؤساء الاحزاب.
وبمجرد اعلان الاضراب وتشكيل اللجان القومية شكل الحاج امين افندي الحسيني لجنة لتقبل الاعانات من الخارج والداخل وتفادياً من التناقض ضموا لجنتهم الى الائتلاف وأطلقوا عليها اسم اللجنة العليا.
وفي 25 نيسان اجتمعت اللجنة العليا برئاسة الحاج امين افندي الحسيني (حتى الساعة لم يكن الحاج امين رئيسا مسؤولا ومنذ الآن اصبح رئيسا مسؤولا) وقررت الاستمرار بالإضراب والقيام بجولة في جميع بلدان فلسطين وأبرقت الى جميع ملوك وأمراء ورؤساء العرب تعلمهم بعزمها وتستنجد بهم.
"تهجم ديزنكوف ورد سليمان بك (ومنذ الان لمعت شخصية سليمان بك واتجهت اليه الانظار واستمر يعمل ويقف مواقف طيبة وقد نفع كثيرين لا سيما في نابلس وجبلها ولكن التحامل كعادته ظل يتابعه الى ان كان الانقلاب في العراق سنة 1957 فقتل هناك اذ كان من وزراء الاتحاد).
في 20 22 (جريدة فلسطين 23 ايار) نيسان شيع اليهود تسعة من قتلاهم الذين قتلتهم عصابة مجهولة (ويترجح انهم انكليز لبسوا ملابس عربية كي يوقعوا بين الشعبين) قرب نور شمس ولما وصلوا امام بلدية تل ابيب وقفوا فألقى الادون مايرديزنكوف رئيس بلدية تل ابيب خطابا تهجم فيه على العرب ونسب اليهم الهمجية والوحشية.
وفي يوم الجمعة الموافق 22 24 (جريدة فلسطين 25 ايار) نيسان خرجت مظاهرات من مساجد نابلس واجتمعت تحت المجلس البلدي فخطب فيهم سليمان بك طوقان رادا على الادون ديزنكوف فنسب العدوان الى اليهود منددا باعتداءاتهم فيما مضى وقد كان لهذا الخطاب دوي كبير محترم لا سيما بنظر الحكومة وقد اختير سليمان بك للرد لان نابلس عربية محضة كما ان تل ابيب يهودية محضة.
"اخلاص البوليس والموظف العربي وانفته"
كان من تدليس (الوطنجية) النفور من البوليس والموظف العربي واتهامه بالخيانة واتهام من يتصل به، إلا ان الحوادث اثبتت خلاف ذلك وان الموظف العربي بوليسا او عاديا لم يكن اقل اخلاصا من اخوانه غير الموظفين بل اشرف من كثير من تجار الوطنية المزيفين (الوطنجية) ولما كان الاضراب وصار الانكليز يغشون منازل العرب للتفتيش كان البوليس العربي يقاوم ويطلب الامهال والتريث فصار البوليس البريطاني يوجه اليه الاهانات وأخيرا اطلق احدهم النار في قاقون فقتل بوليساً عربياً (كان صاحب البيت يصلي الصبح فطلب البوليس العربي الامهال حتى يتم صلاته فأصر الانكليز فقاومه العربي فأطلق الانكليزي عليه النار فقتله) وإذ لم يكن بيد اخوانه بنادق بل هراوات فإنهم لم يقابلوه بالمثل بل انسحبوا وأعلنوا اضراب البوليس في لواء نابلس ومالوا الى ترك الخدمة فنصحت رئيسهم العريف السيد محمود ابراهيم النجمي الغزي (كنت على خلاف اولئك الناس فكنت اصادق الموظفين واتصل بهم واطلع منهم على اسرار كثيرة مما يجري في الدوائر ومنهم هذا العريف وكان نبيلا مخلصاً) بالعدول الى البقاء على ان يطلبوا تبديل الهراوات بالبنادق وان يسيروا وحدهم فلا يخالطوا الانكليز فلبي طلبهم في الحال، وهكذا فقد اظهر البوليس العربي اخلاصا وكذلك سائر الموظفين وقد صاروا يقدمون عشر رواتبهم مساعدة للمضربين.
"التحدي ورد الفعل"
قامت اللجنة العليا بزيارات دورية لمدن فلسطين فكانت تقابل بمهرجانات كبيرة فأوقفتها الحكومة وأنذرتها، وفي 7 ايار قررت اللجنة العربية العليا واللجان القومية الامتناع عن دفع الضرائب فصارت الحكومة تحجز امتعة الناس ولكنها لم تجد من يشتريها وأخيرا وبعد مرور خمسة اسابيع على الاضراب وبدلا من ان تلطف لندن الجو عكرته فأعلنت وزارة المستعمرات منح اربعة آلاف وخمسمائة عائلة يهودية جوازات سفر لفلسطين، فرأيت ان افضل جواب على هذا هو الدعوة لنقل البضائع من الحوانيت الى البيوت، ففي يوم الجمعة 22 أيار اخبرت مراقبي الاضراب بان يغضوا النظر ساعتين وخطبت في الجامع الحنبلي حيث يكثر اصحاب حوانيت الفاتورة وكلفتهم بنقل بضائعهم من الحوانيت الى البيوت، وان الاضراب سيطول لبضعة أشهر، فخرجوا الى حوانيتهم فنقلوا ما فيها الى بيوتهم حيث باعوها ونجحت من العطب واستراح مراقبوا الإضراب، وقد اقتدت باقي مدن فلسطين العربية بنابلس، وقد تداركت بهذا الامر الملايين، والذين لم ينقلوا بضائعهم فقد خسروها وقد استعملنا الدكاكين لإخفاء السلاح فيما بعد.
"مقاطعة اليهود وأثرها"
لم يقاطع العرب اليهود في فلسطين فحسب بل في لبنان وسوريا ايضاً (تولى مراقبة المقاطعة في لبنان لجنة برئاسة السيد معروف صعب زعيم شباب صيدا وقد اصطدموا بالدرك اللبناني فقتل ثلاثة وقبض على معروف صعب رئيسهم، وكذلك في سوريا فقد كان يراقب الاضراب لفيف من الشبان النشطين اصحاب القمصان السوداء برئاسة فخري بك البارودي) فكان لهذا اثره البالغ عليهم لا سيما تجارهم وعمالهم، ومن قرأ خطابات رجالهم شرتوك وابن غوريون وغيرهما يتحقق مفعول هذا السلاح فيهم وحنقهم على العرب وعلى اضرابهم فقد ضويقوا جدا وقد افلس كثير من تجارهم وتعطل كثير من عمالهم.
"احوال العرب في الاضراب"
كان العرب في غاية البهجة والسرور والاتحاد والتضامن وتحدي الخصوم، لقد اقفلوا المقاهي وفتحوا نوادي شعبية (مضافات) وكانوا يخرجون بعد صلاة كل جمعة بمظاهرات صاخبة (وكانوا في المضافات والقرى يدعون سليمان بك لجولات فيخطب في النوادي والقرى ويتلوه السيد اكرم زعيتر فكان لهذا العمل اثره في تهيئة جو لواء نابلس) وفي لواء نابلس منذ البدء كسروا القانون وأصبحوا يبيعون الاشياء الممنوعة في الشوارع علنا كالدخان، وقد فتح الاطباء (وكانوا يتسللون الى الجبال لمداواة الجرحى حتى ان الطبيبين صدقي ملحس واحمد الطاهر كانا يأتزران لئلا يدل سيرهما على مكان الجرحى) عياداتهم للفقراء والمضربين وصار الناس يتزاورون كالعادات السابقة وقد اوقفوا المطالبة بالحقوق وسائر القضايا وصاروا يحلون مشاكلهم فيما بينهم ولم تحدث حوادث مخلة بالأمن (بلغني ان بعضهم طافوا ليلا على البيوت لجمع مساعدات باسم شراء العتاد فحققت عنهم وفي الليلة التالية احرقت براكة المتمادي وانذر بالقتل فانقطع الاخلال بالأمن) وقد ارتفع المستوى الاخلاقي والأدبي ارتفاعا كبيرا جعل البلد في نفسية السلف الصالح رضي الله عنهم، وكانت المجالس والسهرات تشغل بقصص البطولة السابقة واللاحقة وعن حوادث وأخبار قضيتنا وقضايا العالم العربي وكانت الخطابات لا تنقطع وأصبح الجميع يتنافسون في اعمال الخير وقد تبرعت النساء بحليهن (تقاعس الاثرياء عن تقديم الواجب خشية الحكومة في اول الامر وفي رثائي الشهيد السيد داود السلعوس، دعوت المرأة للعمل والتبرع بالحلي مبكتا على المتقاعسين ففعلن واقتدت بنساء نابلس سائر نساء العرب في فلسطين) بالإضافة للأموال لمساعدة المضربين والثوار فيما بعد.
الفصل الثاني
الارهاب والتخريب
"الاعتقاد بعد جدوى الاضراب"
اخذت السلطات تزدري عمل العرب بكل شيء وقامت بسلسلة من التهجم في خطابات المسؤولين بنسبة الهمجية والوحشية والخطأ للعرب من خطاب ديز نكوف الى المندوب السامي الى وزير المستعمرات واخذوا يمنعون رجال العرب من الزيارات والخطابات فأوقفوا تجوال اللجنة العليا وعرقلوا رؤساء البلديات (عقدوا اجتماعهم في رام الله فقرروا الاضراب بحماسة شديدة قضوا بها على ما كان ينسب لهم من التهاون والتراخي) وصاروا يعتقلون الشبان العاملين وصارت الحكومة تلقي النشرات الافسادية من السماء بالطائرات على المدن والقرى العربية، وصارت صحفهم وصحف اليهود تشن الغارات على العرب وتطلب من الحكومة استعمال القوة لحل الاضراب وإيقافه فصار ضعيفو الايمان يهمسون بعدم جدوى الاضراب وصرنا نعتقد بان الاضراب وحده اسلوب ضعيف قد ينتهي على غير جدوى فينبغي ان يصحبه شيء من الارهاب فيكون سلاحاً ذا حدين يخيف ضعيفي الايمان والحكومة.
"الاستعداد للإرهاب والثورة"
قمت بتأسيس جمعية الهداية الاسلامية سنة 1934م للإصلاح الاخلاقي بادئا بمحاربة المسكرات والتدخين وفي نفس الوقت انوي العمل لهدفين سريين وهما الاستعداد والإعداد للثورة، ولحزب سياسي يعمل للتوجيه الصحيح، وقد وفقت لكتم ذلك إلا ان رجال السلطة بدأوا بعد سنة او اكثر يتسائلون ويراقبون فقد قال لي السيد منير ابو فاضل اذكى رجال الامن العرب: "لقد اصبحت تأتي بعد الحاج امين الحسيني في الأهمية، وقال لي السيد سعادة الجلاد الكرمي من ضباط المباحث العرب "لقد راقبناك كثيرا فلم نتمكن من اتهامك" اما انا فقد وفقت الى ضم الاشخاص الذين احتاجهم وقد تفاهمنا على الخطة والعمل لها، وقد اتصلوا بحراس مخزن دائرة الاشغال فحصلوا على (70) اصبعا من الديناميت ومعها الفتيل وعلى مسدس بلجيكي وبنادق صيد صار يتمرن عليها شباب الهداية.
"صنع القنابل والقاؤها بنظام"
كان الحاج رامز خريم (هو حلاق بسيط كانت دكانه بجانب مقام الشيخ بدران) قد تعلم صنع القنابل اليدوية من النوع البسيط من السبعين اصبع ديناميت التي حصل عليها (كان الديناميت يؤخذ برخصة من دائرة الاشغال ومن وجد عنده بدون رخصة او أي نوع من انواع السلاح نكل به وحكم عليه بالسجن والأشغال الشاقة، وكان حارس دائرة الاشغال عبد الجليل الحماد من بلاطة يعطي لرضا عايش) السيد رضا عايش احد اعضاء الهداية الرياضية وكان سواقاً في دائرة الاشغال ولم يكن احد يستطيع القيام بمثل هذا العمل، وقد صنعها الحاج رامز من علب التنك للمربيات ثم من مشاحم السيارات، وهذا يدل على ما كان عليه العرب هنا من العجز والضعف.
وبعد تهديد اللجنة العليا رمى الحاج رامز خريم القنبلة الاولى على مركز بوليس المدينة (مساء يوم 5 ايار 1936 (اللواء 6 ايار)، فجنت الحكومة وضاقت ذرعا بهذه القنبلة لأنها لم تألف مثل هذا العمل وأخذت تهدد اللجنة القومية ورئيس البلدية سليمان بك طوقان فأذيعت نشرة منهم بطلب الهدوء والصبر على الاضراب فتضايق الجميع منها فأشرت بإلقاء اخرى على سرايا الحاكم البريطاني فالقاها الحاج رامز خريم بنفسه (مساء يوم 8 ايار 1936 (فلسطين 10 ايار).
وكان الكل يكره مدير بوليس نابلس المستر فيتزجيرالد الذي اهان القسام بعد موته فرأينا القاء قنبلة كبيرة على داره وكان الحاج رامز قد صنع قنبلة من نوع مشاحم السيارات فالقاها على دار فيتزجيرالد من جهة الشمال (فجرا يوم 10 ايار (الدفاع، 11 ايار) وفر الى الجبل حيث مكث في مغارة ثلاثة ايام بلياليها لان وجهه تورم ولم يكن لديه واقي لوجهه وقد فقد الوزلين.
شعرنا بسرور من الناس اجمعين وشعر البريطانيون بالتطور ورأيت احراج الانكليز اكثر فأشرت بإطلاق النار على بيت مساعد البوليس البريطاني مستر ادمز فأطلقها علي قنازع (مساء يوم 12 ايار (اللواء، 13 ايار) ثم على بيت الحاكم البريطاني من طرف كامل يامين وجماعته مساء يوم 14 ايار (الدفاع، 16 ايار) (هو من الجنود القدماء وكان هو وجماعته ينتسبون الى جماعة اصلاح البلد ثم اتصلت بهم للهداية وكانوا يرابطون في جهة راس العين من مدينة نابلس مدة الثورة فقاموا بواجبات حسنة) فاضطر البريطانيون الى تسفير نسائهم الى الاحياء اليهودية في القدس والى تل ابيب واجتمعوا هم جميعا في بيت مدير البوليس تحت الحراسة وصاروا يلازمون هذا البيت مع غروب الشمس الى الصباح واضطرت الحكومة الى زيادة قطع الجيش فاتت بفرقة انزلتها في المدارس ومنها المدرسة الكائنة في دار الحاج عبد الله الطاهر من الجهة الشرقية وإذ كان موقعها مناسبا اشير بإلقاء قنبلة على حارس الجيش وبعد الغروب بساعة القاها السيدان شحادة التيتي يساعده خليل الباطيه وهما من اعضاء الهداية فأحدثت دويا كبيرا.
ترى هذه الامور تافهة بالنسبة لما حدث بعدها إلا انها في وقتها كانت تعادل معارك كبيرة لأنه لم يسبق ان تجاسر احد على شيء من هذا لا سيما على البريطانيين الذين شمخوا وأذلوا البلاد بغطرستهم وكبريائهم وقد قتلوا الروح الحربية ولم يعد احد يتصور امكان العمل لشيء ارهابي قطعيا.
"توسيع نطاق الارهاب والتخريب"
اعلنت الحكومة منع التجول فأشرت بكسر مصابيح الشوارع لمنع دخول الدوريات الى المدينة ورفعنا الكشافة وتسلم الحراسة الإرهابيون، وأرسلنا من قنابل الحاج رامز عددا الى اعضاء الهداية في طولكرم وجنين فألقوها على دور الحكومة والبوليس.
اعتمدنا في جنين على السيد فارس عبد الفتاح طبيلة ومحمد ابو رقعة (قباطية) وسهو ابو زعرور (نابلس) وعمر الجزرة جنين، ثم قطعنا اسلاك البرق وبث الالغام في طرق سيارات الجيش وقد وصلتنا آلتان لبث الالغام من جماعة عمان فأبقينا واحدة لنابلس وأرسلنا الاخرى الى اللد فوضعت لغما تحت خط القطار مع نزع القضبان فنشأ عنها تدهور قطارات (قام بهذا العمل ثلاثة من بواسل اللد وهم السيد حافظ صقر وكان طالبا في مصر على حساب حكومة فلسطين ولما بلغه ما حصل في بلاده ترك التعليم وجاء للمفاداه وقد استشهد بين ايدي الجنود، والسيدان محمد الدبعي وخليل بدوية) خسرت الحكومة من الجيش من جرائها خسارة كبيرة فاضطرت الحكومة الى حراسة جميع السكك الحديدية في فلسطين فأشغلت قسما كبيرا من البوليس والجيش ثم ابتكرنا لغما من اكواع المواسير وفتيل متصل بمصيدة ملطش.
الفصل الثالث
"الثورة في نابلس وضواحيها"
"الاعتقال والتفتيش"
تأثرت الحكومة المنتدبة بحملات صحف لندن واليهود فلجأت الى العنف فاعتقلت امناء سر اللجنة العليا واللجان القومية في سائر فلسطين لتُشل فيعين غيرهم، إلا ان الناس قد استاءوا جدا وعمت اعمال الارهاب والتخريب انحاء فلسطين فلجأت الحكومة الى تفتيش القرى والبلدان فكان الجند يخرجون ويكسرون كل ما يلاقون من الجرار والأواني ليردوا على التخريب وكان تخريبهم عنيفا جدا لمحلي باب حطة والشيخ جراح في القدس وكان الضابط (سكرست) البريطاني هو آمر التفتيش فتألم شباب الحي المذكور من هذه الاهانات وكان اشدهم الماً الاستاذ سامي الانصاري فرابط حيث يمر الضابط المذكور بسيارته فأطلق عليه النار يوم 11 حزيران 1936 (جريدة فلسطين 14 حزيران 1936) فأصيب سكرست ورفيقه بجراح خطيرة ولكنه تمكن من الرد عليها قبل ان ينزاح الاستاذ من مكانه فأصيب واستشهد فكان لهذه المفاداه وقعها الحسن في نفوس الجميع لا سيما نابلس التي توعدها سكرست بالتفتيش العنيف.
"السلاح والعتاد والتدريب"
لم يقف الامر عند حد وأصبحت البلاد تفور وتتوق الى الثورة وأصبحت الحكومة والسلطة والجيش يتحرشون بالناس واصبح الكل يدعو للتسلح ولم تكن البلاد خالية بالكلية، وأصبح الجميع يعملون لشراء السلاح وجلبه من شرق الاردن عن طريق الغور وكانت الامارة جميعها تساعد عليها لا سيما جمعيتي عمان والسلط وأصبحنا نجمع المساعدات لشراء السلاح والعتاد علناً، وكان بعض الشباب والطلاب يساعدون بعض المدربين فوجد عدد من البنادق مع شبان نابلس وضواحيها وأصبحوا يتدربون على اطلاق النار، وقد قام بإرشادهم عدد من الضباط والجنود القدماء منهم السادة الحاج راغب بدران والحاج رامز خريم والحاج خورشيد الشخشير واحمد كلبونة وحمد الزواتي وقد تحسن الاتصال مع جمعية عمان فكانت ترسل سلاحاً وعتاداً من مساعداتها وقد مد سليمان بك طوقان يده للمساعدة مما كان يصل اليه خاصة من الاعانات فتشجع الكل على العمل وكنت حصلت على ثقة كبيرة اثناء جمعي المساعدات لمنكوبي صفد وأبي طبيخ (هم عائلات المحكومين في حوادث البراق سنة 1929) وفقراء المدينة المنورة فاستطعت جمع المساعدات وشراء السلاح والعتاد وأصبحت اتصل بعمان عن طريق الدكتور قاسم ملحس وغيره (كان الحاج سعيد كمال امين صندوق اللجنة القومية بنابلس فكان ابنه الاستاذ واصف يرسل دفتر وصولات مختوم الى لجنة الاعانة في عمان فيملأونها ويرسلون بالثمن سلاحا وعتادا، ثم توقف لشغب حصل فاضطررت الى السفر بنفسي الى عمان وقد علمت بعد رجوعي بأن فراغا حصل بعد سفري) وأصبحت انفق على المجاهدين لمصروفهم وسلاحهم وعتادهم وبهذا اصبح لدي مجال لتوجيههم وردعهم عن التعرض للناس في نابلس فحسب بل والقرى المجاورة، وقد اخذ عددهم ينموا ولهذا لم يكن بوسعي ذكر أسمائهم جميعا فاقتصرت على الطليعة البارزين.
"العصبة الأولى تطلق الرصاصة الاولى"
كان العمل قاصرا على إطلاق النار على الأهداف وفي الفضاء ولمجرد الإرهاب، ولما اشتدت وطأة السلطة وفرضت منع التجول اتفق بضعة رجال شبان من المسلحين على المرابطة على الطريق العامة في الجهة الشمالية من نابلس الجديدة وصارت تطلق النار على سيارات البوليس والجيش وقد اطلقوا الرصاصة الاولى مساء يوم 23 ايار 1936 داعين الله ان يكسر بريطانيا وكان هؤلاء السادة صادق زكريا وعبد الفتاح شبارو وفوزي الجلاد وراشد الصروان وصبري نصره واحمد المعلواني وصادف مرور قافلة سيارات فيها يهود ومعهم حرس اطلقوا عليهم النار وإذ لم يكن معهم إلا عدد محدود من الطلقات فقد عادوا أدراجهم إلى المدينة وأصبحوا يرابطون كل ليلة في جهة خلاف الأخرى بعد سد الطريق بالحجارة فيطلقون عددا من الطلقات فيجابون بالمثل ويصدر بلاغ من السلطة بإنكار حدوث أي ضرر.
"اول الضحايا والأيام القاسية"
تألم الانكليز لخروج العصبة الأولى قبل الغروب بنحو ساعة فنزلت مفرزة معها مدير البوليس فيتزجرالد لمراقبة منع التجول إلا انه كان يتحرش بالمارين موجها لهم الاهانات فأطلق عليهم وديع الدايه احد الشبان النار فأدارت الدورية وجهها وأطلقت النار على المارة فاستشهد السادة: حسني حماد وفوزي الطاهر وبكر الانيس وجرح السادة: "صالح حمدان وأمين الدلع وعادل الجوهري وراشد ابو زهرة ومحمد الزربه وفائق ابو صفية. (مساء يوم 23 ايار 1936 (الدفاع وفلسطين25 ايار).
وقد باتت نابلس ولهى ثكلى وفي الصباح 24 ايار اتى القرويون وعادوا يخبرون مع التهويل، وفي ضحى النهار هاجم المجاهدون من عصيرة اماكن الجند في المدارس والمحاكم فاصلوهم وابلا من الرصاص فكانت ساعة رهيبة جدا، وبعد الظهر شيعنا الشهيدين فوزي الطاهر وبكر الانيس مع التأبين (ابنتهم انا والاستاد عبد اللطيف بك صلاح رئيس اللجنة القومية والسيد وليد صلاح والسيد جمال القاسم) الى المقبرة الشرقية وبعد العصر شيعنا الشهيد الثالث حسني افندي حماد الى المقبرة الغربية مع التأبين وسارت الجنائز بمهرجانات حببت الى الشباب الاستشهاد وقد دعوت والأستاذ وليد صلاح الناس للتفرق وعدم السير بمظاهرات (اصبح الانكليز بحالة صرع فقد اطلقوا النار على مظاهرة قروية في قضاء جنين فاستشهد السيدان حسني وتوفيق ال ارشيد وفي غزة السيد عز الدين ابو شعبان فرأينا ايقاف المظاهرات ما دام المجاهدين قد تظاهروا بسلاحهم في الجبال).
"التعاون بين مجاهدين القرى والمدينة"
اتصل المجاهدون في المدينة والقرى المجاورة لا سيما عصيرة وزواته ورفيديا وبيت ايبا وصاروا في كل ليلة يرابطون في موقع على طرق المدينة وهي: زواتة، وادي التفاح، القشلة، عين الصبيان، طاحونة الخراشينة، وعين كفر قليل فكانوا يسدون الطريق بالحجارة فإذا وصلت السيارات اضطرت الى الوقوف لرفع السد فيطلقون عليها النار او يفجرون الالغام فتصاب السيارات ومن فيها بإضرار إلا انهم كانوا يغسلون الدم عن الطرقات ويعلنون عن عدم حدوث شيء "لم يحدث ضرر". ولم يقتصر الامر على المرابطة على الطرقات بل انهم كانوا يباغتون اماكن الجند وقد باغتوا مخيم "مفرزة جديده" فأصابوا منها مقتلاً فكان جعير الجرحى يسمع من بعيد ومع ذلك كان البلاغ يصدر بعدم حدوث أي ضرر فأصبحت كلمة "ولم يحدث ضرر" مدار تبكيت على افواه العرب جميعها حتى الاطفال.
وكان الرؤساء في هذه الاعمال السادة: حمد الزواتي وارشد الصروان والحاج رامز خريم وصادق زكريا وكامل يامين واحمد كلبونة وغيرهم إلا انهم لم يكونوا على شيء من التمرين والفن العسكري فكان سيرهم على شيء من الفوضى وكنت اراقب وأفتش وأباغت فتوقعت حدوث ما يحزن ويؤسف لأنهم لم يصغوا لنصحي ونصح الحاج راغب بدران (المقعد اذ ذاك) واحد رجال الثورتين العربية والسورية.
"الصدمة المحزنة والفرح السريع"
نما عدد الثوار المجاهدين فطمع احد قادتهم السيد صادق زكريا (هو ابن تاجر الفاتورة الحاج رشيد زكريا كان من أعضاء الكف الأسود التي تشكلت في شرق الأردن لاغتيال البريطانيين ولما انكشف امرها لم يعترف بشيء رغم ما انزل به من التعذيب والإهانات وفي هذه المرة ترك بندقيته هو وصاحبه بعيدا ولم يحكما بالإعدام بل حكما بضع سنين لأنهما قررا بأنهما كانا نائمين في هذه البقعة اذ انهما كانا تأخرا ولم يتجاسرا على الرجوع خشية نظام منع التجول ثم اطلقا بعد انتهاء الحوادث واستمرا على جهادهما) المجاهد الباسل الى المرابطة العلنية حتى النهار ليختبر الموقف فطوقهم الجند يوم 20 حزيران 1936 (جريدة فلسطين، الدفاع 22 حزيران 1936) وكان عددهم (750) جنديا ولما شعروا بالطوق اخذوا بالانسحاب وبقي ضمن الطوق ستة فاستشهد اثنان وهما الشهيدان محمد بشير الشيخ ياسين وداود السلعوس واسر السيدان صادق زكريا واحمد المعلواني وتفلت السيدان فوزي الجلاد وعبد الرحيم محمد المسعود الرفيدي ونجيا بمساعدة امرأة من ال سويسة وهي فاطمة بنت رشيد سويسة، وكان لهذا الأمر رنة أسى في نفوس الجميع وأصبح واجبي العمل السريع لرفع المعنويات وفي تأبين الشهيدين أعلنت ان استشهاد اثنين لن يؤثر على الوضع لان في نابلس ثلاثة آلاف باسل من الذين شهدوا الحروب والثورات ومثلهم من الشباب الجدد وقد دعوت المرأة إلى الاشتراك والتبرع، إلا أن المعنويات عند المجاهدين في نابلس قد انخفضت وعبثا حاولت إقناعهم بالخروج وكنت أتحول وانتقل بصورة غير عادية اذ كنت أخشى أن يتجاسر الجيش على نابلس ويفهم انه لم يبق احد من المجاهدين.
وبينما كنت في اشد الضيق وصلني رسول العصبة الباسلة من بواسل غور الجفتلك وكانوا احد عشر مجاهدا بقيادة الشاب الباسل السيد عبد الرحمن بن الشيخ خليل السميرات (هو ابن الشيخ عبد القادر خليل السميرات من عرب المساعيد في غور الفارعة وهو الذي جهزهم ودفعهم إلى الجهاد واستمر يجهز ويسلح حتى آخر الإضراب) وهم يحملون سلاحا جديدا وهم يريدون رأيي فأرسلت لهم تكليفا بمباغتة ثكنة الجند (السجن اليوم) وان لا يقتربوا من نابلس بل يرجعوا بعد إطلاق النار، وبعد الغروب بساعة دوى رصاصهم على قشلة الجند والمواقع في الجبهة الشرقية فاحيوا القلوب وإنني حتى تلك الساعة لم اسر كسروري بهذه النجدة، وقد استمروا في الجهاد إلى ان استشهد السيد عبد الرحمن في معارك فوزي بك القاوقجي الآتية.
"تأثير ما حصل على شبان القرى في اللواء"
كان لاستشهاد أبناء مدينة نابلس وأسرهم وقعا بعيدا في نفوس شبان القرى اذ لم يُصَدِقوا ان أبناء المدينة يخرجون إلى الجبال ويظلون في قتال مع الجيش حتى النهار، فكان هذا تحديا عظيما لهم فتباروا وتنافسوا لاقتناء السلاح والتدريب عليه والمرابطة على الطرقات وعمت الحماسة جبل نابلس جميعه وبهذا كان لفقد هؤلاء فوائد ونتائج عظيمة فانطبق مفهوم الآية: "وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً"
"تفجير أنابيب البترول"
فطن المفكرون لتفجير انابيب البترول العراقي وكان لشركة بريطانية فذهبت فرقة من شبان قرى جبل نابلس (عرف من السادة: احمد بن عبد الله الصلاح (بيت فوريك) ومحمد سعيد القصقوص ومناور الفوريكي وقد ارسلهم الدكتور مصطفى البشناق معتمد الحاج امين الحسيني اذ ذاك بدلالة السيد فايز خويره وساعدهم في بيسان السيد يوسف عبد الفتاح آغا طوقان الذي كان ينزل هناك في بيارتهم التي اشتروا اراضها لإنقاذها من براثن اليهود) فأطلقوا الرصاص من بنادقهم على الانابيب فتفجرت وأشعلوا فيها النار فكان لهذا العمل تأثير كبير شغل بال الانكليز فاضطروا الى حراسة الانابيب من حيفا الى الصحراء عدة سنين.
الفصل الرابع
"اتساع نطاق الثورة"
"في قضاء جنين"
على اثر اطلاق الانكليز النار على المظاهرة واستشهاد ابناء ارشيد يوم 28 ايار 1936 (جريدة الصراط المستقيم، 1 حزيران 1936) ثار القضاء واتفق ال ارشيد مع فخري بك عبد الهادي (ظهرت بسالته منذ العهد العثماني اذ خرج على القانون في ذلك العهد وهو رجل باسل جداً) على المرابطة للجيش لأخذ الثأر فرابطوا للدوريات والسيارات الانكليزية واليهودية في وادي دعوق ومواقع حريش وجبع والفندقومية وقباطية ووادي عارة وعرعرة.
ثم خرج السيد فوزي الجرار بفوج من المجاهدين وصار يهاجم المستعمرات والقوافل اليهودية ودوريات الجيش في المواقع الاتية: عين حارود (في مرج ابن عامر) وعين دور (قرب العفولة) وغيرها من مواقع جنين وهو من جماعة المفتي الحاج امين الحسيني.
"في وادي الشعير" (الوادي الكبير الواقع بين نابلس وطولكرم وهو يقسم الى شرقي وغربي وتقع عنبتا في منتصفه)
كان السيد عبد الرحيم الحاج محمد قد تورط مع اليهود في مشكلة فطورد من الحكومة فهاجم المستعمرات اليهودية وخرج على الحكومة قبل الحوادث ولما حصلت الحوادث ضم اليه آخرون (وكان يستمد العون من طلاب نابلس بواسطة ابن اخته السيد رفعت النمر والاستاذ قدري طوقان ثم من سليمان بك طوقان) وصار يرابط على الطرقات ثم اتصل بالسيد عبد الحميد المرداوي والسيد ابراهيم النصار من رجال الوادي فقاموا بأعمال مشتركة وتولى امر التنظيم السيد ابراهيم النصار (عنبتا) وكان من رجال الجيش العثماني فالثورة العربية فقاموا بالمرابطة في المواقع الآتية: عقد السبوبة ولية بلعا والمنطار وراس العين ووادي عزون وكفر صور ثم قاموا بمعارك منظمة اهمها معركة نور شمس يوم 23 ايار 1936 (جريدة فلسطين، الدفاع 25 ايار 1936) المشهورة التي قام بتنظيمها السيد ابراهيم النصار حينما بلغه خبر مرور الجيش الاتي من حيفا الى نابلس وكانت معركة عظيمة بدأت في النهار ودامت الى الليل وبلغ امتدادها مسافة عشرة كيلو مترات شرقاً وقد اشتركت فيها الطائرات البريطانية التي اسقطوا احداها وقد خسر فيها الانكليز عدداً كبيراً منهم ولم يستشهد من المجاهدين إلا اثنين وجرح بضعة مجاهدين، حدثني المجاهد الباسل السيد ابراهيم النصار عن هذه المعركة فقال: وردتني كمية من الفشك وبطاقة من سليمان بك طوقان يذكر فيها ان فرقة من البحارة الانكليز ستمر اتية من حيفا الى نابلس فرابطت لها، بدأت المعركة بعشرة اشخاص الساعة الواحدة بعد الظهر وتوالت علي النجدات وقد جعلت بين كل واحد وآخر عشرة امتار وبعد اقامة سدود وصل الجيش فأطلقنا عليه نيران بنادقنا وهم يجيبون وقد استمر امتداد السدود والمرابطين الى مسافة عشرة كيلومترات وقد دامت المعركة تسع ساعات وقد بلغ عددنا المئات وتكبد الجيش البريطاني خسائر منها طائرة اسقطناها ولم نخسر سوى شهيدين وبضعة جرحى.
"في مشاريق نابلس"
وجد في هذا الوقت شابان من قرية عقربا وهما خميس المصطفى وعبد الله البيروتي كانا على جانب من البسالة والتدريب على السلاح وكانا مطرودين للحكومة بثارات وقد انضم الى كل منهما جماعة من ابناء المشاريق إلا ان مرابطتهما كانت قليلة، ولما انتقلت الى عمان (كان المجاهدون يراقبون مستر فيتزجيرالد لقتله انتقاما للقسام ولشهداء نابلس وكان لا يغادر بيته وفي احدى الليالي خرجت سيارته الى مركز البوليس فأطلق الثوار عليها نيرانهم فلم يصب فأنذرت الحكومة سليمان بك واللجنة القومية بنسف البلد ان تكرر هذا فانذروني بإخراج الثوار فوقع سوء التفاهم بيننا فأحرج موقفي وكشفت مؤامرة لحل الاضراب لقاء مبالغ من اليهود ففضحتها فأحرج موقفي ثانية وحصل سوء تفاهم بيني وبين جماعة عمان فوجدت انني اذا لم اخرج اعتقلت فخرجت على الخيل الى عمان.) اعتمدت الرجل الامين السيد احمد المحمود الجوريشي لنقل العتاد (كان الحاج امين الحسيني اعتمد عادل بك العظمة وإخوانه من الاستقلاليين لشراء السلاح والعتاد ولما وصلت الى عمان اشتركت معهم بتوصية من سماحته فاتفقنا على امداد المشاريق قبل كل شيء وبعدها لنابلس بواسطة الشيخ محمود العودة والسيد سليمان ابو عصبة (من عصيرة)) الى مشاريق نابلس فسلمه لهم فأصبحوا يرابطون على طريق القدس نابلس طيلة ايام الثورة بقيادة الباسلين المذكورين فكان لهذا العمل اثر كبير لان طريق الساحل اليهودية لم تكن انشئت وكانت قوافل سيارات اليهود والحكومة والجيش مضطرة للمرور من هذه الطريق الى شمال فلسطين لا سيما الى حيفا، وقد تحركت طوباس وناحيتها وصاروا يرابطون على الطرقات فحصلت معارك تل الحمة وجسر ابي الفيران ووادي الباذان وغيرها من المواقع التي كان لها اثرها ودلت على التهاب جبل نابلس جميعه بالثورة.
وقد كان لالتهاب مناطق المشاريق بالثورة اثرها لجوارها للغور وطرقاته التي يهرب منها السلاح والعتاد.
"في باقي فلسطين"
ظهر بعض الثوار في جهات صفد فحصلت معركة الطواحين غربي صفد وقد هاجموا مستعمرة نجمة الصباح، وخرج الشيخ عبد الحفيظ ابي الفيلات في جبل الخليل فاستشهد في المعركة الأولى، ودخل منطقة بيت لحم سعيد بك العاص (اجتمعت بابي سعاد (سعيد بك) العاصي في عمان فسألته عن موقفه من ثورتنا فقال انني انتظر تصديق المعاهدة السورية والحكم الوطني فادخل فلسطين فاذا حكمت بالإعدام رجعت الى سوريا فيكون قد صدر العفو عني فنصحته بعدم دخول فلسطين لأنه مراقب ولان قاتله يدخل معه وهذا ما حصل بالفعل، الا ان عبد القادر بك الحسيني حمسه واتفقا على الدخول والاشتراك) بدلالة عبد القادر بك الحسيني فاصطدما بالجيش البريطاني فاستشهد سعيد بك وجرح عبد القادر بك وحصلت معركة المطلة على حدود سوريا ومعركة حلحول في قضاء الخليل، وقد اتهموا يافا بتهريب السلاح والعتاد من ساحل البلدة القديمة فنسفوها بالديناميت بصورة لم تسبق.
الفصل الخامس
"اشتراك العالم العربي في الجهاد"
(بانتقالي الى عمان فدمشق ولبنان اطلعت على احوال العالم العربي جميعه فوجدت ان امارة الاردن تعمل لثورتنا وقضيتنا حكومة وشعبا فالموظفون يقدمون عشر رواتبهم وأهل اليسار يجمعون المساعدات من وقت لآخر ويشترون السلاح والعتاد ويرسلونه لفلسطين حتى ان سيارات اصحاب السمو طلال ونايف ووالدهم كانت ترسل لسوريا وبيروت لتغير لونها وترجع مشحونة بالسلاح والعتاد، اما في العراق فإنهم شكلوا لجنة باسم جمعية الدفاع عن فلسطين برئاسة سعيد بك ثابت وعضوية كل من السادة عبد اللطيف كمال ونعمان العاني وسليم ثابت وإبراهيم عطار باشي، وقد قاموا بجمع المساعدات والحض على التطوع وعملوا لحل القضية واستمروا يعطفون علينا، اما سوريا فقد كانت تجمع المساعدات والمتطوعين إلا انها لم تظهر حماسة لان المستشار دافيد اليهودي في حلب كان يضغط عليهم وكانوا في دور الحصول على معاهدة، انما الذي ادهشني اهتمام الحوارنة فقد كانت تبرعاتهم تعادل سوريا جميعها وكانوا يساعدون المارين من الفلسطينيين وذلك لان مظاهرات يافا ثم الاضراب انما وقعت بعد قتل اليهود اثنين من حوران وباشتعال الثورة اصبحوا يهاجمون القوافل والمستعمرات اليهودية، اما في لبنان فكان يجمعون التبرعات وقد هب شبابهم لضبط المقاطعة وكانت صحفهم تحمل حملة شعواء على بريطانيا وقد تطوع للجهاد نخبة من ابنائهم بقيادة حمد بك صعب فانضموا لجيش فوزي بك، اما مصر فكانت هادئة في بادئ الامر الى ان عقدت معاهدتها مع بريطانيا فهبت حكومة وشعبا تحمل صحفها وتقوم هيئاتها بجمع التبرعات وإرسالها اما اليمن والسعودية والكويت فقد قامت فيها المظاهرات وجمعت التبرعات ورغم شدة الاستعمار على المغرب العربي فإنهم هبوا يتظاهرون ويحتجون ويتبرعون منذ سنة 1929م لان حوادث البراق قامت ولأن البراق بجانب زاوية سيدي ابي مدين المغربي فكان لحركاتهم وأعمالهم تأثيرها في الضغط على فرنسا التي لم تكن تقل في عطفها على قضية اليهود من بريطانيا)
كان الوفد العراقي الذاهب ليدرس حالة سوريا ومصر بعد تحركهما مر عن فلسطين فقال له احد الخطباء الفلسطينيين: "انقذونا يا قوم فقد كاد اليأس يقتلنا وتذهب ريحنا" فرد عليه سعيد بك ثابت رئيس الوفد: "لا تنتظروا ان نأتيكم بتجريده ابدأوا انتم وعلينا الباقي". ولما تأكد العراقيون لا سيما حزب الاستقلال من جِدنا وثورتنا هبوا يعملون لنجدتنا فأقالوا فوزي بك القاوقجي من الجيش العراقي (هو من طرابلس الشام كان قائد درك في حماة في الثورة السورية فاحتل الدرك للثورة وظهر اسمه ثم ذهب الى العراق فتوظف هناك) ورأسوه قيادة المتطوعين لجهاد فلسطين وقد ضموا اليه عددا من المتطوعين العراقيين واتصلوا بإخوانهم في شرق الاردن وسوريا ولبنان يجمعون المتطوعون ويعدون السلاح والعتاد.
وفي عمان قام بالعمل للتطوع والجهاد عادل بك العظمة ومنصور بك قداره (مدير فرع البنك العربي) وهو من طرابلس الغرب وطاهر بك الجقة والأستاذ محمد علي دروزة وسليمان باشا السودي والسيد عبد الله ابو قوره وسعد الدين اغا المهايني والشيخ قاسم الامعري والحاج خليل العزيزي وفي نفس الوقت كانوا يتصلون بالحاج امين افندي الحسيني في القدس وبالحاج اديب خير في دمشق للتطوع والسلاح، وكانت الحكومة والأمراء يعطفون ويمدون الثورة.
"العمل لإدخال المتطوعين الى فلسطين"
لما خرجت الى عمان كنت انوي قضاء بضعة ايام ثم اذهب الى دمشق فالسعودية ولما اتصلت بالاستقلاليين وتبينت الموقف والاستعداد اقنعوني بان وجودي في عمان ضروري جدا لا سيما ان شباب فلسطين قد تقدموا طائعين للاعتقال ولم يبق من يساعدهم، لقد اقمت في عمان وصرنا نجتمع في بيت عادل بك العظمة وقد حضر اجتماعنا الاول بعض اشخاص عن صفد والقدس والخليل فأقنعت الجميع بإدخال المتطوعين الى المنطقة الشمالية من جبل نابلس فقط، ووافقوني على تغيير الطريق عن عمان الى اربد طوباس مع اعتماد السيد امين المحمود من طوباس على ان يدخل مع المجاهدين اشخاص من القرية التي سيحل بها المجاهدون كأدلاء ومعرفين فوافقوني وكلفوني لإحضار الاشخاص الذين ارغب بهم لهذا الامر.
فأرسلت فأحضرت الشيخ محمد العودة والسيد سليمان ابو عصبة من عصيرة الشمالية والسيدين جميل الفارس والعبد الصادق (من طلوزة) والحاج رشاد زيد والسيد رشيد العينبوسي من طوباس، وقد خرجت ومعي بعضهم من عمان الى اربد (حاول عادل بك العظمة اقناعي بالدخول مع المجاهدين فأكدت له بان صحتي لا تتحمل العيش في الجبال وانه حالما ينكشف امري يقبض علي وتهدم دورنا وتنكب عشيرتنا فلا ينتج إلا الضرر اما بقائي طليقا فأنني اعمل للقضية جهدي، وبالفعل فان عمان عجت بذكري ومراقبتي فخرجت الى اربد وفي اليوم الثالث من وصولي طلبني صدقي بك القاسم وابلغني انه قد وصله عشرة تقارير تتهمني بإثارة المنطقة وانذرني بالخروج – وكنت رتبت التسلل الى دمشق بواسطة سعدي اغا المهايني – فطلبت سليمان باشا السودي من عمان وسلمته الرجال المذكورين اعلاه وسافرت الى الرمثا فنزلت على ابناء فواز باشا البركات فأعطوني دليلا سار معي الى حدود درعا ثم دخلت درعا فالميدان بدمشق فبقيت شهرا لم يدلوني على عمل الى ان نزلت الى معرض دمشق فاجتمعت بالسيد كامل البني وكيل جريدة الايام فقدمني لمحرر الجريدة فصرت اكتب فيها وفي القبس وفي الف باء وفي الجريدة بتواقيع مستعارة، وقد زرت القنصلية السعودية وحاولت التفاهم مع رشيد باشا الناصر فلم اتمكن ثم جاء قائمقام جده ليودع فارس اغا المهايني فخلوت به واعلمته امري فدلني على بيته فذهبت وهناك سلمته رسالة شديدة لجلالة الملك عبد العزيز بن سعود كان لها وقع شديد في نفسه فأرسل يستخبر عني من الامير شكيب في سويسرة وهذا ارسل يستخبر من نابلس، وفي دمشق ايضا كنت اعمل مع العاملين لتوريد السلاح ولإنقاذ من تورطوا بسببه الى ان انتهى الاضراب فعدت الى نابلس.) ووافقني الباقون الى اربد ايضاً، وقد سلمتهم لسليمان باشا السودي فأنزلهم في بيته في سما الروسان فانتظروا عشرين يوما حتى وصل فوزي بك القاوقجي وجيشه المكون من لبنانين وعراقيين وسوريين وأردنيين فساروا معهم الى فلسطين.
اما انا فلم أتمكن من البقاء في اربد سوى ثلاثة أيام فذهبت مهربا الى دمشق فنزلت في بيت رئيس اقاربنا القدماء فارس اغا المهايني نحو ثمانين يوما مكرما اعمل للقضية.
"دخول فوزي بك وتنظيماته"
لما استكمل فوزي بك معداته ورجاله ومعه امين سره حميد بك سليمان العراقي وجميل بك شاكر وقاسم بك الكردي العراقيين والشيخ محمد الأشمر الدمشقي الميداني وحمد بك صعب من الشويفات بلبنان ومعهم نحو (150) متطوعا وقد لحق بهم السيد منير الريس الصحفي الدمشقي والسيد بهاء الدين الطباع الخبير بالإسعاف ودخلوا عن طريق طوباس واختاروا (ياصيد) لتكون مركزا لهم وبمجرد استقراره فيها انشأ مكتبا مركزيا وفرعا للاستخبارات وصار يصدر بلاغات رسمية (صدر البلاغ الأول في 11 جمادى الآخرة سنة 1355هـ الموافق 28 اب سنة 1936م) وقد تفاهم مع قواد الثورة المحليين فعين فخري بك عبد الهادي نائبا له ووزع باقيهم (وهم السادة عبد الرحيم الحاج محمد وعبد الحميد المرداوي وإبراهيم النصار) على المناطق حسب الخطط العسكرية وقد سير العمل حسب خرائط كان يرسمها وقد وفد عليه وجهاء القرى وتفاهموا معه وقد قبض على ثلاثة جواسيس (عقدت هذه المحكمة برئاسة فوزي بك وعضوية الشيخ محمد الأشمر وفخري بك عبد الهادي والسيد عبد الرحيم الحاج محمد وقد نفذ الحكم بواحد ومات الاخران من الضرب) فحاكمهم وحكم عليهم بالإعدام فقضى بذلك على الفساد في مقره.
"معارك فوزي بك"
رابط فوزي بك بجيشه في مواقع اختارها ونظمها تنظيما عسكريا فوقعت المعارك الآتية: بلعا وجبع وبيت امرين وكفر صور وقام قواد الفصائل بمعارك منفصلة فهاجموا مراكز القيادة البريطانية في نابلس وبعض المستعمرات اليهودية في قضاء جنين فحصلت معارك المراح وعين حارود وتل يوسف والدلهمية، وللتخفيف عن جبل نابلس قام المجاهدون بمعارك في اطراف فلسطين فحصلت معارك حلحول والجاعونة وترشيحا ومستعمرة جسر المجامع، ولقد كان لهذه المعارك اثرها وما كانت تبدأ المعركة حتى تتقاطر النجدات من كل صوب، وقد حاول الجيش تطويق فوزي بك ومن معه من المجاهدين مرارا بقوى الجيش بكامله ففشلوا لان الجيش كان حالما يعمل للتطويق يفاجأ بالنجدات من ورائه، وكان الجيش البريطاني قد بلغ أربعين الفا وقد الغيت مناوراته في لندن وعينوا له الجنرال دل من كبار قوادهم، وقد اضطر الى ذكر خسائرهم في الأرواح والأموال لان بلاغات الثورة كانت تفضحهم.
"خروج فوزي بك ومن معه"
بعد شهر ونصف من دخول فوزي بك لفلسطين صدر نداء الملوك فانسحب فوزي بك ورجاله ومعهم بعض قواد وثوار البلاد ونزلوا في كفر سوم من لواء اربد وقد انسحب بعزة وكرامة تشيعه أفواج البلاد من جميع الجهات، فحصل التفاهم مع الإنكليز على خروج فوزي بك دون ان يعرض لهم او يعرضوا له بسوء الا انهم نكثوا ورابطوا له في طريقه فبلغ الخبر ثوار البلاد فتطايروا لنجدته من كل صوب فاضطر الجيش الى فتح الطريق له بعد مخابرات مع المندب السامي وقائد الجيش قامت بها اللجنة العربية العليا وسليمان بك طوقان، ثم الح الإنكليز بخروجهم من شرق الأردن فانتقلوا الى سوريا والعراق فاستقبلوا استقبالا رائعاً.
"أحوال البلاد اثناء اشتداد الثورة"
كان الجيش يغطي فشله وعجزه بالتحرش بالمدنيين بالاعتقال والتطويق فاعتقلوا أمناء اللجان القومية مراراً واعتقلوا جميع من امكنهم اعتقاله من الرجال العاملين حتى ملأوا معتقلات صرفند والمزرعة (في عكا) (كانوا يتقدمون فرحين وقد تفننوا في اطلاق اللحى ولبس الكوفيات والعبي واخذ الصور ولم تنتفع الامة منهم بشيء) وقد وجهوا لومهم وتسلطهم على سليمان بك وفي بعض الليالي ولما كثر اطلاق النار على مركز القيادة اخذوا سليمان بك من بيته ووضعوه على سطح مركز القيادة معرضا للخطر قائلين له اسمع أعمال قومك.
الفصل السادس
إيقاف الاضراب والثورة
"المساعي الأولى"
بدأ السعي لوقف الاضراب المندوب السامي البريطاني مع اللجنة التنفيذية العليا فحاول اقناعهم بوقف الاضراب واعداً بمجيء لجنة تحقيق ملكية ذات صلاحية عالية حسب التقاليد الإنكليزية فاعلموه ارتيابهم باللجان مهما كانت ثم وسطوا سمو الأمير (الملك) عبد الله بوعد اللجنة الملكية فطلبت اللجنة العليا وقف الهجرة اليهودية حالا كدليل على حسن النية فلم يوافق المندوب على هذا، وسترا على نجدة فوزي بك ورجاله التي بدأت من العراق اعلن الغازي والهاشمي (كان على الوزارة العراقية ياسين باشا الهاشمي المعروف بإخلاصه للقضية العربية وعلى عرش العراق الملك غازي المعروف بجرأته وعدم مبالاته بالإنكليز) عزمهم على ارسال نوري باشا السعيد للتوسط باسم العراق، وكان قد مر على الاضراب أربعة اشهر فطلب وقف الاضراب على وعد مؤكد وقد نزل نوري باشا السعيد ضيفاً على المندوب السامي ليوجد الريبة وكان يتصل باللجنة العليا، وبعد مفاوضات اشترك فيها سمو الأمير فوافقوا على وقف الاضراب بتعهد من الملوك، الا ان الإنكليز انكروا توسيطهم نوري السعيد بالكلية، وقد بيتوا قمع الثوار بالقوة فزادوا الجيش واتوا بالجنرال دل واستمرت الثورة.
"وساطة ملوك العرب"
لقد عم الاستياء من الإنكليز ومراوغتهم واشتدت الثورة والاضراب وحصلت معارك كبيرة بعد مجيء فوزي بك فأتى الإنكليز عن طريق جلالة الملك عبد العزيز ال سعود فابرق الى اللجنة العليا والى اخوانه ملوك العرب بموافقة الإنكليز على اصدار نداء بوقف الاضراب والثورة بنداء يصدره ملوك العرب مع استعداد الإنكليز للنظر في مطالب عرب فلسطين فأجابت اللجنة العليا بالقبول وخابر جلالته اخوانه لوضع الصيغة المناسبة للنداء.
"النداء الملكي"
القدس: بواسطة رئيس اللجنة العليا
الى أبنائنا عرب فلسطين:
لقد تألمنا كثيرا للحالة السائدة في فلسطين فنحن بالاتفاق مع إخواننا ملوك العرب والأمير عبد الله ندعوكم للإخلاد للسكينة حقنا للدماء ومعتمدين على حسن نوايا صديقتنا الحكومة البريطانية ورغبتها المعلنة لتحقيق العدالة، وثقوا باننا سنواصل السعي في سبيل مساعدتكم.
9 تشرين اول سنة 1936
يحيى عبد العزيز غازي عبد الله
"وقف الاضراب والثورة"
بمجرد وصول النداء الملكي اجتمعت اللجنة العليا فقررت اصدار نداء من طرفها مناديه بوقف الاضراب والثورة منذ فجر اليوم السادس والعشرين من رجب سنة 1355هـ الموافق لليوم الثاني عشر من شهر تشرين الأول سنة 1936م فبعد صلاة الصبح خطب رؤساء اللجان في المساجد حامدين الله تعالى على وقف الاضراب والثورة بهذه الخاتمة المشرفة فخرج الناس الى حوانيتهم واعمالهم.
الفصل السابع
حصيلة الاضراب والثورة
"الخسائر في الأرواح والأموال"
بلغ عدد شهداء إرهاب وثورة عام 1936 مائتي شهيد وعدد الجرحى تسعمائة جريح والأسرى سبعة (وهم صادق زكريا ومحمد المعلواني وقد مر ذكرهما والسيدان محمد الحاج اسعد (العصيري) وعادل رزق المصري وقد حكما اعداما ثم انزل الى المؤبد ثم عفي عنهما والسيد عبد الفتاح الأسمر (من نابلس) وقد قبض عليه بسلاحه في قضاء طبريا لأنه كان من الذين يرابطون في قضاء صفد فحكم مؤبدا وبعد قضاء مائة شهر في السجن عفي عنه، وشخص اخر من سوريا من قرية المزة حكم بالإعدام ونفذ الحكم فيه اذ لم يفطن اليه احد واسر السيد عبد القادر الحسيني وهو جريح وقد ساعده شبان نابلس على الفرار من المستشفى اما المعتقلون فقد افرج عنهم بمجرد انتهاء الاضراب بالتدريج فكان الناس يتوافدون للسلام عليهم كالحجاج). وهي تعادل ربع خسائر الإنكليز واليهود او اقل اما الخسائر المادية فلا تحصى فان اضراب البلاد جميعها وتعطيل الحركة افلس بسببها كثير من أصحاب المصالح والتجار وقد نسف على حدود تل ابيب 99 دارا للعرب ونسفت في يافا القديمة (220) دارا واثناء تفتيش الجيش للقرى والأحياء (فتش الجيش على هذه الصورة القرى الاتية: قولة، وكريمات، وعابود، وعلما، وعاقر، ودير نظام، وبيت امرين، وبرقة، وقاقون، وقد فتش حي الشيخ جراح وباب حطة في القدس وكان الجيش ينوي تفتيش نابلس فانذر سليمان بك القائد بواسطة المندوب السامي بان تفتيش نابلس ينتج عنه حرب شوارع فعدل عن التفتيش) كان يكسر ويسيء فلا تقدر الاضرار التي نتجت من عنفه، وقد نسف الجيش على اثر التفتيشات نحو مائة دار في مختلف انحاء فلسطين.
"ميزات ثورة واضراب 1936م"
في هذه الفترة بلغت نفسية الشعب العربي الفلسطيني من السمو ما جعله في عهد كعهد السلف الصالح رضي الله عنهم، فكانوا من النبل والإخلاص ما لا مزيد عليه فكان التعاون والتضحيات لا تنقطع وعلى اتم قصد وقد انقطع الفساد واصبح الكل يتطلع الى الاعمال، وقد أغلقت الخمارات والمقاهي ولازم الجميع أماكن العبادة والمجالس الشعبية، وقد ختمت بتعهد الملوك فاشتركوا في المسؤولية وهذا هو هدفنا من الاضراب والثورة، اذ لم نكن نطمع بالقضاء على بريطانيا واليهود بل من اجل مطلبنا ان نسمع صوتنا للعالم الخارجي، وأصبحت قضيتنا عربية كبرى اذ انضمت مصر بعد ان وقعت المعاهدة البريطانية المصرية كما سيتبين.
الباب التاسع
"مكايدة الانكليز وغفلة العرب"
الفصل الاول
"نكسات الانكليز وتغاضي العرب
"نكستهم بوجه اللجنة الملكية"
ولما كانت اللجنة الملكية في طريقها الى فلسطين اعلن وزير المستعمرات البريطاني في البرلمان عدم توقف الهجرة الى فلسطين اثناء عمل اللجنة الملكية وعلى هذا قررت اللجنة العليا مقاطعة اللجنة الملكية إلا ان ملوك العرب نصحوا بعدم المقاطعة فعادت اللجنة العليا الى التعاون وتقدمت للشهادة امامها.
"نكسة التقسيم"
امضت اللجنة الملكية ستة اشهر بين تحقيق وتحضير ثم اصدرت بيانها الذي اوصت فيه بتقسيم فلسطين (مع صغرها) الى قسم عربي وآخر يهودي وثالث انتدابي على ان ينقل "400" الف عربي من القسم اليهودي الى القسم العربي لقاء 20 الف يهودي ينقلون من القسم العربي الى القسم اليهودي، فكان هذا البيان وهذه الاوضاع ضربة قاتلة للعرب فجن جنونهم في كل مكان ورفضوه جميعا، الملوك والأمراء واللجان والجمعيات في بلاد العرب قاطبة.
"مؤتمر بلودان"
تنادت العرب في جميع الاقطار الى مؤتمر بلودان، وقد اشتركت فيه وفود من مصر والعراق ولبنان وسورية وشرق الاردن وفلسطين، وفي اليوم الثامن من ايلول سنة 1937 عقد المؤتمر برئاسة السيد ناجي السويدي رئيس الوفد العراقي ونيابة السادة محمد علي باشا المصري والأمير شكيب ارسلان والمطران حريك (لبنان)، وقد قرروا رفض التقسيم وحملوا بريطانيا المسؤولية اذا اصرت على تنفيذه، وان المجتمعون في المؤتمر مصرون على الغاء الانتداب ووعد بلفور ويطلبون وقف الهجرة وبيوع الاراضي العربية فوراً، وإعلان سيادة الشعب العربي في بلاده، واتخذوا قرارا سريا بتجديد الثورة اذا اصرت بريطانيا على قرارها، وقد قام الزعيم احمد الشكعة يقنعهم بان الشعب العربي الفلسطيني لا يتحمل ثورة ولا غيرها فلم يكترثوا لكلامه.
"تجديد الثورة"
تشكلت بعد بلودان لجنتان لجنة برآسة الحاج امين الحسيني لتلقي الاعانات وقد نزل في جونيه بلبنان، ولجنة اخرى لإيقاد الثورة وإدارتها وتزويدها بما تحتاجه وهم السادة نبيه وعادل العظمة وعزة ومحمد علي دروزة وفخري البارودي وأكرم زعيتر وواصف كمال، فكان اول قراراتهم ان لا يدعو فوزي القاوقجي (كان فوزي القاوقجي يسير باعتدال مع الفريقين فعد هذا ذنب لا يغتفر فأداروها مجلسيه حزبية متهمين الدفاعيين بالموافقة على التقسيم الامر الذي كان يعتبر خيانة ثم ندموا) فعهدوا بتجديد الثورة للقواد المحليين الذي مر ذكرهم، وقد شكلوا في الشام ثوار ورؤساء وقد بدأوا زحفهم من الحدود الشمالية يطوقون القرية العربية ويفرضون عليها عددا معينا من المسلحين ويضمونهم اليهم بصرف النظر عن ماضيهم وهويتهم، وبذلك انخرط فيها كثيرون ممن لا خلاق لهم فقاموا بأعمال شوهت الثورة وقد اندس آخرون من طرف اعداء الامة يقومون بأعمال أخرى، وكانوا يلحون بمعاقبة الجواسيس والخونة ففتح الباب الى الاغتيال فارتكبت اخطاء وصار صاحب الثأر يأخذ بثأره، وقد قام الاعداء باغتيال شخص معروف بوطنيته في كل قضاء لقلب الرأي العام ضد الثورة، وقد حصل ما ارادوا وصار اصحاب الثارات يستعينون بالجيش البريطاني، وقد انقلب الرأي العام ضد الثورة لا سيما انهم لم يصادموا الجيش البريطاني كسنة 1936م، وكثر المتجسسون عليهم لمعرفتهم بأماكنهم اذ انهم نصبوا محاكم للأهالي عندهم في الجبال وقد لبسوا ملابس خاصة تدل عليهم، وصار الثوار ينسحبون من التطويق (حتى ان عزة دروزة الذي كان متحمسا لهم لم يذكر أي واقعة لهم مع الانكليز في كتابه حول الحركة العربية، لان الهدف تحول الى تطهير البلاد من حزب الدفاع وغيره ممن اتهموهم بالخيانة والمكيدة.) ثم صار الجيش والمنضمون اليه باسم فصايل السلام يظفرون بالثوار فقتلوهم ورؤساءهم ولم ينج منهم إلا القليل الذين خرجوا الى العراق فاشتركوا بثورة رشيد عالي ولما غُلب ذهب رؤساؤهم واللجنتان الى تركيا وبلغاريا وألمانيا وسويسرة وغيرها.
ومما هو جدير بالذكر ان ثورة 1936 لم يقتل من قوادها احد ولم يقتل من ثوارها إلا القليل لان الشعب والحزبيين كانوا معهم يساندوهم ويسهرون عليهم وكانت قيادتهم حريصة على ان لا تساعد الفوضى ولكن ثورة سنة 1938 تدار من الخارج من لجنة دمشق ولما بلغتهم الفوضى قالوا ان الثورة تحتاج الى فوضى، ورحم الله الشعب الفلسطيني بإعلان الحرب العالمية الثانية فانقلب الانكليز يصالحون الحمايل والعائلات مع بعضهم فهدأت البلاد وحصل استقرار بأسرع ما يمكن، وأنبه الى ان هذه الثورة ينبغي ان تتخذ عبرة الى الابد.
الفصل الثاني
"خطط الانكليز لإذلال عرب فلسطين"
"الانتقام اللئيم"
بالرغم من وجود بريطانيين كبار يعترفون بخطئهم بمظلومية العرب فان الدعاية المعادية وأنصارها عدت كل عمل يقوم به العرب هو عدوان وقح وكل مطلب عادل هو تصلب وعناد فإنهم صمموا على الانتقام من العرب بحملهم على الانتحار اولا ثم التنكيل بهم والقضاء عليهم، وقد اتوا بالخبراء وأصغوا بكليتهم لشهادات ضد العرب، وقد جيشوا جميع ما عندهم من خبث ودهاء واستعملوه ضد عرب فلسطين كما سيتبين، وهذا ما قاله لي سليمان بك طوقان حين كان يقول بعدم اعادة الثورة "ان الذي سُفك دم بريطاني وسينتقم الانكليز شر انتقام" فكان هذا القول يفسر من حساده تفسيرا سيئاً.
"تواصي تيجارت"
في شهر تشرين الثاني سنة 1937 وصل الى فلسطين قادما من الهند المستر تيجارت دوبجين البريطاني الخبير بقمع الثورات والاضطرابات وبعد دراسة احوال فلسطين لا سيما العرب اوصى بما يلي:
1- استخدام بوليس اضافي من ابناء العشاير (الحمايل) المعروفة
2- تقليص الجيش الى مراكز حصينة فلا يتعرض للثوار
3- ايقاف المحاكم والبوليس وعدم التحقيق بالجرائم
4- بناء سور وقلاع على الحدود الشمالية
5- السيطرة على الطرقات العامة والسكك الحديدية
6- الزام جميع السكان بحمل هويات شخصية
7- ان يبطشوا بفريق دون الاخر
ونرى من هذه التواصي ترك البلاد بدون حكومة وبلا امن معرضة للفوضى والفساد وإذ لا يجد الثوار جيشا يصطدمون به فإنهم سيتسلطون على الاهالي وعلى بعضهم، ومع ان هذه الامور عرفت ونبه اليها فإنها قوبلت بعدم الاكتراث ولم تتخذ أي حيطة ضدها فنفذت بحذافيرها واتت بأضعاف النتائج المتوخاه منها.
"مقتل اندروس واستغلاله"
كان من الصعب جدا ان يتخلص عرب فلسطين من هذه المكايد والأحابيل فإنهم قاموا بعمل مفاداة فقتلوا حاكم الناصرة البريطاني مستر اندروس (قتله الياس الديك من قباطيه وقتل مستر موفد) فاعتقل القضاة الشرعيون في نابلس وطولكرم وجنين (وهم الشيخ عبد الحميد السايح والشيخ رامز مسمار والشيخ مصطفى العوري، والسادة عادل التميمي، صدقي ملحس، مصطفى البشناق، راشد ابي غزالة، عادل سمارة، سعيد عنبتاوي، امين القاروط، الشيخ اديب الخالدي، عبد العفو امين، والشيخ مطيع الدرويش احمد، والشيخ طاهر الطبري، والشيخ تقي الدين النبهاني.) وعدد من الشبان الوطنين واعتقلوا اعضاء اللجنة العليا ونحوا الحاج امين الحسيني عن رئاسة المجلس الاسلامي وعينوا مكانه لجنة ثم لم يتعرضوا لحزب الدفاع بشيء افراداً وجماعات وحملت صحف الانكليز واليهود على المفتي وحزبه واتهموه بالعناد والفساد واثنوا على النشاشيبي وحزبه وعدوهم معتدلين مسالمين، كان هذا العمل يوجب على العقلاء من العرب التريث وفهم ما ينطوي عليه إلا ان الامر كان بالعكس فقد تحاملوا على الدفاعيين وهددوهم وتمسكوا بالحزب العربي وقدسوه ونجحت المكيدة الى حد كبير وقد اغروا المخاتير بتقديم شبان للتطوع فتسلط عليهم الثوار فيما بعد وصاروا يغتالونهم، وقد اغتنم الفرصة فمدوا يدهم للاغتيال وقد اغتالوا في كل قضاء شاب وطني لإثارة الناس على الثوار (من ذلك الدكتور انور شقيري في قضاء عكا ورافع الفاهوم في اندور من قضاء الناصرة والسيدان احمد ومحمد ارشيد في قضاء جنين وحاولوا اغتيال الدكتور احمد الطاهر في قضاء نابلس إلا ان الامر انكشف وتبعه انتقام وفي غزة قتلوا السيد يوسف العلمي وقتلوا رئيس بلدية الخليل ناصر الدين ناصر الدين، وصدقي الدجاني في قضاء القدس) وقد عدلوا قانون الطوارئ الى اقسى حد فجعلوا من تضبط في حيازته طلقة واحدة مجرما يستحق الاعدام.
"عمليات الجيش"
لما تأكد الجيش امتلاء البلاد بالموتورين وتأصل العداء عاد الى اماكنه وصار يقوم بالتطويق والتفتيش فيخرج السكان ويفتش بأذى وعنف وحيث توجد البسة عسكرية او اسلحة ينسف البناء الذي وجدت فيه ومن وجدت معه يحول الى المحكمة العسكرية فيحكم بالإعدام (فتحت محاكم عسكرية تحكم بالإعدام وغيره ببينات بسيطة وقد اوقفت بإعلان الحرب العالمية الثانية).
"الخسائر"
قدر الانكليز قتلى العرب في الثورة الثانية (800) شخص وقتلاهم (28) ولم يقدروا على تقدير عدد الجرحى والمشوهين إلا اني اقدر القتلى بأكثر لان مجزرة حيفا (امتلأت حيفا بالعمال القرويين لا سيما من بين الطيريين والعرابيين وقد تحركت بينهم النعرات الحزبية فاقتتلوا فكانت القتلى لا تعد الى ان رجع فخري بك عبد الهادي الى البلاد فأشار على العرابيين جميعا بالانسحاب وطهر البلد من ممثلي الاجرام وقد وكل ابن عمه علي عارف عبد الهادي بذلك.) بلغت حداً لا يطاق قال لي الدكتور فؤاد ابي غزالة وقد انتقل الى نابلس بعد نصف وقت المؤامرة: "لقد قتل تحت داري حتى الان (38) عربيا بأيدي عربيه" ومن المحقق انه لم يقتل احد من القواد في ثورة سنة 1936م بينما قتل جميع قواد ثورة سنة 1938م اما القتلى والجرحى المسلحين والاهلين فمن الصعب احصاؤهم اما الذين اعدموا شنقاً بحكم المحاكم العسكرية فقد بلغوا (142) شخصا وحكم على (46) اخرين بالسجن المؤبد، مع انهم سنة 36م لم يتمكنوا من القبض على اكثر من سبعة اشخاص تفلت احدهم وحكم الباقون سنين ومؤبد ثم اعفي عنهم.
من هذا يفهم مبلغ حب الشعب لثوار سنة 1936م ومبلغ نقمته على ثوار سنة 1938م ومبلغ التفسخ والانحلال والانقلاب الذي اصاب الشعب العربي في فلسطين فان اسرى سنة 1936م انما اوقعوا انفسهم بتفريطهم ولم يدل ويشهد عليهم احدا اما اسرى سنة 1938م فقد دل وشهد عليهم اصحاب الثارات، اما الخسائر المالية فبالرغم من عدم وجود اضراب فإنها كانت اعظم لا سيما في المدن الكبيرة يافا وحيفا والقدس فقد نهبوها نهبا كبيرا.
الفصل الثالث
"انقاذ نابلس من المجزرة"
"الحملة المدبرة ضد نابلس"
نفرت نابلس من الوضع فلم تسمح بسكن احد من المهاجرين الأجانب وحافظت على أراضيها وارض القضاء فلم تفرط بشبر واحد بل بالعكس انقذت أراضي كثيرة في سهلي طولكرم وبيسان كما مر وحملت حملة شعواء على باعة الأراضي والسماسرة وكانت تضطرب وتثور كلما حصل اضطراب في البلاد.
هكذا سارت نابلس منذ بدء القضية وكان الكل يلهج بوطنيتها ويأمل منها النجدة والصلابة في الموقف في كل حين الا ان هذا كان جرما لا يغتفر بنظر السماسرة وباعة الأراضي وزعامة القدس التي كانت تخشى ان تأخذ نابلس الزعامة منها.
عمل الجميع على مهاجمة نابلس بالخفاء يرمونها بالتعصب والجمود والعدوان وفي هذه الأيام هاجموها علنا ورموها بالخيانة والمروق لان فيها اقطاب الدفاع الأربعة ومن ينضم اليهم وذنب نابلس انها لم تحتشد فتدمر بيوتهم على رؤوسهم وتقضي عليهم فيخلوا الجو الى خصومهم ولا يبقى من يهاجم السماسرة وباعة الأراضي ولا من يهاجم بريطانيا واليهود ولا يبقى متمرد على زعامة القدس.
ان البلد الذي كان قبل سنة مفخرة العالم العربي ويسأل الغربيون عن مركزه ونفوسه ومعامله وجيوشه اصبح خائنا مجرما يستحق الحرق والدمار وهكذا كنا نسمع بآذاننا واعيننا اذا ما زرنا أي بقعة في فلسطين، ثم سرت هذه الروح فاذا بها على السن النابلسيين خارج نابلس فينادون على تل ابيب ويعنون نابلس وهكذا تفعل الفتنة في النفوس:
وان أراد الله فتنة معشر واضلهم رأوا القبيح جميلا
"خروج القطبين وتحول الحملة على نابلس"
بعد مقتل الشيخ عطية السعدي القسامي كلفني بعضهم بمصارحة سليمان بك طوقان فزرته ليلا مساء الخامس من محرم سنة 1357هـ الموافق السابع من اذار 1938م وقد حضر السيد احمد الشكعة واشترك بالبحث واستعرضنا الموقف ونصحت بحل حزب الدفاع فرفضا، فقلت اذا اتركوا البلد فقال سليمان بك "افكر ولكن اسمع يا خال حالما نخرج تنقلب الحملة على نابلس وترون الاعاجيب" فقلت له لا بأس حينئذ يعرف فضلكم، وقد خرج بعد ذلك من نابلس هو وصديقه الزعيم الحاج احمد الشكعة والسيد احمد العبد الرحمن (اماتين) بعد امد واشتداد المنافسة وما كادوا يخرجون حتى انقلبت الحملة ضد نابلس باسرها فاتصلت بالوجهاء الحاج حسن حماد والحاج عبد الفتاح اغا طوقان والحاج نمر النابلسي فاتفقوا على الاجتماع في بيت الأخير فقرروا مراسلة عبد الرحيم الحاج محمد ولما لم تثمر قرروا ايفادي على السيد عبد الرحيم الحاج محمد وقد حملوني رسالة منهم، وبعد تجول ثلاثة أيام في الجبال اجتمعت به وقلت له "ان نابلس فيها عرضنا وعرضك (لأنه صهرنا لزواج اخته من ابن عمي صدقي اغا النمر) واخواتنا واخواتك فما معنى هذه الحملة ونابلس لم تبع أراض ولم تسمسر ولم تخن فقال صحيح نابلس كما قلت ولنابلس كل صيانة وهي في عهدتكم يا أغوآت" فطلبت استلام الجماعة الذين كانوا حولي من الحرس البلدي وايفاد من يتولى امرهم على ان يردوا صعاليك القرى عن نابلس، فارسل مصطفى الاسطة واستلم الحراس فوقف اشرف موقف.
وباجتماعي بحمد الزواتي في عصيرة القبلية اتفقنا على منع بعض الصعاليك الذين يدعون الانتساب اليه، ولقد كان لهذا السعي ولمساعي ابن عمي إسماعيل اغا النمر لدى عبد الرحيم الحاج محمد اثره في الحيلولة دون المجزرة اذ لو حصل شيء لنزلت النساء تأخذ الثأر كما تحققت في وقائع ماضية (من الأمثلة نديم جاموس قتل محمد أبو إسماعيل وقد حكم بخمس عشرة سنة وبعد ان اتم المدة ونزل لعمله باغتته مريم اخت المقتول تحمل مسدسا وهجمت عليه في السوق فامسك بعض الحاضرين بيدها ونجا من الموقف ولكنه هرب من نابلس وسكن مصر ولم يرجع، وكذا حين وقعت الدماء بين ال فريتخ والعفوري اشتركت النساء).
"حراسة نابلس ومنع تسلط الصعاليك"
تسلط الصعاليك من المدينة والقرى على أسواق نابلس يسرقون الدكاكين لا سيما الدخان والساعات فراجعني كثيرون فعقدت اجتماعا للمسلحين (اكثرهم ثوار سنة 1936 الذين تعاونت معهم وادرتهم في تلك السنة الى حد ما وقد بلغ عددهم "18" شخصا ونحو مثلهم يتصلون بي من القرى الغربية) - وكان بينهم بعض المتسلطين- فرتبنا حراسة الأسواق الغربية والوسطى- وتركنا الشرقية لجماعة المفتي- وقد وليت السيدين نافع ابي غزالة وعادل استيتية للمراقبة- وكانت مهمتهم شاقة لتعرضهم للصوص ولدوريات البوليس والجيش- الا ان هذا العمل لم يرق لجماعة المفتي فذهب مصطفى بك البشناق واقنع السيد عبد الرحيم الحاج محمد ليكف يدي فطلبني عبد الله الطه الى عنبتا فأعطيته قائمة تبرعات الحراسة (صرنا نجمع شلنا او شلنين او ثلاثة من كل دكان شهريا لننفقها على الحراس ثمن دخان وما شاكله فقالوا لعبد الرحيم الحاج محمد باننا نجمع اموالا) ليستلم المبلغ من اللجنة التي تولت ذلك وهم السادة محمد الشنار وأمين الطاهر وحامد الشنتير وظهر لهم انني لم استلم شيئا فنجوت من هذا المأزق الحرج وبرجوعي الى نابلس خطبت في مقهى الشيخ قاسم بنابلس منبها أهالي نابلس الى سوء النية المبيتة لهم. (كانت هذه مجازفة جنونية لأنها ضد "36" فصيلا من الثوار ولكنها نفعت اذ نقلت لسليمان بك طوقان بعد رجوعه فأفادت ونجوت من نقمة فريقه) ثم حضر مصطفى الاسطة من طرف عبد الرحيم الحاج محمد وتولى الحراسة - وقد جاهد لمنع اللصوص والمتسلطين وقد كان لموقفه اثره الحسن الا ان اصغاءه لبعض المشاغبين اوقعه في مشاكل أودت بحياته (جاء الى نابلس بإشراف ال النمر وحوله شيوخ العائلة اليّ وبمجرد وصوله قال لي: انني مصمم على تطهير بلدي وسأغتال أربعين وجيها فقلت له لا يوجد خيانة في نابلس وكل ما سمعته هو تحامل حزبي واياك ان تعمل شيئا من هذا فانه سيكون فيه القضاء عليك وعلى عائلتك وعلى عيال كل من يمشي معك لان الثورة لا تدوم الى الابد فيعقبها الانتقام - فتوقف الا انه خدع وتخاصم مع ثوار القرى لاسيما عصيرة فقتلوه هو وبعض اتباعه).
لقد عملت وأبناء عمي لا سيما إسماعيل اغا كل ما نستطيع لإنقاذ البلد فكان جهدا مشكورا قال لي الحاج نمر النابلسي "لو قتل احد من نابلس لاتهمتم به يا ال النمر لأنكم اصبحتم كل شيء في هذا الوقت الخطير واضطلعتم بالمسؤولية وقد نجحتم بارك الله فيكم" وهذا ظرف آخر ليس بالحسبان يدل على ان هذه العائلة موجودة فاذا حصل ظرف استغليته للخير والصلاح فيقبل عليها الناس بقلوب مطمئنة للعقيدة الراسخة عندهم بصلاحها وحبها لخير البلد، فلم اكن لأكتب الا ما حصل.
ومع ان الحراسة كانت عامة وانتفع بها الفريق الثاني الا انها لم ترق بأعينهم فعاكسوا ثم حملوا عارف عبد الرازق على الاسطة والفصيل الذي سلمته اليه فجردوهم من سلاحهم، فشكا الاسطة الامر لعبد الرحيم الحاج محمد فسلحه وامره بالضرب على الجيش من وراء بيوت جماعة المفتي فهرع الجيش الى بيوتهم وفتشهم واعتقلهم بقسوة (وقد حال الحاج عبد الرحيم النابلسي بشفاعته دون نسف البيوت اذ كشف المسألة بانها من الثوار، فسكن القائد وقد ساعده السيد فريد العنبتاوي ومصطفى البشناق وفايق العنبتاوي جماعة المفتي عند الثوار وعند المفتي فيما بعد وقد اتصل بهم وانضم اليهم فكان لهذا اثره في سياسة البلد فيما بعد، فالحاج عبد الرحيم كان مضطرا لهذا ولم يكن انقلابا على جماعته).
وقد استمر الاسطة يحرس البلد ويرد عنها الى ان تطورت الثورة الخ. وقد لفقت له شكايات ضد القطبين القارين في البلد وهما الحاج عبد الرحيم النابلسي رئيس البلدية بالنيابة والحاج طاهر المصري وطلب مني المساعدة بتسليمها لرسل حمد الزواتي وكيل عارف عبد الرازق في الجبال فرأيت العمل على ان اشرك معي الحاج حسن حماد وبهذا استطعت ان انبه المطلوبين وخرجت في اليوم الثاني والسيد وجيه البشتاوي بالهدايا من الحلويات والدخان الى عصيرة القبلية حيث كان حمد الزواتي وسلمناه مكاتيب القطبين يظهران استعداهما للحضور في مناسبة أخرى لئلا يتبعهما الجيش لان الخبر عم البلد، ثم عادوا الى التحامل والتعجيز والطلب الى ان ضعفوا وانتهوا.
"فشل التآمر الخبيث"
دبر قواد الثورة قتل بعض مخاتير القرى والوجهاء في نابلس كما يتسنى لهم ففتح باب الاغتيال في نابلس فكلفوا اثنين من فتيان نابلس من المسلحين والمنضمين اليهم لاغتيال الوجيه العصيري السيد مصطفى ابي شقرة في اعمر شوارع نابلس فوقع علي الخبر وقوع الصاعقة فكلفت الحرس للبحث وكشفت المسألة فظهرت (لقد كان لمقتل ابي شقرة اثره على الثورة اذ ان قريبه السيد محمد عبد الهادي ابي شقرة كان في الجيش العربي فركب في دبابات ومصفحات الجيش وغشي اجتماع القواد في دير غسانة وغيرها فقُتِل القائد أبو خالد وأبو عمر وغيرهما من القواد والثوار واخذ بثأر ابن عمه وضعفت همة الثوار في قضاء نابلس كثيرا، ثم اقنعه الشيخ احمد الحاج حسين الصانوري بالانسحاب فانسحب، وكان لهذا الوجيه مكانته عند الثوار هو واخوه كامل الحاج حسين الا انهما كانا ضد الاغتيالات وقد رحلا الى دمشق لما حدثت، وقد نسف بيتهم اذ بات فيه عبد الرحيم الحاج محمد قبل قتله ورفضوا التعويض من الحاج امين.) ونبهت الناس للتحدث بها وحلت دون استغلالها وبذلك فشلت هذه المكيدة.
"تفتيش الجيش"
لما يئسوا من فتح باب الاغتيال شكلوا فصيلا باسم فصيل نابلس يتصل بجماعة المفتي وصاروا يضربون على سيارات الجيش وعلى مركز الجيش وثكنات البوليس من بين الدور فكانوا يجيبونهم وقد قتلوا بعض الشبان واحرقوا عربة قطار السكة الحجازية فصمم الجيش على تفتيش نابلس وقد طوقوا البلد في الليل وبعد الفجر قاموا بعملية التفتيش وقد اخرجوا الرجال خارج البلد وابقوهم حتى اصيل ذلك النهار، على ان تفتيش نابلس كان خفيفا لان رئيس البلدية بالنيابة الحاج عبد الرحيم النابلسي قد تفاهم مع القائد البريطاني ولطف الجو، ولم تحدث سوى احداث طفيفة اثناء التفتيش اذا قيست بغير بلدان (لقد اشتبهوا ببعض شبان لتنقلهم بعد منع التجول فقتلوهم وصعد السيدان عفيف النمر ومدحت الشافعي على ظهر سطح بيت اخي الحاج احمد النمر وإذ كان متروكا وجد فيه (سترة) عليها علامات ضابط في الجيش العربي ظنوها لقائد فصيل فساقوهما ام الدبابة الى السجن وكاد الجندي يطلق النار على عفيف النمر لأنه كان يسوقه ويضربه بفوهة بندقيته فآلمه فانقلب وقبض عليهما فحرك الجندي محركها ليطلقها فصحت بالإنكليزية (فول. فول) أي مجنون مجنون وكان قد انزله من السطح الى داري وبعد العصر ذهبت واخي (رغم مرضه) فاعترف بان السترة له ولحسن الحظ وجدنا ضابطا بريطانيا في إدارة سيناء وهو يعرف العقبة حيث كان عمل اخي وبهذا انقذناهما من خطر الإعدام المحقق، راجع كتابي من السويس الى العقبة اذ فيه تفاصيل عن وجود اخي في موقع ومدخر العقبة الفيصلي.) وقد حصلت تفتيشات فرعية فهدمت بسببها بعض الدور.
"رجوع القطبين "
هنالك مسالة لم يكن بالإمكان التخلص منها وهي مطالب الثوار لان مركز الشام صار يقتر عليهم فتسلطوا على نابلس يطلبون المال والمؤن وصار قواد الفصايل يطلبون أيضا ولما افلت الزمام من أيديهم تعرضت البلد لفوضى كبيرة وضنك شديد وعجز الاسطة عن ردهم ثم قتل هو وجماعته، واستمر الضنك الى ان رجع سليمان بك وصديقه المذكورين (لقد شعر الناس بعد خرجوهم بالفراغ الذي تركوه لان التحامل اصبح على نابلس جميعها لنهبها وذبحها تأثرا بالدعايات السابقة، وبعد رجوعهم اتصل بهم كثيرون وتعاونا معهم وما زالوا يعملون الى ان انتهى الثوار والمسلحون وخرجوا.) وشكلت فصايل سلام لنابلس وقضائها واصبح يجري القبض على كل من يتهم بالانتماء للثورة وقبض على فصيل ثوار نابلس وقد تعرضت الدور الخارجية لمباغتات المسلحين امدا كبيرا وذاقت البلد مشقة فوضع حراس ودوريات خارجها.
الفصل الرابع
"جهود العالم العربي"
"رفع التقسيم"
انهالت الاحتجاجات على لندن واثار مندوبو العراق ومصر في عصبة الأمم امر التقسيم فأرسلت وزارة المستعمرات لجنة فنية قررت عدم جدوى التقسيم لضيق رقعة البلاد وعدم امكان التهجير فالغي قرار التقسيم (كان المحور يزيد وكانت روائح البارود تشم في كل مكان فرأى الإنكليز ان الحرب العالمية وذيولها تحتاج الى عشر سنين فرفعوا مشروع التقسيم على الرف ومنوا العرب الاماني حتى اذا ما انقضت الحرب عادوا الى التقسيم كما سيتبين اما العرب فقد ظلوا يرفضون التقسيم الى ان استولى اليهود على اكثر فلسطين فعادوا يطلبونه)
"مؤتمر لندن ومقرراته"
دعت بريطانيا العرب واليهود لمائدة مستديرة فذهبت وفود من مصر وسوريا والعراق والسعودية واليمن وفلسطين وابوا ان يجلسوا مع اليهود فاجلسوا كل فريق على مائدة وباحثوهم من 7 شباط 1939 الى 17 اذار 1939 وقد وقف في سبيلهم تمديد مدة الانتقال لعشر سنين فلم يتفقوا وانفض المؤتمر، ولكن الإنكليز لم يتراجعوا لا بل اصدروا كتابا ابيض ابانوا فيه مقررات المؤتمر وهي تتلخص بتحديد الهجرة وبيوع الأراضي ومنح البلاد حكما ذاتيا بعد تدريب في الخمس سنين الأخيرة أي انه في سنة 1945 ينتهي الانتداب ويبدل بمعاهدة.
فلم يوافق العرب ثم أعلنت الحرب العالمية واستؤنف العمل للقضية بعدها.
شارك بتعليقك