رسالة حب إلى أمي ، رنا عبدالله
أرسل رسالة الحب هده إلى أمي ، بكلمات بسيطه تعبر عما في قلبي
أمي ، أم سليم ، ذات شخصيه جذابه ، كان لها تأثير كبير في حياتي ، اشتد إليها الناس لذكائها و معمولها الطيب ، كانت إنسانه غير عاديه بالمجتمع العربي وقد كرست حياتها للعائلتها التي وهبها اياها أبي
أمي ، لم تكن تدع أطفالها السبعه أن يظهروا للناس بمنظهر غير لائق ، كانت دائما تذكرنا ، الناس لا تعرف أن معدتك خاويه ولكنهم يحكمون عليك بمظهرك ، لذلك يجب أن تظهروا للعالم مرتبين وأقوياء
أمي كانت بمنتهى الحنان والرحمه ، أذكر مره أن إبن الجيران وقع على الرصيف وجرح نفسه فهبت والدتي لنجدته ، وأم الطفل تصرخ من بعيد ، قلت عندها لأمي : ماما هؤلاء الجيران لا يحبونا ولا يكلمونا فقالت أمي: إنه طفل ، قلبه خالي من الكره ، وتذكري يا بنيتي أنه الحقد يولد الحقد وبالمقابل عليك بالعطاء والسلام والحب ، الكره ضد مبادئنا وديننا وعقائدنا ، هل ترون الان يا أهل أمريكا وكندا ؟ أنا لم أتربى على الإرهاب ، إنه ليس من طبيعتي
قذفني رحم أمي لأواجه الصراع مع آلام وطني ، قضية وطني ، قضيتنا العادله مثلها مثل قضية السود في أمريكا ، لاجئين التبت وكمبوديا وغيرهم
ياسر عرفات ذكر العالم أن رحم المرأة الفلسطينيه هو سلاح فتاك ، وذلك بسسب ما يسمى بالعالم المتحضر يخشى رحم المرأه الفلسطينيه ، وزراء إسرائيل يلفبونه بأنه تهديد سكاني
لم يولد طفل من بطن أمه وهو إرهاب ، إن خلل العداله هو الذي يسبب الإرهاب
أمي: إني لا أقدر على فهم كيف أنت تحملت الظلم كله ، كيف وأنت أخت الشهيد ، محمود الهمشري ، كيف تعاملت مع فقدانك لأخوك العزيز وانت تنظري الى موته خلال شاشات التلفزيون ، التلفزيون الذي أقفل لأعوام بعد ذلك في حداد ، خبر وفاته في باريس ترأس صفحات الأخبار ، وكأن حياة عائلتنا توقفت بعد ذلك وأصبح التاسع من يناير كل عام يوم محموم لدينا
وأنا طفله بحثت عن الاجوبه في كل مكان ، وبطبيعتي الطفوليه التي تميزت بكثرة الأسئله والتحقيقات وروح المغامره كنت دائما أسألك ، وقد كانت وفاة خالي الشهيد السمه المميزه لحياتي ، إنه ذلك الغضب التي وهج حياتي ، والهستيريا التي آلمت جدي وجدتي وهم ينظرون في ذهول إلى تخريب بيتهم في طولكرم و محنة فقدان إبنهم الشاب ، أمام ذل الاحتلال
لقد وجدت أجوبة لأسئلتي ، لم أتعب كثيرا في البحث عنها ، تدفقت من خلال نشرات الأخبار ، من خلال تناويحك وأشعار الموت التي كنت تردديها ، فبدأت أكتب ، على محارم الورق ، على قصاصات الكرتون ، في كتبي المدرسيه ، أو على أي وسيله أجدها أمامي ، حتى وجدت نفسي كاتبه مبدعه في عمر 12 سنه ، بسبب ما كان يؤلمني وأنا أراك بلوعة فقدان أخوك وذكريات تكبة 48
لقد تغيرت حياتي فيما بعد ، حيث بدأت افهم معنى الاحتلال وكل ما تحتويه من آلام ، لقد تعلمت منك نمط الاحتلال وأساليبه للتأثير على الاقتصاد ، الحياة اليوميه ، وطحن البشر ، تعلمت كيف يسيطر على حياة الناس وخاصة الاطفال
منذ شهور تمت دعوتي للمحاضره في جامعة ميموريال في سان جونز لتقديم قصة رحلة نجاحي المميزه في كندا ، هذه الرحلة التي تتواصل حتى مماتي ، اختنق صوتي وأنا أتكلم في هذا الكوكب المنكوب بالحروب
لحظات أخرى حاسمه في مشوار حياتي وهي عندما أدركت أني كطفله من أم فلسطينيه ملأت البيت محبه وتفاؤل ، رغم تخلل هذه الحياة بعض الأحزان والخسارات ، لكني أمي علمتني أن القوميه الفلسطينيه معناها أن نقف شاهدين ونسجل ، أن نقف ضد الظلم ، أن لا نقف صامتين ، كذلك لدى أمي الوطنيه معناها الرحمه و التسامح والاصرار على إيجاد جواب لكل ما لا نعرفه ، وهذه كانت قمة الأخلاق الفلسطينيه التي تربينا عليها
إنني كإبنه أم فلسطينيه ، كنت أتمنى أن أعرف وأشعر ما تحملته أمي من عذاب ، ولكن ذلك كان مستحيلا ، بشغف كنت أستمع لقصصها ، وكنت دائما أطلب المزيد ، شاركتها الدموع والاحزان ، وقيدت قصصها وأغانيها لاشعبيه ، وفي حوزتي مجلد بحجم دليل تلفونات مدينة تورنتو ،
سألتنا أمي سؤال : هل تعرفون ماذا يعني أن تهرب بملابسك وتترك كل ما في بيتك وتخسر كل شيء وبدون رجعه تخمد كل ما مضى؟ أحاول أن أتخيل نفسي في هذه المكانه ، ولكنه كان شيئا غير قابل للقياس والتصور
الاستقرار والبهجه غائبين في العديد من البيوت في وطني ، الحزن والاحباط يتوارثه الاطفال ، وهم بحاجه لبيت آمن وسعيد حتى يكبروا فيه
ظلام لا يرحل عن سماء وطني ، يؤلم الصغار والابرياء والعزل ، إسرائيل ، أبدا لا تلام ، تقتل بدون رحمه ، بدون شعور بالذنب ، تمزق أرحام الأمهات بقفازها، مولودة في مهدها تموت حيث يقع عليها سقف البيت ، طفل يموت وهو يلعب كرة القدم ، قلب أم يقتلع أمام فلذة كبها ممدا ، أب بحالة ذهول ، والكبار منهم جفت دموعهم ، وهم يراقبون استمرار وحشية العدو ضدهم لمدة 60 عاما
عيد الأم يؤلمني ، لا أستطيع أن أكتب عنه ، رغم أن أطفال فلسطين لا يتمكنون من شراء باقات زهور أو هدايا لأمهاتهم ، ولكنهم دائما أظهروا الحب لأمهاتهم ، هذه الأمهات الثكلى بعيون دامعه وآلام لا تحصى ، وهم يودعون أبناءهم الوداع الاخير
الكثير من هؤلاء الامهات ، إما أم لشهيد ، أو أم زوجها استشهد ، أو إبنها بسجون إسرائيل أو العكس ، أمهات قلوبها معصوره بالالم ،، دموع الأمهات الفلسطينيات مستمره منذ 60 عاما ، دموع حملت معها الأسى والعذاب والحسره
هناك أم فلسطينيه فقدت ولدها وتنظر حولها لمن يشاركها حسرتها ولكنها لا تجد أحدا ، لأن كل أم حولها تنتظر دورها لاستلام جثة ولدها ، يقتلعون الأطفال من أمهاتهم ويمنعون عنهم التعاطف مع بعض ، وجثة كل طفل تحمل رقما ، هل ننذب هؤلاء الاطفال ، هل لنا الحق؟ الانسانيه معدومه في إسرائيل والعالم بدون شفقه علينا
عيوني تغرق بالدموع كل مره أشاهد أم فلسطينيه من خلال الأخبار ، لأني لم أعيش ألمها ، لم أعيش مثل معاناتها ، في كل يوم وكل ساعه ، لم أذق هذه الحياة الجهنميه ، لم أحرم من حقوقي الانسانيه ، من كرامتي وخصوصياتي ، لم يكسر علي باب داري بوضح النهار أو بعتم الليل ، لم يهدم بيتي ، لم أحرم من الحياة العائليه العاديه
لأجل السخريه فإني أم فلسطينيه مغتربه متميزه ، بعيده كل البعد عن العنف والقمع رغم كل ما يتحمله أهلي وشعبي من هلاك يومي ، لماذا يتبدد شبابنا ؟ لماذا يهدر مستقبلهم ؟ لماذا يشوهون ؟ لماذا يقتلون ؟ لماذا أمهاتنا ينحبون بدموع لا تنتهي؟
إنه لعالم مقزز بصمته وسلبيته ، من الصعب أن أهضم ما أرى ، ولكني عاجزه ، عاجزه يا ماما ليس لدى طاقه ، إنني كذلك أشاهد تاريخ فلسطين يتلاشى بصمت ، يبهت ببطىء
كل ما أفلعه يا أمي هو أن الاستمرار في الكتابه و رفع صوت الحق في وجه القوه التي تسيطر على العالم ، هذه القوه التي تحكم بنظام الغابات ، في عالم يعرف قاتل المدنيين بأنه الضحيه والمقتول الذي لايملك الدفاع عن نفسه بأنه الارهابي
كذلك أكتب لوسائل الاعلام ، أكتب لأعضاء البرلمان ، أفعل كل ما في وسعي ، ولا يهمني من الذي يحكم حماس أو فتح ، إني فقط فلسطينيه
لن أخاف أن أخسر أكثر يا أمي ، بعد خسارتنا في نكبة 48 ونكسه 67 ماذا بعد؟ لن أتنازل أكثر عن ذلك ، ماذا هناك أصلا للتنازل عنه ؟ بعد أن خسرنا كل شيء؟ خسرنا كل شيء؟ هل سيكون لون دمي أكثر احمرار من دم أطفال فلسطين؟ أبدا لن أصمت
بلدي فلسطين وسوف أعود
Post Your Comment
*It should be NOTED that your email address won't be shared, and all communications between members will be routed via the website's mail server.