أوردت الأنباء حدوث هجوم مبكر على الفالوجة، في 14 آذار - مارس 1948. فقد جاء في خبر نشرته صحيفة "نيويورك تايمز"، وأسندته إلى مصادر يهودية، أن "قافلة إمداد يهودية" اشتبكت مع السكان في معركة قتل خلالها 37 عربياً و 7 يهود، وجرح "العشرات" من العرب وثلاثة من اليهود. وجاء في الخبر أن هذه القافلة، التي واكبتها عربات مصفحة تابعة للهاغاناه، كان عليها أن تشق طريقها بالقوة وسط القرية. غير أن مجموعة يهودية أخرى عادت في اليوم ذاته، ومعها فرقة للمتفجرات تابعة للهاغاناه، فنسفت عشرة منازل في الفالوجة، بما فيها البناء الذي يضم مجلس بلدية القرية؛ وهو مؤلف من ثلاث طبقات. بعد ذلك التاريخ بيومين، أكدت وكالة إسوشييتد برس أن الأبنية التي نسفت كانت تضم المجلس البلدي ومركز البريد. وقد أوردت صحيفة "فلسطين" خبر وقوع اعتداء في الشهر السابق، في 24 شباط - فبراير، لكنها لم تورد أية تفصيلات.
عند نهاية تشرين الأول - أكتوبر، حاصرت القوات اليهودية لواء مصرياً، كان يخدم فيه جمال عبد الناصر الذي غدا رئيساً لمصر لاحقاً، وكان متمركزاً في الفالوجة وفي قرية عراق المنشية المجاورة. وقد صمد اللواء فيها حتى شباط -فبراير 1949، حين سلم "جيب الفالوجة" إلى إسرائيل بموجب اتفاقية الهدنة بين مصر وإسرائيل. غير أن إسرائيل نقضت نصوص الاتفاقية فور توقيعها تقريباً، إذ أرغمت السكان بالإرهاب على مغادرتها في تاريخ لا يتعدى 21 نيسان- أبريل 1949.
عند نهاية الحرب كان لواء مصري ونحو 3140 مدنياً فلسطينياً محاصرين في "جيب الفالوجة"؛ وذلك استناداً إلى المصادر الإسرائيلية. وعندما تم تسليم هذا الجيب غادرته القوات المصرية، غير أن عدداً قليلاً فقد من السكان آثر المغادرة. وخلال أيام قليلة، باشرت الحامية الإسرائيلية المحلية ارتكاب أعمال الضرب والسرقة ومحاولات الاغتصاب، بحسب ما شهد مراقبو الأمم المتحدة الموجودين في الموقع.
وقد وجه وزير الخارجية الإسرائيلي، موشيه شاريت، تأنيباً إلى رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي بسبب ممارسات الجنود الإسرائيليين ضد السكان. وجاء في رسالة شاريت أن الجيش الإسرائيلي، فضلاً عن أعمال العنف المفضوحة، كان ناشطاً في إدارة حملة من " الدعاية المهموسة" في صفوف العرب، تتهددهم بالعنف وبأعمال ثأرية من جانب الجيش لا تستطيع السلطات المدنية أن تحول دون حدوثها. ولا شك في أنه كان هناك أسلوب عمل مدروس، غايته زيادة عدد الذين يغادرون القرية إلى تلال الخليل، بحيث يبدون أنهم يفعلون ذلك بملء إرادتهم، والتسبب- إن أمكن - بتهجير جميع السكان المدنيين من الجيب.
وكتب المؤرخ الإسرائيلي بني موريس يقول إن قرار العمل على طرد سكان "جيب الفالوجة" كان، على الأرجح، قد نال موافقة رئيس الحكومة دافيد بن - غوريون. وفيما بعد، تظاهر المسؤولون الإسرائيليون بالسخط حيال ما حدث، كما خدعوا المجتمع الدولي في شأن الأعمال الإسرائيلية. فقد قال وولتر إيتان، المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية، للسفير الأميركي جيمس مكدونالد، إن إسرائيل أذاعت "رسائل تطمين متلاحقة" للسكان من أجل حثهم على البقاء، غير أنهم تصرفوا كأنهم "رأوا في الأمر مكيدة"، وهجروا منازلهم. وقال إيتان إن السكان العرب كانوا "بسيطين وضحية الشائعات".
وفيما بعد، أصبحت الفالوجة مثالاً ونذيراً لسكان مناطق أخرى في فلسطين (ولا سيما الجليل)، حيث كانت السلطات الإسرائيلية تأمل بالوصول إلى النتيجة ذاتها خلال سنة 1949، غير أنها لم تصب نجاحاً مماثلاً.
أقيمت بلدة كركيات غات (128113) الإسرائيلية على الأراضي التابعة لعراق المنشية، والواقعة بينها وبين الفالوجة. وتوسعت الآن لتبلغ أراضي الفالوجة أيضاً. وقد أنشئت مستعمرات شاحر (123114) ونوغا (121114) ونير حين (123113) في سنة 1955 على أراضي القرية، كما أسست مستعمرة نهورا (121114) في سنة 1956 على أراضي القرية.
لم يبق من القرية اليوم سوى أسس مسجدها، وبعض البقايا من حيطانه. وتغطي الأنقاض المتراكمة والمبعثرة موقع المسجد. ويمكن مشاهدة بشر مهجورة وبركة، كما ينمو في الموقع صف من شجر الكينا ونبات الصبار وشوك المسيح والزيتون. وقد أنشئت عدة أبنية حكومية إسرائيلية ومطار على الأراضي المجاورة، المزروعة في معظمها 1.
1 : وليد الخالدي وآخرون، كي لا ننسى: قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة 1948 وأسماء شهدائها، ترجمة حسني زينة، بيروت: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 2001، ط3، ص563- 565.
Post Your Comment
*It should be NOTED that your email address won't be shared, and all communications between members will be routed via the website's mail server.